الدبلوماسية الرقمية في مواجهة الرواية الإسرائيلية ..ولكن

17 فبراير 2018آخر تحديث :
الدبلوماسية الرقمية في مواجهة الرواية الإسرائيلية ..ولكن

رام الله- صدى الإعلام

رسالة وقضية وطنية واحدة، يحملها أبناء شعبنا الفلسطيني على اختلاف مشاربهم السياسية، تنوعت أدواتهم وأساليبهم في ايصالها وشرحها للرأي العام العالمي، سواء أكان من خلال الاعلام بكافة انواعه، أم الدبلوماسية التقليدية، أم غيرها من الأساليب.

مع التطور التكنولوجي، ظهرت حديثا “الدبلوماسية الرقمية”، كشكل من أشكال الدبلوماسية العامة، التي تعتمد على توظيف التكنولوجيا الرقمية، ومنصات التواصل الاجتماعي للتأثير على الرأي العام، وباتت تلعب دورا كبيرا في رسم العلاقات بين الدول وشعوبها، وتمتلك قوة تأثير تفوق تلك التي تمتلكها المنظمات الدولية الكبيرة.

مؤخرا، كشفت القناة الثانية الإسرائيلية، عن تقرير سري لوزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، يصنف الطفلة الفلسطينية جنى جهاد التميمي (11 عاما)، من قرية النبي صالح، بـ”الخطر الاستراتيجي على دولة إسرائيل”.

وأشار التقرير إلى أن جنى، وهي ابنة عم الطفلة عهد التميمي المعتقلة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، تقوم بتصوير المسيرات الأسبوعية السلمية المناهضة للاستيطان وللجدار، التي يقمعها الاحتلال بشكل دائم ووحشي في قريتها، وتنشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي مستخدمة اللغتين العربية والانجليزية، ولديها مئات آلاف المتابعين حول العالم.

وتحظى التقارير المصورة التي تنشرها التميمي على مواقع التواصل الاجتماعي وتخاطب من خلالها جمهورها باللغة الإنجليزية، التي تعلمتها في الولايات المتحدة الأميركية حيث ولدت، بمشاهدات تزيد على 20 ألف مشاهدة للمقطع الواحد.

الطفلة التميمي، تقوم بجهد فردي وتنشر مقاطع فيديو صورتها بواسطة الكاميرا الخاصة بهاتفها، غير ممولة أو مدعومة من أي جهة، لكنها استطاعت مخاطبة الجهور الخارجي بلغته، واحرجت اسرائيل ودفعت بعض سياسييها للمطالبة باعتقالها.

فلسـطين، جاءت في المركز الثاني والسبعين مـن بين الـدول التـي تسـتخدم الدبلوماسـية الرقميـة، بحسب تقريـر الدبلوماسـية الرقميـة لعـام 2016، فيما احتلت إسـرائيل، المركز الثامـن، وتفوقت بذلك علـى دول متطورة ومتقدمـة، كسويسـرا وألمانيا واليابــان وكنــدا والنمســا وإســبانيا والسويد.

الاكاديمي والباحث في مجال الاعلام وائل عبد العال، الذي أعد بحثا لمركز تطوير الاعلام في جامعة بيرزيت، بعنوان: “الدبلوماسية الرقمية ومكانتها في السياسة الخارجية الفلسطينية”، قال لـ”وفا”: “البيروقراطية والمركزية، ساهمت في تراجع موقع فلسطين في استخدام الدبلوماسية الرقمية”.

وأضاف: من الظلم مقارنة فلسطين ومؤسساتها، التي لا تزال في طور البناء، مع الدول الكبيرة من حيث استخدام الدبلوماسية الرقمية”.

وشدد عبد العال على أهمية الدبلوماسية الرقمية لتطوير العمل الدبلوماسي الفلسطيني، في معركة الشعب الفلسطيني، لفضح جرائم الاحتلال وعنصريته، وكسب مواقف الرأي العام العالمي لصالح قضيتنا الوطنية العادلة.

وبين أن وزارة الخارجية الإسرائيلية خصصت 350 منصة للإعلام الرقمي، مـا يقـارب 20 موقعا الكترونيا باللغـة العربيـة والانجليزية والفارسـية والروسـية، ووظفت عشرات الخبرات في مجال الدبلوماسية الرقمية، إضافة الى تزويد سفاراتها بالخارج بمختصين في الدبلوماسية الرقمية.

وأشار إلى أن محتوى الصفحـات والمنصـات التابعـة للدبلوماسـية الرقمية الإسرائيلية، يظهر أن الهـدف الاساسي لهـا، تحسين صـورة إسـرائيل، خاصة أمام المجتمع العربي، حيــث إن غالبية محتواها ذو طابــع إنســاني وثقافي وفني.

