حالة الإنهاك في “حماس”

9 يناير 2019آخر تحديث :
حالة الإنهاك في “حماس”

بقلم- بكر أبوبكر

عملية التخبط وافتقاد الرؤية السياسية التي يعيشها الوضع الفلسطيني عامة، وما يتناثر حوله من فوضى عارمة وفقدان أفق للحل، زادت من تشتت القوى لا سيما وانكماش دفقات الهواء القادمة مع الامل بالمستقبل، فتقاتلت القوى في مساحة العراك الداخلي بينها على حساب التوحد نحو الهدف الرئيس وهو التخلص من الاحتلال لأرض فلسطين.

إن تعملق عقليات الاستئثار والسلطوية والحصرية، لسبب التخبط والانسداد والتناثرالتنظيمي تحاول أن تتقوقع حول ذاتها بعملية إيهام أن العدو يأتي من الخارج الوطني أي من الفصيل الآخر، وليس من داخل الفصيل أو التنظيم المهتريء تعبويا وسياسيا ما يستوجب عملية الاصلاح والنقد الداخلي.

تحدثنا عن حركة فتح وتعملق النباتات المتسلقة فيها وتحدثنا عن النماذج التي تصاب بحالات من الاحباط واليأس الى الدرجة التي تتبنى فيها وضعية الركود وعقلية الوظيفية مقابل العقلية الثورية والنضالية.

وسنتحدث اليوم عن ما يحدث في فصيل حماس، إذ يرى المراقب في حملة الاعتقالات والمداهمات القاسية، والاستدعاءات لكوادر حركة فتح في غزة وكأن حماس قد استنفرت كل قواتها نحو الخطر الداخلي أي خطر فقدانها السيطرة على سلطتها.

حماس في غزة لا تعمل ولا بأي شكل من الأشكال على التخلي عن سلطتها، لا سيما وعديد الدعوات التي تظهر وتشجع التيار الانفصالي في حماس على الاستقلال بغزة، وجعل ذلك واقعا قائما خاصة وأن الاعتراف الاسرائيلي الكامل بهذا الكيان من خلال ما يحصل عبر المندوب السامي القطري في غزة أصبح واقعا قائما وينظر له ولا يحتاج الا الى ترسيم فقط.

اسكات الصوت الفلسطيني في غزة، أي قطع رقبة فضائية فلسطين من خلال تدمير مقرها، ومن خلال الاعتداء على طواقمها هو محاولة واضحة للقضاء على آخر معقل يثبت وجود السلطة الوطنية الفلسطينية في غزة، ما يتفق مع طبيعة النهج التخريبي الانفصالي في حماس منذ انقلاب 2007 الدموي الذي أسمته حماس “الحسم العسكري”.

“الحسم العسكري” لمليشيات حماس استولى على كافة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وعلى النقابات والجمعيات والجامعات فمنع أي ممارسة ديمقراطية او استقلالية، ثم قام بتأميم المساجد خالصة لفصيل حماس دونا عن الفصائل الاخرى ودونا عن المسلمين بحيث تحولت المنابر الى هتافات سياسية وتنظيرات لفصيل دون غيره كما نلاحظه في كل جمعة يخطب فيها قائد في حماس من على “منبر الرسول”.

حجم الاعتقالات الكبير في غزة هذه الأيام تخوفا من انطلاقة حركة فتح لا تشي الا بمقدار الرعب الذي ينتاب قيادت الانفصال في حماس من أن الأرض تحت أقدامهم غير ثابتة.

لا سيما وأن حماس  تبنت الشعارات من النقيض الى النقيض، فبعد أن كانت مسيرات العودة تنهد الوصول الى حيفا ويافا واللد أصبحت مكرّسة فقط لفك الحصار، وبعد أن كان الشعب يستطيع الصمود على الزيت والزعتر أصبحت المنحة القطرية الاسرائيلية غاية الاماني ونهاية الرجاء الذي يتطلبه حكم حماس.

لم يكن استثمار حركة حماس في المقاومة استثمارا ثوريا بمعنى تحويل المجتمع الى مجتمع ثوري نضالي متكامل يدمج كل الشرائح والفصائل تحت مظلة الفكر النضالي، فهي رغم المقاومة للعدوان الاسرائيلي من أبطال غزة الذي تكرر لعدة مرات الا ان الانهاك قد أخذ موضعه من الحزب الاخواني الفلسطيني الذي بات يتفادى أي مواجهة بكل الوسائل عبر اعتقال أوإطلاق النار على أي مطلق صاروخ او رصاصة، او حتى حجر أو بالون كما حصل بالاتفاق مؤخرا فيما يتعلق بمسيرات العودة.

