نحو الإسلام الأكثر اعتدالاً وتسامحاً

20 مايو 2018آخر تحديث :
نحو الإسلام الأكثر اعتدالاً وتسامحاً

في 3 أيار/مايو 2018، استضاف معهد واشنطن الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى الأمين العام لـ “رابطة العالم الإسلامي” في منتدى خاص عقده المعهد في فندق ريتز – كارلتون. وقد أدار الندوة الدكتور روبرت ساتلوف المدير التنفيذي للمعهد. وفيما يلي مقتطفات من إجابات الدكتور العيسى على أسئلة الدكتور ساتلوف.”

الدكتور محمد العيسى الأمين العام لـ “رابطة العالم الإسلامي”:

عن الذكرى السنوية لـ “الهولوكوست”:

علمت عن هذه الذكرى المؤلمة وقمتُ بزيارة “متحف الهولوكوست” اثناء وجودي في واشنطن. درسنا عن الهولوكوست في الصغر. كانت عندنا حقائق تاريخية هزت الإنسانية. اطّلعتً خلال زيارتي إلى المتحف على الكثير من الوثائق عن هذه الفاجعة الإنسانية.

ما عمله هتلر بجريمته النازية كانت إمتداداً لمحاولته إحراق العالم أجمع. لقد سجل التاريخ فواجع هتلر التي هزت جرائمه الإنسانية.

عندما تحدثنا بمناسبة “الهولوكوست” ونشرنا خطابنا الموجه إلى رئيسة “متحف الهولوكوست” تلقتْ “رابطة العالم الإسلامي” العديد من الرسائل المؤيدة لذلك. إن محاربة الأفكار المرتبطة يعود بنا إلى حقيقة الإسلام. هذا الدين تعايش مع الجميع.

عن الإسلام:

الإسلام المعتدل هو الإسلام الحقيقي الذي يؤمن بحق الآخرين في الاعتقاد. فهو يتفهم الاختلاف والتنوع في المبادئ والأفكار. في الإسلام الرحمة. النبي محمد (ص) تعايش مع الجميع. كان جاره يهودي. وهو تعامل مع المسلمين وغير المسلمين من بينهم اليهود. كانت هناك معاملة تجارية معهم. تعايش النبي مع الجميع وحب الجميع وتسامح مع الجميع.

أصوات الكراهية ضد الإسلام أو ضد الديانات عموماً مرفوضة. كم قُتلت أنفس باسم الهرطقة وباسم مواجهة النصوص الدينية. يجب أن لا نلوم الدين إذا كان بعض أتباعه قد زور نصوصه. نحارب الأشخاص ولا نحارب الأديان.

هناك ناس نعلم أنه ليس لديهم دين حقيقي، يطبعون الشعارات الطائفية وتصفق لهم الجماهير، ويتحدثون أمام المنصات الدولية بشعارات دينية.

عن الإرهاب:

لقد تم التصدي للتأويلات التي يصدرها التصرف الإرهابي، وتم تفكيك نظرياتها. هي هشة وضعيفة جداً وتم إسقاطها.أول المرحبين بالإسلاموفوبيا هو تنظيم “داعش”.

عن السلام في الشرق الأوسط:

هناك مشروع عربي مُقدَّم لحل القضية (بين إسرائيل والفلسطينيين) من جميع الأوجه. هو حل عادل للجميع. متى حصل هذا الحل، سنذهب سوية لنبارك هذا السلام هناك. سيكون سلاماً شاملاً.

وكان معهد واشنطن قد نشر رسالة مثيرة وجهها الدكتور محمد العيسى، إلى مديرة المتحف التذكاري لـ “الهولوكوست” السيدة سارة بلومفيلد في الثاني والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2018، أبدى فيها تعاطفه الشديد مع ضحايا “المحرقة”.

وقال الدكتور العيسى، “إن تلك الحادثة قد هزّت البشرية في العمق وأسفرت عن فظائع يعجز أي إنسان منصف ومحبّ للعدل والسلام أن ينكرها أو يستهين بها”.

وفيما يلي نص الرسالة:

حضرة السيدة بلومفيلد،

يسرّني أن أتوجه إليك بهذه الرسالة بمناسبة الذكرى الدولية للمحرقة اليهودية (“الهولوكوست”) التي يُحتفل خلالها بالذكرى السنوية لتحرير معتقل أوشفيتز. وأود في هذه المناسبة أن أؤكد لك ما قلته لصديقي روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لـ”معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” بشأن تعاطفنا الشديد مع ضحايا “الهولوكوست”.

