الانتخابات وتسيد العائلية

7 نوفمبر 2018آخر تحديث :
عمر حلمي الغول

عمر الغول-الحياة الجديدة

تمت الجولة الأهم في انتخابات المجالس القطرية العربية في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل في 30 تشرين الأول الماضي، وما تبقى جزء يسير لا يؤثر على القراءة للتطورات، التي شهدتها المعارك الانتخابية في المدن والبلدات والقرى الفلسطينية العربية، لا بل إن ذهاب المجالس الباقية لجولة ثانية يساعد في رصد الحدث بشكل أشمل، لأن ما شهدته كان جزءا من الأزمة، التي عاشتها، وتعيشها الجماهير الفلسطينية داخل دولة الاستعمار الإسرائيلية، لأن المساومات، التي تمت وجرت بين بعض الكتل والشخصيات المتنافسة في تبادل الأدوار والمسؤوليات على رئاسة المجالس، حملت في طياتها مصادرة دور الناخب الفلسطيني، ومنحت أقطاب الكتل فرضية أنها الحاكم بأمره، والمقرر في حياة السكان والمجالس البلدية والمحلية.

من الطبيعي جدا أن كل عملية انتخابية أيا كان مستواها تقوم على التنافس بين القوى والشخصيات المتنافسة، وتشهد طرح رؤى وبرامج متباينة نسبيا أو جذريا ارتباطا بطبيعة العملية الانتخابية إن كانت سياسية أو برلمانية أو اجتماعية خدماتية أو نقابية، وحسب خلفيات واختلاف القوى المشاركة فيها. وإذا قصرنا الحديث عن الانتخابات القطرية البلدية وفي المدن والبلدات الفلسطينية، المفترض ان تكون التباينات ضيقة، وترتكز على التناقضات غير التناحرية، لا سيما وأن الاجتهادات بين القوى المتنافسة تقوم على بعدين، هما: الأول تقديم أفضل خدمة بلدية للجماهير الفلسطينية، وتطوير المدن والبلدات ومخططاتها الهيكلية، وزيادة الموازنات، والارتقاء بالمسألة التربوية والصحية والبيئية، وخلق سكن لائق للأجيال الجديدة؛ الثاني التصدي المشترك لحكومة الأبرتهايد الإسرائيلية، ولكل أشكال التمييز، التي تعمقت بعد إقرار الكنيست قانون “القومية الاساس” في 19 تموز الماضي، وتعميق المساواة في ميادين الحياة المختلفة بين المواطنين العرب وبين الإسرائيليين اليهود، المسيطرين على كل مفاصل الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية والتربوية والثقافية والدينية، لأن الخطر يتهدد الكل الفلسطيني داخل الخط الأخضر بشكل خاص والفلسطينيين بشكل عام في الوطن والشتات.

لكن ما حدث في الانتخابات الأخيرة عكس عمق الأزمة، التي يعيشها أبناء الشعب الفلسطيني في داخل الداخل، حيث شهدت العملية الانتخابية تناقضات تناحرية غير مشروعة، وغير مبررة تحت أية حجة وذريعة، وأيا كان حجم التباين بين الأقطاب والكتل والشخصيات المتنافسة على استقطاب الجماهير لصالحها. ولوحظ ذلك في العديد من المدن والبلدات والقرى، كان أبرزها ما حصل في المدينة الأكثر كثافة سكانية، الناصرة وأم الفحم وحتى شفاعمرو، هذا بالإضافة للعديد من البلدات مثل: كفر كنا، وسخنين وعارة وعرعرة وبلدات النقب بشكل عام وغيرها من المجالس القطرية والمحلية. فما هي الأسباب الموضوعية والذاتية لهذا الخلل الكبير والعميق؟

دون الذهاب بعيدا في ربط المسألة بالتحولات الدراماتيكية، التي يشهدها العالم ككل نتاج صعود قوى اليمين والقومية الشوفينية في العديد من دول العالم، وهيمنة النظم الفاسدة والرجعية في دول العالم الثالث، والانهيارات الملازمة لها في بنى ومركبات الأحزاب والقوى الديمقراطية، وبتسليط الضوء على العوامل الملاصقة والمتداخلة مع واقع الجماهير الفلسطينية، يمكن تحديدها بالتالي: أولا يقف على رأسها دور حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، وأجهزتها الأمنية، التي لم تترك فرصة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو قانونية أو دينية وإفرازاتها الطائفية إلا وسعت للنفاذ منها إلى قلب المجتمع الفلسطيني بهدف تفتيته، وتمزيقه من خلال الاستخدام الأمثل لسياسة العصا والجزرة، والتحريض المتواصل على القوى الوطنية والديمقراطية، وعلى الهوية الفلسطينية الجامعة، ونزع الفلسطيني من أعماق هويته الأشمل، اي الهوية الوطنية، ودفعه نحو الهويات القزمية الدينية والطائفية والمناطقية والاجتماعية؛ ثانيا الحالة الفلسطينية العامة، التي تشهد تراجعا عاما نتاج الأزمة البنيوية المتجذرة منذ عقود ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وهجوم معسكر الأعداء الإسرائيلي الأميركي، الذي يستهدف المشروع والهوية الوطنية الفلسطينية العربية، وانعكاس ذلك سلبا على الروابط العميقة بين التجمعات الفلسطينية الرئيسية؛ ثالثا تسيد العائلية في أوساط الجماهير الفلسطينية على حساب الانتماءات الفكرية والسياسية الوطنية والديمقراطية، وهذا يعود لأكثر من عامل أبرزها عدم تمكن القوى والأحزاب المركزية الديمقراطية من مواجهة التحديات الإسرائيلية والقوى المرتبطة معها في الوسط الفلسطيني، وابتعادها عن نبض الشارع في المدن والبلدات الفلسطينية العربية، ونتيجة أزماتها الداخلية، التي أثرت على خياراتها في ترشيح شخصيات وقوائم وازنة ومؤهلة للمنافسة؛ رابعا سطوة الخطاب الديماغوجي والشعبوي على الحملات الانتخابية، والمساومات الرخيصة بين بعض القوى الدينية والشخصيات والكتل المرتبطة مع مؤسسات الدولة الإسرائيلية، وعدم تمكن القوى الوطنية والقومية والديمقراطية من الاتفاق على قواسم مشتركة، وعدم الاستعداد فيما بينها لتقديم تنازلات متبادلة لخدمة المعركة الأهم، وهي مواجهة برامج ومخططات حكومة الائتلاف اليميني المتطرف الحاكمة…. إلخ من الأسباب والعوامل الثانوية.

هل نتائج الانتخابات للمجالس القطرية والمحلية تؤثر لاحقا في الانتخابات البرلمانية للكنيست الـ21 القادمة، التي باتت على الأبواب، وتنعكس سلبا على مكانة وحجم القائمة المشتركة (هذا إن لم تحدث مفاجآت لاحقا نتيجة تعمق التباينات والخلافات في صفوف القوى السياسية المختلفة المشكلة لها)؟ من الصعب التنبؤ بما يحمله المستقبل المنظور. والأيام القادمة وحدها تحمل الجواب.

الاخبار العاجلة