ان الانهاك الذي أصاب بنية حماس والحيرة القاتلة بين السلطوية والثورية بدأ يتجلى في 4 مسارات أو نقاط:

الاول: هو القبض بيد من حديد على الحكم في غزة، ضاربين بعرض الحائط كل الاتفاقيات منذ مكة فصاعدا، وكأن منطق الاستئثار بالسلطة وشهوة الحكم قد أصبح هو السائد بلا منازع ولا يفيد معه شتم السلطة الوطنية الفلسطينية، واتهامها بما أصبحت حماس ذاتها تعاني منه بوضوح في تتبع سلبي لأثر من سبقوها.

الاستئثار بالسلطة لدى حماس نحّى جانبا منطق الثورة أوالمقاومة فاقترب هنا من عملقة العقل الوظيفي على حساب العقل الثوري، فما بالك والعقل الوظيفي لدى “حماس” من السهل تطويعه بقليل من التبريرات الأيديولوجية الدينية فيصبح كل فعل نضالي أو غير نضالي قابل للتبرير مادام الحزب هو من قام به وبالتالي فإن قداسة وأوحدية التبرير العقدي تجعل من المخالف وكأنه ضد الرب. 

وفي النقطة الثانية يلاحظ على سطوة حماس في غزة أنها، وعلى درب السلطة الوطنية الفلسطينية تسير وتحث الخطى، رغم أنها حزب وليست دولة، فقد عقدت سلسلة من الاتفاقيات –غير المباشرة- مع الاسرائيلي في أمور شتى، والجلي الفاقع منها اتفاقية عدم الاعتداء أوالالتزام بالهدنة بشكل حقيقي وواقعي، ما قد يستدعي التغطية على هذه الاتفاقيات بتصوير الخطر أمام الجماهير وخاصة جمهور حماس كأنه داخلي، وكانه القادم من حركة فتح أو من السلطة فقط، بعملية تبرير للانتقال من النقيض الى النقيض في العلاقة مع الاسرائيلي عبر المتعهد القطري.

اما النقطة الثالثة التي تظهر الانهاك الحاصل ميدانيا ، فيتجلى بتكبير شأن الرواتب الخاصة بفصيل “حماس” أو مليشياته التي شكلت جيشا ضاغطا على قيادته. جيش كان كان يتغذي بحجم كبير من الخارج، وكان يعمل سابقا بالاتاوات والخاوات، ومن خلال الأنفاق التي دمرت تقريبا، او في إطار المواجهة العسكرية التي انتهت، فتصبح المطالبة باغلاق هذا الباب-نتيجة الضغط الداخلي الضخم في حماس- عبر الوسيط القطري مرهونا بال15 مليون دولار مقابل ما يسمى بالتهدئة او الهدنة طويلة الامد وهي حقيقة القائم بالعلاقة بين حماس وبين الاسرائيلي.

في النقطة الرابعة ومع تعملق وانتصار تيار الانفصال في فصيل “حماس” تسقط كل اعتذارات خالد مشعل عن محاولات حماس الدائمة والدؤوبة منذ انطلاقتها لكسر حركة فتح ومنظمة التحريرالفلسطينية، واستنساخ نفسها كبديل اوحد، وتسقط كل مسارات التطوير التي ادخلها على فكر حماس متجها به نحو الاستقلالية الجزئية أو التمايز عن الاخوان المسلمين، ونحو التطوير ونحو الواقعية التي قبل معها كل ما كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد قبلته منذ زمن طويل.

يبدو أن هذا الامر بحقيقته على الأرض لم يلقَ القبول الداخلي في حماس مطلقا، فنشط أتباع الرفض لكل ذلك ينشئون منعزلهم الخاص أو امارتهم الخاصة، التي لم يعد لينفع معها كل الخط الفلسفي الذي بدا فيه مشعل كلامه حول وثيقة حماس 2017 من ضرورة أن تعتمد هذه الوثيقة وتدرس داخل حماس حيث أن الواقع أنها مزقت في غزة فور صدورها وكأنها لم تكن.

ان الحالة الفلسطينية عامة، ومنها “حماس” تعاني أزمة داخلية خانقة، وقلق شيد وتنازع وانهاك، وتنازعات اقليمية، وانسداد أفق سياسي  لم يعد معه نظامها قادر على احكام السيطرة على غزة دون أن يكون ثمن ذلك دم جديد.

الاخبار العاجلة