لا التاريخ سينسى هذه المأساة الإنسانية التي ارتكبتها النازية الشريرة، ولا أحد سيمنحها مباركته ما عدا النازيين المجرمين وأمثالهم. إن الإسلام الحقيقي يحرّم هذه الجرائم ويدينها بأقصى درجات العقوبات الجنائية ويصنّفها ضمن أقبح الفظائع الإنسانية على الإطلاق، فأي امرئٍ عاقل يمكن أن يتقبّل أو يتعاطف أو حتى يقلل من حجم هذه الجريمة الوحشية؟ عزاؤنا الوحيد هو أن ذاكرة التاريخ منصفة وحيّة وأن العدالة، باسم البشرية جمعاء، تحزن وتأسف على هذه الجريمة بعيدًا عن كل التحيزات. لقد دفع هؤلاء الضحايا حياتهم البريئة ثمن تذكيرٍ لا يُنسى بالحرية والعزم، فكانت تضحيتهم نموذجا يعكس مدى الحقد النازي الذي أوقع العالم في الحروب والكوارث.

التاريخ لا يعرف الانحياز مهما حاول المخادعون التلاعب أو العبث به. ومن هنا، نعتبر أن أي إنكار للهولوكوست أو تقليلٍ من تأثيراتها هو جريمة تشويه للتاريخ وإهانة لكرامة الأرواح البريئة التي أزهقت، لا بل هو إساءة لنا جميعًا لأننا جميعنا ننتمي إلى الروح البشرية نفسها ونتقاسم الروابط الروحانية نفسها.

وفي هذا الإطار، أود أن ألفت إلى أن «رابطة العالم الإسلامي» كيان مستقل تماما عن كافة الغايات والميول السياسية وخلاف ذلك. ومع ذلك، فهي لا تتردد في التعبير عن رأيها بموضوعية تامة وبحيادية لا تحمل أي طابع سياسي بتاتًا. إن الرابطة تعالج المواضيع وتحكم عليها بشفافية وبدون أية أحكام مسبقة. ونحن في الرابطة لا نُعرب عن وجهات نظرنا إستنادا إلى أية أبعاد سوى البعد الإنساني البحت المتعلق بالأرواح البريئة، فالإسلام يحمي الأبرياء ويحاسب كل من يعتدي أو يقتل نفسًا بريئة كأنما قتل الناس جميعاً.

لقد تعايش الإسلام على مرّ القرون مع كافة الأديان الأخرى واحترم كرامة أتباعها كافة. ونحن على يقين أن جميع الأديان على مر التاريخ شهدت شعائر سياسية استغلت الدين لتحقيق مآربها ومطامعها. ولكن الأديان بريئة من هذه المخططات.

نجم عن ذلك اندلاع حروب غير مبررة أو منصفة وأريقت دماء، ولا تزال تراق، وكل ذلك باسم الدين. لكن شريعة الخالق حملت السلام والحب والعدل والحق. في المقابل نجد على مر التاريخ أن المتطرفين من كافة الأديان ينشطون من وقتٍ إلى آخر كالمدّ والجزر. نراهم يعلنون كراهيتهم للآخرين، حتى لأبناء ديانتهم. نحن المسلمون شهدنا العديد من الإرهابيين الذين حاولوا تزييف النصوص الدينية وتشويهها وتحريف وقائعها التاريخية. لقد قلناها في السابق ونكررها اليوم: لا توجد سلطة على الأديان إلا سلطة النصوص الدينية الصحيحة البعيدة عن التفسيرات المضلّلة والخاطئة والمحرّفة. لا يجوز الاتكال سوى على الأنبياء والرسل المنتمين إلى كافة الأديان، فهم حملوا رسالة خالق تلك الأديان. لقد جاء دين الله رحمةً للعالمين، ولم يأتِهم ليكون سببًا في تعاستهم أو مبررًا للحروب والمصائب.

وفي الختام، تفضلوا بقبول فائق احترامي وتقديري.

الدكتور محمد العيسى

أمين عام «رابطة العالم الإسلامي»

رئيس الهيئة العالمية للعلماء المسلمين

المصدر معهد واشنطن
الاخبار العاجلة