لماذا يا دونالد ترامب؟

9 ديسمبر 2017آخر تحديث :
من غزة إلى نابلس

بقلم يحيى رباح- عن الحياة الجديدة

وهكذا في غمضة عين، وفي أداء مسرحي هزيل، وقف الرئيسي الأميركي دونالد ترامب أمام الكاميرات في البيت الأبيض وهو يحرك كلتا يديه، وتحدث لبضع دقائق، ليعلن أنه يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، متهما الأداء السابق للإدارات الأميركية بالفشل، ثم جلس إلى طاولة ليوقع على قرار نقل سفارة أميركا إلى القدس، ويمسك القرار الذي عليه توقيعه ويعرضه للكاميرات كعادته، دون أن يظهر على ملامحه الخطيئة الكبرى التي قام بها، والفعل الأحمق الشائن الذي ارتكبه، وأول تداعيات هذا الفعل أنه أخرج بلاده نهائيا من الدور البالغ الأهمية الذي تقوم به من عقود، وهو التوسط في صراع الشرق الأوسط، الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والعربي الإسرائيلي، ورعاية عملية السلام.

والأدهى من ذلك، أن ترامب، لم يظهر عليه فداحة ما قام به من صدمة وإحباط وإهانة وإذلال لكل حلفائه العرب والمسلمين، ولكل شركائه الدوليين سواء الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، أو بقية الدول الكبرى، أو حلفائه في الإتحاد الأوروبي الجار الأقرب لصراع الشرق الأوسط.

لماذا يتخذ دونالد ترامب هذا القرار الأحمق؟ هل هو عدم المعرفة بأعماق هذا الصراع ومنتجاته، أم أن هذا القرار المفاجئ والسطحي والغبي وراءه ما هو أخطر منه بالنسبة له، وهو الخطر الوجودي المتعلق ببقائه في البيت الأبيض، وتحت ثقل هذا المأزق فإنه ذهب طائفا محتارا إلى من يعاني من التهديد الوجودي في البقاء وهو بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي تضيق عليه الدائرة، وتخنقه المأزق عبر ملفاته المتعددة، فيتجاهل الجميع، ومصالح الجميع، وشراكة الجميع، وعقد معه الصفقة المخجلة التي لا يجيد سوى مثلها كسمسار عقارات بارع، وملخص الصفقة أن يعمل نتنياهو لدى اللوبيات اليهودية في أميركا، ولدى جماعات المسيحية المتصهينة في أميركا، جماعات حاجز التوراة، على إنقاذ ترامب، وأن يعمل ترامب على أن يظهر نتنياهو بدور البطل الذي فاز بالقدس.

ما زلنا في بداية المعركة، والقدس خط أحمر، فمن هو الزعيم العربي أو الإسلامي الذي يمكن أن يدير ظهره للقدس؟ ومن هو الفلسطيني الذي يمكن أن يتخيل فلسطين من دون القدس، ومن هو الزعيم العالمي الذي يقبل أن يقدم دونالد ترامب من دون أدنى اعتبار بشركائه ومصالحهم وآرائهم ورؤاهم، فيفعل ما فعل، متخيلا بغباء مريض، وغطرسة حمقاء، وجهل يصل إلى حد الفضيحة أن الآخرين سيقولون له آمين بالمجان.

نحن في أول الطريق، وردات الفعل تتدفق في كل لحظة، أولها فلسطينيا لا صلات مع أميركا، والوحدة الوطنية في وجه هذه الصفقة المخزية، وحتى لو أرسل ترامب نائبه إلى المنطقة، فلن نقابله ولن نتعامل معه، وسندعو أمتنا أن تقاطعه، فكيف يتعاملون مع من لم يحسبوا لهم أي حساب ولم يضعوا لعروبتهم وإسلاميتهم أي اعتبار؟

المعركة الكبرى في بدايتها، سيستخدم نتنياهو كل ألعابه السياسية والنارية، ويستخدم شريكه في المهزلة السوداء دونالد ترامب كل امكانياته، الثوابت والمقدسات وأولها القدس، فأهلا بزمن المواجهة، وأهلا بمعركة استرداد الحقوق والكرامة والملامح والتاريخ، وسحقا لدونالد ترامب وأمثاله، الذين يتوهمون أن قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه في أرضه ومقدساته وكامل استقلاله الوطني يمكن التعامل معها مثل صفقات السمسرة العقارية التي لا يجيد غيرها، ولك المجد يا قدس.

الاخبار العاجلة