الإصرار على الانقلاب

11 أبريل 2018آخر تحديث :
عمر حلمي الغول

عمر الغول- الحياة الجديدة

عندما تعصف رياح المؤامرة والتمزيق بوحدة شعب من الشعوب، وتتعاظم التحديات السياسية المهددة للشخصية الوطنية، يبرز امام الشعب المنكوب وقواه ونخبه السياسية عدد من المهام الأساسية، منها: أولا تشخيص الحالة كما هي، وليس تركها للمجهول والتخمين، ولأصحاب المواقف الوسطية والانتهازية؛ ثانيا وضع خطة وطنية عاجلة ومدروسة لوأد وتصفية الظاهرة الخطيرة؛ ثالثا تجييش كل القوى للإسهام في استعادة زمام وتقاليد الأمور على الأرض، بعد إنهاء وإزالة العمل الجبان دون رأفة أو مداراة. وفي السياق كل شخص او قوة مترددة او متذبذة في مواقفها، يجري العمل على تحييدها، ومن ثم استقطابها لجانب الخيار الوطني والقومي، أو اعتبارها نصيرة للانقلاب وأعوانه.

أما ترك الأمور على عواهنها لعمليات التسطيح وتهبيط الهمم باسم القيم والقانون، التي لا علاقة للانقلابيين بها، ليس هذا فحسب، بل انهم قاموا بجريمتهم لتخريب وتدمير تلك القيم، وتمزيق القانون، واستباحته، وإلقائه في سهلة المهملات.

باختصار، ورغم مرور أحد عشر عاما على انقلاب حركة حماس الأسود ما زال هناك اجتهادات متباينة في عملية التشخيص لما نفذته حركة حماس في قطاع غزة، مع ان الرئيس ابو مازن حسم ذلك، وقال ما جرى، هو انقلاب على الشرعية، وبالتالي لا بد من مواجهة هذا الخطر السرطاني. لأن قيادة حركة الانقلاب لم تبق على العين قذى، وأعلنت الف مرة، انها مع خيارها الانقلابي، وليست مع الوحدة والمصالحة الوطنية، رغم تجارتها بالدين والشعار السياسي الديماغوجي، الذي لا يمت للحقيقة بصلة.

آخرها أول امس عندما أعلن إسماعيل هنية، رئيس حركة حماس تحت يافطة كبيرة عنونت بـ”المسيرة العودة الكبرى لكسر الحصار” وأرفقت بشعارات نبيلة وعظيمة لقادة أمميين شرفاء ضحوا من اجل شعوبهم وحركاتهم الاجتماعية، لا يمت هو وحركته ولا جماعة الإخوان المسلمين لهم بأي صلة، وهم نيلسون مانديلا صاحب مقولة “لا طريق سهل للوصول للحرية”، ومارتن لوثر كينج صاحب مقولة “يجب ان نتعهد بالتقدم للأمام وعدم التراجع”، والمهاتما غاندي صاحب مقولة لا يوجد طريق إلى الحرية، فالحرية هي الطريق”، ولو كان هنية يملك ذرة من قيم أولئك القادة لما نطق بكلمة من كلمات خطابه المتناقض مع الأهداف والمصالح الوطنية، إلا إذا أراد تأويلها لخدمة سياسة حركتة الانقلابية، المتشبثة بالانقلاب والعمل لصالح الأجندات الإقليمية والدولية المعادية لمصالح الشعب، وهي كذلك.

ومن استمع جيدا لاسماعيل هنية، أدرك مباشرة، انه يُّصر إصرارا واضحا على التمسك بخيار الانقلاب. لأن رئيس حركة الإنقلاب لو كان معنيا بالمصالحة، لأعلن على الملأ وتحت شعار “مسيرة العودة الكبرى” النبيل لتأت حكومة الوفاق لتتسلم مهامها كاملة غير منقوصة، ولأعلن بملء الفم عن اعتذاره عن أحد عشر عاما من التخريب المتعمد لوحدة النسيج الوطني والاجتماعي والهوياتي للشعب الفلسطيني، ولعمد ادعائه بالتمسك بالوحدة الوطنية، إن كان صادقا في خياره الوطني، لأكد على توطين حركته في الجسم الوطني، وفي حاضنته وممثلته الشرعية منظمة التحرير. لكنه مارس عمليات تحريض جبانة ورخيصة على قيادة الشرعية الوطنية، وأعلن بما لا يدع مجالا للشك، على مواصلة خياره الانقلابي، ورفضه العودة لجادة الوحدة الوطنية. رغم ادعائه المجبول بنهج ” التقية” بأنه “مصصم” على خيار الوحدة، وانه وحركته ضد صفقة القرن، وضد سياسة أميركا، وإذا كان هذا صحيحا، ما هي دلائل ذلك؟ هل تفجير موكب رئيس الحكومة ورئيس جهاز المخابرات العامة هو الدليل؟ أم تصريحات البردويل العميقة في مراميها وأبعادها الانقلابية؟ أم رفض المشاركة السياسية من حيث المبدأ؟ أم الاستعداد للانخراط في الحلول المؤقتة والأمنية الإقليمية لتمرير صفقة القرن؟

إسماعيل هنية، رئيس حرركة حماس ألقى خطاب الفضيحة بامتياز تحت شعارات تتحدث عن الحرية، التي هي براء منه، لانه لا يعرف معناها وأهميتها، وحاول تسلق سلم القيادات الهامة، لكن تناقضه مع الشعارات النبيلة، وإصراره على الانقلاب، ورفض الوحدة الوطنية، ومواصلة تخندقه في خنادق الإخوان المسلمين المعادية لشعوب الأمة العربية والشعوب الإسلامية عمقت سقوطه السياسي. وركنته في المربع الضيق من إحدى الزوايا المظلمة في غرف الانقلاب المشعوذة.

الاخبار العاجلة