محمد علي كلاي .. الملاكم الإنسان

11 يونيو 2016آخر تحديث :
محمد علي كلاي .. الملاكم الإنسان

حمدي جوارا

لم يخف على أحد من العالمين رحيل الملاكم الأمريكي ذي الاصول الافريقية / محمد علي كلاي في أمريكا بعد معاناة مع المرض ظل طويلا أكثر من 30 سنة ،نعم لقد ترجّل الفارس فارس الحلبات وقاهر الأبطال والسادات، نعم لقد رحل عنّا هذا الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، هذا الذي وقف و قال لأمريكا: لا ،وصدح بحق وبكل اعتزاز ما يعتنقه من أفكار ومعتقدات ، وقد شرّق وغرّب في سبيل مبادئه الإنسانية المحضة دون أن يشهّر سلاحا ولا يقذف قنبلة ولا يزرع عبوة ناسفة ، نعم لقد رحل هذا الرجل الذي كان حديث العالم في هذا الأسبوع ، كيف لا وقد كان يعبر عن الضعفاء والمقهورين والمظلومين في كل مكان ، واستغل حضوره العالمي لتذكير الانسانية أن الحياة تسع الجميع لا فرق بين جنس وجنس ولا انسان انسان ، فعلا كان الرجل يحمل تلك الرسائل التي لا تزال كل أمم العالم تكافح من أجلها وما زال الطريق طويلا دون ، وما زالت العنصرية والعصبية تطحن بلداننا وخاصة في عالمنا الاسلامي اليوم …

 حين بكت البشرية علي كلاي

لا أعرف شخصية بكته الدنيا مثل ما بكت هذا الرجل وقبله طبعا زعيم جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا محرّر جنوب افريقيا …

ما يثيرك في محمد علي كلاي قوة حجته في الدفاع عن نفسه ومعتقداته وإلزام كل امريكا أن تتبنى اسمه الجديد بل وإجبار خصومه الذين يرفضون ذكر اسمه الجديد بأنه سيرغمهم على ذلك في حلبة الصراع وفعل ذلك عدة مرات مع خصومه ….

لمهم أن الرجل بقي متشبثا بانتمائه الديني وأكد عليه في كل مقابلاته التلفزيونية والإذاعية ولم يخجل في ذلك أبدا ولو للحظة .. في وقت كان مسلمون يخجلون من أسمائهم فكان الرجل يصر ويحاور ويقرر ويفرض ..

كلاي واعتزازه بدينه ..

الشيء الآخر المهم أن تمسكه الديني واعتزاز بربه واعتماده عليه لم يبدأ مع مرضه وإنما جاء قبل أن يمرض وبعد إصابته بالمرض عرف ان الله يريد أن يبتليه ويمحصه وعلم أن الإيمان بالقدر خيره وشره من أصول الإيمان، فاستسلم وتوكل لم يبك على حاله ولم يحاول الاعتزال لأنه أصابه ما أصاب. . لكن واصل طريقه ونضاله، إذ كان قد خرج من ميدان الملاكمة لميدان الأعمال الخيرية. .. لقد سافر الرجل لكل أنحاء العالم وزار كل الشعوب وخاصة الشعوب المقهورة رغم مرضه الجسدي الخطير .. واستوقفني موقفه حين استجاب لأحد المذيعين انه جاء تلبية لئلا يقع في الكبر إذ لم لمذيع مثله أن يحلم بمقابلته فاستجاب لأن الجنة لا يدخله من كان في قلبه كبر …

كلاي مدرسة أخلاقية خاصة

ان محمد كلاي علي مدرسة أخلاقية كبيرة ينبغي أن تدرس بجدية في مراكز البحوث وان تنشر حياته حتى يستفيد من ذلك طلاب العلم والجيل الجديد ، وحقيقة لم أكن أعلم أن الرجل له هذا القبول العالمي والنحيب الإنساني الذي نيح به الرجل منذ وفاته إلى الآن. . فقد عزاه القريب والبعيد والعدو والصديق حتى الذين نازلهم تحدثوا عن دماثة الخلق وطيب العشرة وحتى من الذين نظن انهم يكرهون الإسلام والمسلمين كالمرشح الأمريكي /ترامب وجورج بوش ومارين لوبين وكل العالم انه مشهد لا يتكرر كثيرا في اي قرن ….

كلاي ..والابتلاء المرّ

عندما كنت أقرأ تاريخه وأرى هذا التعاطف العالمي لوفاته فإنه يرتسم في وجهي بوادر الأسى لأن الرجل لم يواصل مشوار ه الإنساني كما ينبغي أو يتوقع من أمثاله بسبب قسوة الابتلاء الذي نزل عليه ، لكن ماذا نقول أمام القدر وماذا علينا الا ان نقول قضى الله وما شاء ونستسلم ونرضى ،فإنه الله الذي خلقه هو كان ارحم به منا ربما من أجل أن يطهره تطهيرا بكل هذا البلاء وهو درس لأهل الابتلاء والمؤمنين أن الإنسان لا يتنازل عن مبادئه وان طحن بمطحنة الابتلاء أو نشر بالمنشار، إن الرجل نفحة إلهية ارسلها الله لكي ينظر العالم إلى عباده الذين اصطفاهم بالبلوى ولكنهم رضوا عن الله ورضي عنهم سبحانه حتى آخر نفس من حياتهم إننا لا نزكي الرجل على الله لكن هذا ظننا فيه ….

تأبين عالمي وإسلامي للعملاق

نعم حقّ لرجل في هذا المستوى أن ندعو الى اقامة صلاة الغائب عليه ، فمثل هذا النوع البشري لا يتكرر كثيرا في التاريخ ،فهنيئا له كل هذا التعاطف العالمي من كل أنحاء العالم ، وهنيئا لاولئك الذين عقدوا العزم للنشاركة غدا في حفل تأبينه واخصّ بالذكر رئيس تركيا/ رجب طيب اردوغان ، وسيكون من العار لقادة العالم الاسلامي أن يغيبوا عن هذا المشهد المهيب أو يغيب ممثليهم عنه ، كما أن مشاركة الرئيس الأمريكي/ باراك اوباما سيكون له رمزيته التامة لأن هؤلاء هم من مهّدوا له الطريق لكي يصل اليوم الى عرش أقوى دولة في العالم وهي أمريكا ..

وفاة كلاي وموقف دبلوماسيتنا الموقرة

وهنا لا بد من رسالة للجميع ، منذ أيام فاجأنا خبر ان دبلوماسيا من دولة ما حيث صرح أن الافارقة كلاب وعبيد ، وكأن الله عزوجل يقدّر أن يموت هذا الرجل في نفس التوقيت ليكون لنا درسا أن الذين يعتقدوننا عبيدا هم هم الذي يصنعون التاريخ اليوم كما فعلوه من قبل حين كان خير مضياف لصحابة لأكثر من عشر سنوات ،وهي البشرية تطوي صفحة جديدة من صفحات تاريخ رجل ناضل من أجل الحرية وحقوق الانسان وكلفه ذلك الجوائز التي حصل عليها لأنه أبى وواجه وحده أمريكا في حربها ضد الفيتنام في السبعينات ،ولم يرد أبدا ان تلطخ يده بقتل انسان مسالم بريئ مما يقال ، وصمد رغم كل الاغراءات وظل رجلا واقفا على قدميه متحديا كل الامراض وموقدا الامل في النفوس التي كادت أن تيأس من أن للحياة معنى وأن للانسانية طعما أحلى ..

كاتب وباحث سياسي

باريس -فرنسا

الاخبار العاجلة