مدارس اللبن الشرقية.. طريق العلم معبدة بالبنادق والقلق

21 مارس 2018آخر تحديث :
مدارس اللبن الشرقية.. طريق العلم معبدة بالبنادق والقلق

رام الله – صدى الاعلام

يتعلم الطلبة هنا سريعا، معنى الاحتلال والاستيطان وعربدة المستوطنين، لا حاجة لهم لأن يكبروا حتى يتعلموا كل ذلك، أو أن يستمعوا لنشرات الأخبار، فأكثر أيامهم الدراسية يكونون هم الخبر، ودرسهم الأول واليومي هو تجنب الجنود والمستوطنين.

أكثر من 220 طالبة من مدرسة بنات اللبن الشرقية الثانوية جنوب نابلس، يمشين يوميا كيلومترين للوصول إلى مدرستهن الواقعة مباشرة على شارع رام الله– نابلس الرئيسي.
بعيدا عن المسافة الطويلة والمرهقة، التي تقطعها الطالبات، والتي تكون أحيانا جميلة نظرا للطبيعة الخلابة في الطريق التي يمشينها، خاصة في فصلي الخريف والربيع، هناك دائما جنود يحملون أسلحة مستعدة لإطلاق الرصاص، يرافقون خطوات الطالبات من مدخل القرية حتى باب المدرسة، ويكونون بانتظارهن في رحلة العودة.
“ثلاثة أمتار فقط” هي المسافة بين بوابة المدرسة والشارع الذي لا يستريح دقيقة واحدة من مرور المركبات والشاحنات الثقيلة، ما يشكل مصدر ازعاج وفوضى دائمة للطالبات، حيث تطل الصفوف مباشرة على الشارع.

من داخل الصفوف المدرسية، وساحة المدرسة، تُرى بيوت مستوطنات “عيلي” و”معالي ليفونه”، ولقرب مستوطنة “عيلي” على المدرسة أثره النفسي على الطالبات اللواتي يغيظهن هذا التكتل الضخم للاستيطان الزاحف صوب أراضي قريتهن، والذي يُفرخ متطرفين يعربدون في أية لحظة على الأهالي وممتلكاتهم.

وفي مدرسة اللبن– الساوية الثانوية للبنين، التي تبعد 3 كيلومترات عن القرية، يتعرض الطلبة بشكل شبه يومي لانتهاكات ومضايقات جنود الاحتلال ومستوطنيه من إطلاق رصاص، وقنابل غاز وصوت، وملاحقة، واعتقال واحتجاز، والتي كان آخرها، صباح اليوم الثلاثاء، 20 آذار، بعد محاولة اعتقال أحد الشبان، وتخللها اعتداء بالضرب بأعقاب البنادق واطلاق الرصاص وقنابل الغاز.

يتعلم الطلبة هنا سريعا، معنى الاحتلال والاستيطان وعربدة المستوطنين، لا حاجة لهم لأن يكبروا حتى يتعلموا كل ذلك، أو أن يستمعوا لنشرات الأخبار، فأكثر أيامهم الدراسية يكونون هم الخبر، ودرسهم الأول واليومي هو تجنب الجنود والمستوطنين.

ومنذ بداية العام الدراسي (2017-2018) تعرضت المدرستان لعدد كبير من الاقتحامات، ففي العاشر من آذار الجاري، خلع جنود الاحتلال الشيك المحيط بأسوار مدرسة بنات اللبن، وقبلها بثلاثة أيام عرقل الجنود وصول الطلبة إلى مدرستهم واحتجزوهم، وتكررت الحادثة في 5 آذار، و28 شباط، وفي 22 شباط احتجز الجنود المعلمات ومنعوهن من الخروج من المدرسة، وفي 7 تشرين الثاني 2017، وبعد خروجهن من المدرسة، منع الجنود الطالبات والهيئة التدريسية من الدخول للقرية، ما اضطرهن للاعتصام وإغلاق الشارع الرئيسي أمام المركبات المارة، بما فيها مركبات المستوطنين.

وفي الأول من تشرين الثاني، منعت قوات الاحتلال طالبات المدرسة من الخروج، وذلك من خلال وضع الجيب العسكري أمام البوابة الرئيسية والتهديد برمي قنابل الغاز على المدرسة، وسبق ذلك اقتحام ساحة المدرسة في 8 تشرين الأول 2017.

لا يمر أسبوع دون أن يتدخل الأهالي لنجدة أبنائهم، وتخليصهم من أنياب المستوطنين وبنادق الجنود، ويضطر الكثيرون لقطع عملهم أو عدم التوجه إليه حفاظا على أبنائهم وحمايتهم، خاصة في الأيام التي تشهد فيها الأوضاع الميدانية سخونة.

