انقلاب جديد بالبلطة والبلطجة وحكم الملثم

5 يناير 2019آخر تحديث :
انقلاب جديد بالبلطة والبلطجة وحكم الملثم

بقلم: عبد الاله الاتيرة،
عضو المجلس الثوري لحركة فتح
مسؤول المقاومة الشعبية

تلقيت اخبار الاعتداء على مقر تلفزيوننا الوطني في غزة، تلفزيون فسطين، لن اصف مشاعري، لكنني سأناقش الأمر من زاويتين: الاولى هي موضوع الصور التي تتالى للمقر المحطم والثانية هي ردة فعل سلطة الانقلاب والانقسام على “الجريمة”.

تكشف الصور التي تردنا تدميرا انتقاميا للاجهزة والمعدات لم تنج منه الحوائط، وبينما بكى مصور لتلفزيون فلسطين الكاميرا التي وثقت اعتداءات الاحتلال الاسرائيلي على مدى سنوات طويلة، نقلت احدى الصور واحدة من ادوات تنفيذ الجريمة: البلطة التي حملها “ملثم” تعرفه سلطة الانقلاب جيدا.

اعادت هذه الصورة والصور المرافقة الى ذهني مشاهد الاعتداء الآثم على مقر تلفزيون الاقصى في غزة قبل مدة قصيرة والاقتحام الذي تعرضت له وكالة الانباء والمعلومات الفلسطينية –وفا- في رام الله بعد ذلك التوقيت بقليل، الحدثان اللذان بينهما قاسم مشترك اكبر من التدمير ومحاولة اسكات الصوت والترويع يتعلق بكون الاحتلال الاسرائيلي هو الفاعل الذي اثبت ويثبت انه الخصم لكل ابناء الشعب الفلسطيني على اختلاف انتماءاتهم الحزبية وتقسيماتهم الجغرافية لولا حماس التي تصر على تقليده والتماهي معه لكن في العمق الفلسطيني.

حين نتذكر تاريخ الاعتداء الطويل على الاعلام الفلسطيني، فاننا لا نستطيع ان ننسى اعتداء الاحتلال الاسرائيلي على تلفزيون فلسطين وتدمير مقره في مدينة رام الله- أم الشرايط عام 2001 واستهداف موظفيه المستمر، اما الان، فاننا نشهد حالة كي جديدة للوعي الفلسطيني من خلال صور تحطيم مقر تلفزيون فلسطين في غزة والتي تمت بذات منهجية الحقد والمحو والالغاء التي مارسها الاحتلال وتمارسها حماس منذ انقلابها البغيض عام 2006.

حاولنا- ومن اجل المصالحة الفلسطينية- تجاوز صور سحل ابناء الفتح واطلاق النار على المفاصل وتدمير مقر ابو عمار في غزة واستلاب محتوياته، رغم ان هذه الصور شاهد حيٌّ على جرائم حماس الداعشية الظلامية التي ما زالت تصر على تدمير اي امكانية لانهاء هذا الوضع الانقسامي الشاذ والذي لا يعتبر الاول في تاريخ المنظمة الطويل ولكنه الاطول والاشرس والاكثر اصرارا على الاساءة والتدمير وخلق بدائل فصائلية مشوةٍ ومشبوه ابعد ما يكون عن طرح مشروع وطني حقيقي يستند الى التحرير، بل الى دعم تمرير تنفيذ صفقة القرن.

ففيما يصرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن مشروع صفقة القرن لن يمر وانه لن ينهي حياته خائنا للقضية والشعب والحلم الفلسطيني، ما زالت مقابة اسماعيل هنية حول ارسال ابنائه لنفيذ عمليات مقاومة للعدو تعيد الى الاذهان سعي حماس لتمرير مشاريعها العائلية والاخوانية على حساب ابناء الشعب الفلسطيني وبدمهم، والذهاب الى تنفيذ مشرع انفصالي من خلال ابدائه الاستعداد للجلوس الى طاولة مفاوضات مع امريكا واسرائيل وزيارة البيت الابيض تتردد عاليا في اذهاننا ووعينا الوطني.