ودعا عبد العال، الوزارة والمؤسسات الرسمية، إلى ضرورة الاهتمام باستخدام اللغات المختلفة عند اعداد المحتوى الرقمي، والاستعانة بفريق متخصص لإعداد كافة المواد قبل نشرها على منصات التواصل الاجتماعي، كذلك استثمار جهود نشطاء الاعلام الاجتماعي وتجميعها، وتجنيد آخرين يتحدثون بلغات  مختلفة لهذا الغرض.

أستاذ الاعلام في جامعة بيرزيت صالح مشارقة، قال: إن مسؤولية تفعيل وتنشيط الدبلوماسية الرقمية يقع على كاهل وزارة الخارجية والمغتربين بالدرجة الأولى، ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، والسفارات، ومجلس الوزراء ثانيا.

وأضاف: يجب أن نتحرك دبلوماسيا خارج الحدود المألوفة، لتعريف العالم بقضيتنا وكسب تأييدهم لها،  وعلينا ان نخاطب كل أمة بلغتها، عبر فيديوهات وأفلام قصيرة حول التاريخ والمجازر والتراث والنباتات، وعن كل ما يتعلق بهويتنا الوطنية.

وأشار إلى أن وزارة الخارجية تقوم بدور في هذا الاتجاه، إلا أن دورها يقتصر على نشر المعلومات المجردة، وعدم التركيز على الفيديوهات والأفلام الوثائقية بلغات مختلفة.

وحول الاسناد الشعبي للدبلوماسية الرقمية، قال مشارقة: إن الشعب الفلسطيني يشكل اكبر حاضنة لهذا العمل الهام.

وأضاف: هناك نحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني يعيشون في الخارج، قادرين على إيصال رسائل الدبلوماسية الرقمية، وإعادة نشر الإنتاج الدبلوماسي الرقمي للمؤسسات الرسمية، عبر حساباتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، لإيصال رسالة فلسطين لأكبر عدد وبأسرع وقت ممكن لمستخدمي الشبكة العنكبوتية.

ودعا الى ضرورة إسراع المؤسسات الرسمية، في انتاج الدبلوماسية الرقمية بشكل احترافي من اجل مواجهة ادعاءات الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولاته التي لا تتوقف لطمس هويتنا الوطنية وسرقة أرضنا وتراثنا.

مدير وحدة الاعلام في وزارة الخارجية والمغتربين احمد كبها، أكد أن الوحدة تحاول مواكبة التطور العلمي الحاصل في وسائل الاعلام والتواصل والثورة الالكترونية التي تجتاح العالم في تسارع كبير يتجاوز جميع الحواجز ويخترق الحدود كافة، خاصة ما بات يعرف بالدبلوماسية الرقمية، التي تسخر وسائل التواصل الاجتماعي لايصال الرسائل السياسية بأسرع وقت ممكن الى الرأي العام في هذه الدولة أو تلك.

وقال إن الوحدة تولي أهمية كبيرة للإعلام الرقمي كناقل مهم وحيوي للرسالة السياسية الفلسطينية الى العالم كافة، وتحرص على ضمان التحديث المستمر وعلى مدار الساعة لمنصاتها الالكترونية على الشبكة العنكبوتية.

وأضاف ان وحدة الإعلام تستخدم وسائل مبتكرة لايصال الرسالة السياسية الفلسطينية، سواء من خلال نشر مقاطع مصورة ذات دلالات سياسية تعكس الواقع الذي يعيشه شعبنا جراء الاحتلال، وترويج تلك المقاطع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو غيرها من الاساليب.

ولم يخف قبها محدودية وسائل الانتاج والمونتاج والمختصين في هذا المجال، مؤكدا ضرورة ايلاء هذه الدبلوماسية العامة أهمية أكبر، لما لها من دور في خدمة قضيتنا العادلة.

وشدد على أن وحدة الاعلام تحرص على ايصال ما يصدر عن وزارة الخارجية إلى الرأي العام العالمي، بلغات أجنبية مختلفة، من خلال ترجمة هذه المواد بلغات مختلفة، وأيضا الاستعانة بسفارات فلسطين في مختلف انحاء العالم، لضمان وصول الرسالة الفلسطينية باللغة المحلية في تلك البلدان. مشيرا إلى أن الوحدة دشنت صفحة باللغة الانجليزية على مواقع التواصل الاجتماعي، تحاول من خلالها مخاطبة الشباب في الدول المختلفة.

