جمرات الخطاب تحرقهم

18 يناير 2018آخر تحديث :
مقالات مروان طوباس جنين

عمر الغول-الحياة الجديدة

الخطاب المهم للرئيس أبو مازن في الدورة الأخيرة للمجلس المركزي  جاء متماهيا مع وملبيا للطموح الوطني، ورسم ملامح التحول النوعي في مسار العملية الكفاحية الفلسطينية، الأمر الذي أثار ردود فعل على أكثر من مستوى وصعيد، خاصة في الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية. وإذا اختزل المرء ردود الفعل الفلسطينية بإفلاس القوى المتحفظة على ما حمله الخطاب وقرارات المجلس المركزي، وأظهر عجزا مطبقا في قراءة ما تضمنته الوثيقتان، وكشف خواء في المدارس السياسية المعارضة لأجل المعارضة، والتي لم تجد في الخطاب وقرارات المجلس المركزي ما تسجله، فأعادت بياناتها وتصريحات مسؤوليها ذات النصوص والمواقف بصيغ أخرى، أو ذهاب البعض كحركة حماس إلى الجانب الشكلي في توجيه الدعوة للقنصل الأميركي، وكأن الدعوة غيرت من الموقف الفلسطيني، أو أثرت به. وهو نوع من نكء الجراح، وتغطية عدم المشاركة بالهروب إلى متاهة الشكليات البائسة، والتصيد في الماء العكر، لأنهم لم يجدوا ثغرة في الوثيقتين، لذا لجأوا لتغطية فقر حالهم بقشور واهية وسطحية، ولممارسة التحريض من أجل التحريض على الرئيس محمود عباس والشرعية الوطنية.

أما على الجانب الإسرائيلي، فمن راقب ردود الفعل من الجمرات الحارقة، التي حملها الخطاب والقرارات الصادرة عن المجلس يدرك حجم الوجع الإسرائيلي. ولعل من يقرأ رسالة شكوى داني دانون، مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة لأمين عام المنظمة الدولية، غوتيرش لاكتشف الآثار السياسية المهمة، التي تضمنها الخطاب. فقال دانون “هذه التصريحات تذكرنا بكل أسف بالكلمات “العنصرية” من أسوأ الأنظمة في القرن الماضي”. وهو هنا يحاول قلب المعادلة عبر ممارسة التهويل والتضليل للرأي العام الإسرائيلي والعالمي، والسعي لإلقاء ما يتسم به ومؤسسته السياسية والعسكرية الاستعمارية من سمات على شخص الرئيس ابو مازن، بإلصاق تهمة “النازية” و”الفاشية” عليه، وهو براء منهما. وهي محاولة بائسة، وساذجة وغبية في آن، لأن العالم أدرك منذ زمن بعيد من هي دولة الإرهاب والفاشية في المنطقة والعالم. ولعل التصويت بنسب عالية في المنابر الأممية لصالح الحقوق الوطنية الفلسطينية، وخيار السلام خير دليل على عمق الانسجام بين التوجهات والسياسات الفلسطينية ومبادئ وقوانين ومعاهدات الشرعية الدولية. وهنا ايضا يمكن إعادة دانون ورئيس حكومته ووزير حربه وكل اركان الائتلاف اليميني الحاكم إلى دول الاتحاد الأوروبي، التي تقف بقوة وثبات إلى جانب مصالح وحقوق الفلسطينيين السياسية، وترفض بوضوح تام السياسات الاستعمارية الإسرائيلية والأميركية المعادية للسلام والأمن في المنطقة.

ردود فعل هائجة وصاخبة في إسرائيل على خطاب الرئيس محمود عباس، لأنه أعاد ترتيب الأوراق التاريخية والسياسية، وحدد في قراءته التاريخية لتطور الصراع عن وقوف الولايات المتحدة طيلة خمسة قرون وحتى اللحظة الراهنة، وفرنسا نابليون في القرن الثامن عشر وبريطانيا وعد بلفور والانتداب إلى جانب إنشاء دولة مارقة في المنطقة لخدمة أغراضهم الاستعمارية. وهو ما اشار بوضوح قاطع لعدم وجود أية صلة بين دولة المشروع الصهيوني الكولونيالي وبين اليهود في العالم.

ورغم الادراك العميق لدور إسرائيل الاستعماري في المنطقة، إلا ان الرئيس أبو مازن والمجلس المركزي لم يديروا الظهر لعملية السلام، وبناء ركائز تسوية سياسية تقوم على إنصاف الشعب الفلسطيني بالحد الأدنى الممكن والمقبول، وتأمين وضمان استقلال دولته القائمة والموجودة على الأرض الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين لديارهم، التي طردوا منها عام النكبة في 1948 على اساس القرار الدولي 194، وفقا للحق التاريخي وعدالة القضية ولقرارات الشرعية الدولية. لكن دولة الأبارتهايد والاستعمار الإسرائيلية، التي تسابق الزمن في تدمير منهجي للسلام، والترويج لروايتها الزائفة، لأنها لا تؤمن بالسلام والتعايش. فأين هي العنصرية ايها الاستعماريون الصهاينة؟ وأين هي النازية إن لم تكونوا انتم روادها ومنتجيها الجدد؟

نعم خطاب الرئيس ابو مازن حمل جمرات النار التاريخية والسياسية ليكوي الوعي الاستعماري الإسرائيلي، ويكشف بؤس وعقم الرواية الصهيونية، وليؤكد على التمسك بخيار السلام العادل والممكن بعيدا عن الاستحواذ والرعاية الأميركية له، وتحت مظلة الشرعية الدولية عبر مؤتمر دولي بصلاحيات كاملة، وليطوي صفحة باتت من الماضي، ويفتح صفحة نوعية جديدة في النضال الوطني الفلسطيني.

الاخبار العاجلة