مديرة المدرسة، عائشة نوباني، قالت لـ”وفا”: “لا أستطيع العودة لمنزلي دون الاطمئنان بعودة جميع الطالبات إلى منازلهن سالمات، مهمتي صعبة، لكن هذا واجبي الوطني والأخلاقي والتربوي والاجتماعي”.

وتضيف نوباني: “في كل حدث، ينشغل هاتفي بالاتصال مع المجلس القروي، والأهالي، والتربية والتعليم، والارتباط الفلسطيني، واضطر للوقوف في الشارع مهما كان الحدث، حتى انتهائه، وفي عام 2016 ألقى الجنود قنبلة غاز على قدم إحدى الطالبات، وقمنا بنقلها لمستشفى رفيديا للعلاج من الحروق والكدمات”.

المعلمة أسماء عويس تقول: “كنت طالبة هنا وعدت معلمة، مدرستنا تتعرض لانتهاكات يومية، فيها 220 طالبة من الصف السادس وحتى نهاية المرحلة الثانوية، وتقع على الشارع الرئيسي، بالقرب من منطقة استيطانية، وكثير من الأحيان تمنع الطالبات الخروج من المدرسة، وهنالك تهديد دائم للمدرسة، ولا يوجد باب أمان أو باب خلفي في حالة الطوارئ، كما أن وقوف الجيش الدائم واليومي على باب المدرسة يشكل خطر على الطالبات، ويثير الرعب والخوف في نفوس الطالبات وخاصة الصغار منهن”.

وتتساءل أسماء دائما “نقوم بإيصال الطالبات إلى داخل القرية، كل تفكيرنا مع الجيش، كيف الطالبة ستذهب لبيتها؟ هناك مستوطنون؟ أشقاء الطالبات الذين يتعرضون للمضايقة والاحتجاز والاعتقال، لا وجود لمساحة في المدرسة أو قربها نستطيع من خلالها تأمين مواصلات عامة للطالبات”.

وتضيف: كنا نذهب إلى السهل ونحاول الهرب إلى الجبال في بدايات انتفاضة الثانية (أيلول 2000)، الممارسات من قبل الاحتلال نفسها، وما تغير فقط هو وجوه الجنود.

سارة محمد الحاج، من الصف التاسع، قالت لـ”وفا”: السلاح الذي يحملونه يخيف الطلاب، في أي لحظة قد يطلق الجندي الذي يمشي إلى جانبي رصاصة لتستقر في جسدي”.

“أخرج من البيت إلى المدرسة في خوف، أستمع لشرح المعلمات في خوف، وأعود للبيت وأنا اشعر بالخوف، بسبب مشي الجنود بين الطالبات ومضايقتهن، ويؤثر سلبا على تحصيلنا الدراسي” تضيف سارة.

يبدو التأثر والخشية واضحين في كلام وملامح زهية عويس، آذنة مدرسة بنات اللبن الثانوية، من ترك المدرسة فارغة أو تحويلها لمنفعة أخرى، تقول عويس وهي تقوم بسقاية الشجر الذي زرعته منذ سنوات: “لا يمكنني ترك هذا المكان بسهولة، مهما بلغ بطش الاحتلال ضدنا، أعيش هنا منذ 20 عاما، وكل حجر في هذه المدرسة له معزة خاصة في قلبي”.

خلال ساعات الدوام، وبعد تأمين وصول الطالبات، تضع عويس كرسيها على بوابة المدرسة، لتعمل حارسة على الطالبات، وتضيف: “مدرسة بنات اللبن هي المدرسة الوحيدة من الخليل وحتى جنين، الواقعة على شارع رئيسي يمر به جيش ومستوطنون، إضافة إلى أنها أقرب مدرسة في الضفة الغربية على شارع رئيسي، والاحتلال لا يوفر أدنى متطلبات الجو التعليمي الملائم، وفي حالة حدوث أي طارئ هناك صعوبة ومسافة زمنية طويلة حتى نتمكن من احضار الأهالي، بخلاف الاعتداءات التي تحدث لمدارس أخرى خاصة في الخليل، فهي محاطة بتجمعات سكانية قريبة”.

لا تنسى زهية، ذكريات انتفاضة الحجارة (كانون الأول 1987) حين حول الجنود المدرسة في بدايات التسعينيات لثكنة عسكرية، ووضعوا فيها خياما للتحقيق مع شبان القرية، وأحداث انتفاضة الأقصى (أيلول 2000) والتي تعرضت فيها المدرسة لهجمات الجيش والمستوطنين وإلغاء الدوام المدرسي في العديد من المناسبات والأحداث.

المصدر  وفا- يامن نوباني
الاخبار العاجلة