وحول أهمية الدبلوماسية الرقمية، أكد قبها أن المعلومات المتداولة في الدبلوماسية العامة غالبا ما تؤثر في تشكل القرارات واستمالة الرأي العام، لسرعة تناقلها من جهة وقوة تأثيرها من جهة أخرى. فاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي يُسهل عملية تسويق المعلومة، كونه يغلفها بطريقة يجعل منها سلعة مطلوبة ومقبولة، وهذا بالضرورة يؤدي إلى بناء جمهور دائم خاص بها.

وأعرب عن اعتقاده بإمكانية تحقيق قدر من التقدم في هذا المجال، من خلال الاستخدام السليم لوسائل التواصل الاجتماعي، والاستعانة بالشباب الفلسطيني، وتوجيه الرسالة نحو الجيل الجديد في العالم، الذي يشكل نسبة متزايدة في مختلف القارات، ويمتلك تأثيرا كبيرا على صانعي القرار فيها، ما يفرض علينا الاستعانة بالكفاءات الفلسطينية الشابة، التي تجيد اســـتخدام منصات التواصل الاجتماعي بلغات مختلفة.

وبين أن الإعلام الرقمي، كغيره من وسائل الإعلام، لا بُد أن يكون له متخصصون، مشيرا إلى أن الوزارة لا تمتلك هذا، إلا أن هناك إمكانية لاستقطاب موظفين متخصصين في هذا المجال، يمتلكون القدرة على صياغة “محتوى” دقيق يضعف الرواية الأخرى، إن توفرت الإمكانيات المالية.

وقال قبها: موقع فلسطين على خارطة الدبلوماسية الرقمية لا يزال متأخرا، لذا من الضروري توفير الوسائل والمعدات والطاقات البشرية المدربة القادرة على المساعدة في عمل قفزات نوعية، تؤدي إلى التأثير في الرأي العام العالمي في مواجهة الرواية الإسرائيلية.

المتخصص في الدبلوماسية الرقمية عمار جمهور، قال لـ”وفا”: الدبلوماسية الرقمية الفلسطينية لها حضور باهت في العالم الافتراضي لمقارعة النشاط الإسرائيلي الموجه ضد الفلسطينيين، ومجاراة النشاطات الدبلوماسية الرقمية الموجهة من قبل إسرائيل إلى شعوب دول العالم وحكوماته المختلفة.

وأضاف: رغم نجاحنا في الدبلوماسية التقليدية، إلا اننا بأمس الحاجة للولوج إلى حقل الدبلوماسية الرقمية، فكرا وممارسة، متسلحين بمضامين وقضايا فلسطينية تحمل أبعادا انسانية، يمكن تسويقها بيسر وسهولة، لتعزيز روايتنا الإعلامية، وتدويل نشرها عالميا، لتصبح الفعل المحوري المؤثر في الرأي العام، وهي الأداة الفاعلة في مواجهة التجربة الإسرائيلية والتصدي لها.

وأوضح أن ممارسة الدبلوماسية الرقمية الفلسطينية، تتطلب فهما عميق لدورها في تغيير الانطباعات، ونقل الرواية الفلسطينية إلى الدول الاخرى وشعوبها، مع التأكيد على أن نشاطات الدبلوماسيين او السياسيين لاستهداف الجمهور الداخلي لا تعتبر دبلوماسية رقمية، لأن الهدف الوصول الى الاخر وكيفية مخاطبته لدفعه لتغيير انطباعاته وبالتالي افعاله ومواقفه.

وشدد على أهمية البدء بمحاورة شعوب العالم وحكوماتها، ورفد حقلنا الدبلوماسي بمنهجيات عمل خلاقة ومبتكرة، تمكننا من أن نكون مبادرين “صانعين” للفعل، وألا تقتصر تجاربنا على “التبرير”، أو الدفاع عن عجزنا، بل علينا البدء بتسويق روايتنا الإعلامية عبر انتهاج ممارسات، تستند إلى مفهوم الدبلوماسية الإعلامية الرقمية من خلال استخدام كافة منصات التواصل الاجتماعي.

وأكد أن النهوض الدبلوماسية الرقمية فلسطينيا لا يتطلب موازنات ضخمة، إنما مهارات وإبداعات تتمكن من لفت انتباه الجمهور الخارجي والتأثير في سلوكه.

وأوصى برفد السفارات بالكوادر، التي تتقن ممارسة الدبلوماسية الرقمية بلغات مختلفة، وإنشاء دائرة متخصصة بالدبلوماسية الرقمية في وزارة الخارجية تقود الجهود المبذولة فلسطينيا.

المصدر: وفا/ أسيل الأخرس

الاخبار العاجلة