اما القراءة الثانية لمشهد التدمير فهو تصريح البزم بأن سلطة الانقسام والانقلاب تنتظر الحصول على شكوى من ادارة تلفزيون فلسطين لبدء التحقيق وهو الامر الذي يتنافي مع ابسط ابجديات معالجة الجرائم لا سيما ونحن نتحدث عن اعتداء على مقدرات الشعب الفلسطيني واملاكه وصوته العالي في مواجهة الاحتلال والانقسام، وهو تصريح يحمل من الشماتة والاستفزاز والتحدي أكثر ما يحمل من التصريح باي كلام حتى لو لرفع العتب حول اتخاذ الاجراء للكشف ومحاسبة المنفذين، واقول اي كلام، لانني اؤمن تماما بانتفاء النية لدى سلطة الامر الواقع وأنا اعرف تماما حجم سطوتها وسلطتها وجبروت مخابرتها على ارض غزة، وبهذا فان حماس تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة الجبانة التي وقعت على ارض فلسطينية تديرها بحكم الامر الواقع. ان استمرار هذا الانقلاب الاسود لا يهدد ليس المشروع الوطني فقط، بل وايضا المكونات الاجتماعية والثقافية والمسلكية والسياسية للشعب الفلسطيني. وحتى وان استطاعت حماس حماية الشعب الفلسطيني في غزة وممتلكاته وارواحه، وهي التي سجلت منذ الانقسام الفلسطيني ابشع اشكال الاستهداف للبشر والحجر والذاكرة والامن والذي لن تكون نهايته الاعتداء على ابناء الفتح وماجداته بالاستدعاء والتحقيق والشتم والتخوين وتحطيم مقر تلفزيون فلسطين، فانها مطالبة بانهاء هذا الانقسام الشاذ واعادة غزة الى حضن الشرعية الفلسطينية حتى نتفرغ لخصم واحد لم عرف غيره على مدى 54 عامة من الانطلاقة والثورة والنضال في اركان الارض ودفع ثمن حلم اقامة الدولة الفلسطينية وعاصتها القدس، هذه القدس التي لا تشير اليها سلطة الانقسام ولو خجلا في اي خطاب او مشروع لانها تحاول جاهدة اسقاطها ضمن مشروعها التصفوي ليس فقط من معادلاتها السياسية بل وايضا من الذاكرة الفلسطينية والتاريخ والنضال القلسطيني، لا نعرف الفتوى الاخوانية التي تستند اليها لتمرير دويلة او شكل حكم دون ان تكون القدس قلبه واساسه وسياجه الحامي وميثاقه الغليظ، ولكننا نعرف سياسة التركيع وتقبيل الايادي التي تنتهجها حماس وسياسة اليد السفلى دائما.

التداعيات حتى الان من قيادات حماس وناشطيها على مواقع التواصل مخجلة ومعيبة، واذا كان هناك من يمكنه ان يُذَكِّر حماس بموقفين أخيرين لربما اعتلى وجهها بعض الخجل، الاول هو منع القيادة الفلسطيينية بتوجيات مباشرة من رئيس الفلسطينيين وقائد الشرعية الفلسطينية الرئيس ابو مازن التصويت على اعتبار حماس منظمة ارهابية في مجلس الامن، فحبر القرار لم يجف بعد مثلما يجف الحياء والانتماء الحمساوي بسرعة، والثاني هو الوقفة المشرفة لتلفزيون فلسطين مع تلفزيون الاقصى عقب تدمير مقره على يد الاحتلال الاسرائيلي وعرض مقره، الذي دمره “ملثمون” في غزة التي لا يتحرك فيها طير في السماء او نمله في باطن الارض دون ان تحصي عليه مخابرات حماس نفَسَهُ. ان قرار القيادة الفلسطينية بأن يكون مقر تلفزيون فلسطين المدمر الان مقرا مشتركا مع تلفزيون الاقصى ولموظفيه عقب تدميره بيد الاحتلال انما يمثل مسعى اختارته الشرعية الفلسطينية ليكون مدخلا لانهاء الانقسام يبدأ من الاعلام، لولا اختيار حماس الظلامية ذات الباب لترسيخ انفصال وانقسام يبدأ من بوابتنا الاعلامية، تلفزيون فلسطين، ولم ينته ولن ينتهي فيها.

نحذر الان من واقع يقوده “ملثم” تعرفه اجهزة مخابرات العالم كله ونحن، كما نحذر من توقيت هذا الاعتداء. وحيث نواجه الاحتلال في الخان الاحمر وكفر قدوم وكافة مناطق الصمود والمقاومة والمعركة التي تدور حول القدس وتغول عنصرية وتحريض نتنياهو وحكومته وما يعانيه اسرانا البواسل في سجون الاحتلال، تستمر حماس بنهجها الشاذ والانفصالي، فلماذا الان ولصالح من؟

الاخبار العاجلة