إسرائيل تتخذ العنصرية هوية لها

23 يوليو 2018آخر تحديث :
حماس
حماس

بقلم طلال عوكل عن جريدة الايام 

إقرار قانون القومية من قبل الكنيست الإسرائيلي يشكل إعلاناً صريحاً وعلنيا عن إنهاء أي مراهنة أو حتى كلام عن عملية سياسية مع الاحتلال بالرغم من أن هذه العملية قد انتهت فعلياً قبل وقت ليس قصيرا.

مخاطر وأبعاد هذا القانون لا تتوقف عند حدود الإعلان عن موت العملية السياسية، وكشف حقيقة صفقة القرن، التي تدعي أنها تستهدف تحقيق السلام، وإنما تفوق ذلك بكثير.
إسرائيل تستعجل التدهور نحو العنصرية ونظام الأبارتهايد، ولم يكن إقرار هذا القانون سوى ذروة الانزياح إذ سبق إقراره، إقرار الكثير من القوانين العنصرية، التي تسبقها وترافقها ممارسات عنصرية بحق كل من هو غير يهودي.

كانت إسرائيل تسعى لأن يعترف الفلسطينيون بيهودية الدولة، وكان ذلك واحداً من شروط إسرائيل لاستئناف المفاوضات ولكنها بعد أن فقدت الأمل في موافقة فلسطينية، ذهبت وحدها لتعريف نفسها، وتحديد هويتها.

تحديد إسرائيل لهويتها على هذا النحو العنصري الفج، يذهب بنا إلى أصل المشروع الصهيوني الذي بني على كذبة صريحة، وهي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، والذي ينطوي على فعل إقصائي للفلسطينيين وإحلالي لليهود الذين يتدفقون من كل أصقاع الأرض.

هذا القانون لا يلغي حق الفلسطينيين في العودة فقط وإنما يستهدف طرد الفلسطينيين من أرضهم، والتوسع في أكبر مساحة ممكنة من فلسطين كمرحلة أولى قبل أن تسعى إسرائيل لإقصائهم عن كل فلسطين التاريخية.

تحدد إسرائيل هويتها بما أنها دولة اليهود في كل العالم لكنها وعن قصد ترفض تحديد أو رسم حدودها، ما يعني أن الأطماع الصهيونية تتجاوز حدود فلسطين إلى ما يرسمه العلم الإسرائيلي، وهو أمر لم يدركه بعد الكثير من عربان اليوم.

بعد إقرار هذا القانون تكون إسرائيل قد أكملت نظرياً طرح مخططاتها التوسعية على المدى المتوسط وليس البعيد فبعد مصادرة القدس ومصادرة حق عودة اللاجئين يتدرج المخطط لينتقل إلى غزة التي تقع اليوم في المهداف الأميركي الإسرائيلي.

غزة بسكانها ينبغي أن يتم إقصاؤها نهائياً عن بقية التجمعات الفلسطينية وتخليص إسرائيل من مسؤولياتها كدولة احتلال بحسب قرارات الأمم المتحدة، ولتذهب إلى مصر، أو إلى أن تكون هي الأرض التي يعلن الفلسطينيون فيها عن كيانهم السياسي.

هذا هو المفصل الراهن والمستعجل من صفقة القرن، والتي لا تمانع إسرائيل والولايات المتحدة في تدليلها بعد تعذيبها.

كوشنير وغرينبلات يشترطان على حماس الاعتراف بإسرائيل والتخلي عن المقاومة، حتى تصبح غزة منتجعاً سياحياً.

الأموال جاهزة، والخطة جاهزة والأدوات كذلك، ذلك أن غزة في الأصل وبدايات أوسلو كانت موعودة بأنها ستكون سنغافورة شرط أن تكون وحدها.

وتعود إسرائيل للاندراج في سياق هذه الإغراءات بعد حصار مشدد، وتهديدات قوية وتصعيد مرتين خلال أسبوع واحد، فيعلن وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان أنه سيعيد فتح معبر كرم أبو سالم، وتوسيع مساحة الصيد مقابل التزام حماس بالهدوء.

لا يوضح ليبرمان المقصود بالهدوء، إن كان التوقف عن الرد على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، أم وقف إطلاق الأطباق الطائرة والبالونات المتفجرة، أم وقف فعاليات مسيرة العودة وربما أراد كل ذلك.

المهم بالنسبة للحلف الأميركي الإسرائيلي أن تهدأ غزة فلا تعود تشكل أي تهديد من أي مستوى كان، وحتى لو لم تعترف حماس بإسرائيل.

كأن إسرائيل تريد أن تستثمر كل دقيقة لوجود شخصية مثل ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وفي ظل وضع عربي غاية في الرداءة والضعف.

لم يمر على الولايات المتحدة أي رئيس يمنح إسرائيل كل هذا الدعم الذي يصل إلى حد تبني كل ما تطمح إسرائيل في تحقيقه، بل إنه يذهب بحماسة لتنفيذ مخططاتها التوسعية.

أمام إسرائيل سنتان ونصف السنة حتى تنتهي ولاية ترامب، ولذلك فإنها ستعمل على تنفيذ مخططاتها خلال هذه الفترة، قبل أن تحمل الانتخابات القادمة رئيساً مختلفاً قد لا يجاريها كما يفعل ترامب.

هذا ما يفسر عجلة إسرائيل ومعها الولايات المتحدة لتحديد مكانة غزة ومستقبلها بعيداً عن الضفة، وبعيداً عن المشروع الوطني والحقوق الفلسطينية.

بعد غزة تنتظر إسرائيل الفرصة للانتقال إلى الضفة الغربية، التي تستباح بالاستيطان ومصادرة الأراضي، حتى قبل إقرار قانون القومية، لكي تعلن سيادتها على المنطقة المصنفة (ج) أي نحو 60% من الضفة على الأقل، لتبعد الكثافة السكانية نحو صيغة ما مع الأردن، أو حتى بشكل منفصل.

أما الحلقة الأخرى التي تجري عملية تحضيرها، فهي ما يتعلق بكيفية التخلص من مواطني دولة إسرائيل من الفلسطينيين، الذين يعانون أصلاً من التمييز والتهميش قبل إقرار قانون القومية فكيف ستكون الحال بعد إقراره.

أما موضوع ضم الجولان وبسط السيادة الإسرائيلية عليه فهو يمضي على نار شديدة الحرارة، إذ طلبت إسرائيل من الكونغرس الأميركي الموافقة على ذلك، وحين لم تنجح فإنها ستواصل العمل مع البيت الأبيض. هل أصبحت الأمور واضحة أم أنه لا يزال ثمة غموض؟

الغموض حتى الآن يتصل بطبيعة وأدوات واستراتيجيات المواجهة من قبل الفلسطينيين أولاً قبل أن نتحدث عن العرب والمسلمين والمجتمع الدولي، فواقع الحال يشير إلى تردد وتباطؤ القوى المعنية في الإجابة عن السؤال.

المصدر جريدة الابام
الاخبار العاجلة