تبني قانون «دولة قومية للشعب اليهودي» يؤزم اليهود الأميركيين ويكشف عنصرية إسرائيل

28 يوليو 2018آخر تحديث :
تبني قانون «دولة قومية للشعب اليهودي» يؤزم اليهود الأميركيين ويكشف عنصرية إسرائيل

رام الله – صدى الاعلام

تشير ردود الفعل الأولية بين اوساط اليهود في اميركا إلى حالة من الإحباط والضجر بسبب تبني (الكنيست) الإسرائيلي لقانون “دولة قومية للشعب اليهودي”، وذلك “بسبب الأذى الذي يلحقه هذا القانون بالديمقراطية الإسرائيلية” حسب قول أحد الحاخامات البارزين في منطقة العاصمة الأميركية واشنطن.

ويأتي التشريع الجديد بعد اتساع ملحوظ في الفجوة بين اليهود الأميركيين وإسرائيل منذ قدوم دونالد ترامب الى البيت الأبيض قبل 18 شهرا، لا سيما بسبب وجود تباينات في المواقف بشأن عدد كبير من القضايا الدينية والدنيوية ولكن أهمها هو أن إسرائيل تزداد تحفظا، وتتجه اكثر نحو اليمين، وتبني تحالفات مع اليمين الأميركي التبشيري دون ان تأخذ الحكومة الإسرائيلية في عين الاعتبار مشاعر اليهود في اميركا بعد كل هذا الكم من الولاء والدعم خلال السبعين عاما الماضية، وكأن اليهود الأميركيين فائض بشري ممنوع عليهم الاعتراض على ما تقوم به إسرائيل.

وحتى قبل تبني قانون “دولة قومية للشعب اليهودي” الأسبوع الماضي وهو القانون الذي يجعل “تقرير المصير” حقا حصريا لليهود فقط، وهو ما يكرس عنصرية الدولة الإسرائيلية ويبعدها حتى عن التظاهر بالديمقراطية، أظهرت العديد من استطلاعات الرأي أن الفجوة بين اليهود الأميركيين، خصوصا الشباب منهم، واليهود الإسرائيليين تتسع باضطراد، حيث أظهر استطلاع أجرته منظمة “اللجنة الأميركية اليهودية” الشهر الماضي، أن 34% فقط من اليهود الأميركيين يؤيدون الإجراءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، واستمرار الاحتلال ونقل السفارة الأميركية الى مدينة القدس المحتلة.

وجاء في هذا الاستطلاع انه “فيما يتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والتي تعتبر دوليا نقطة خلاف في مفاوضات السلام، قال 15٪ فقط من اليهود الأميركيين و 4٪ من اليهود الإسرائيليين أنهم مستعدون لتفكيك جميع المستوطنات للوصول إلى اتفاق، في حين أن 44٪ من اليهود الأميركيين و 35٪ من اليهود الإسرائيليين وافقوا على أنه ينبغي تفكيك بعض هذه المستوطنات، فيما يعتقد 35٪ فقط من اليهود الأميركيين أنه لا ينبغي تفكيك أي مستوطنة من أجل التوصل إلى اتفاق سلام، وهو الموقف الذي يتبناه 54٪ من اليهود الإسرائيليين”.

وقالت “اللجنة اليهودية الأميركية” في بيان لها، “إن هذه الاستطلاعات تكشف عن اختلافات حادة في الرأي بين أكبر جاليتين يهوديتين في العالم بشأن الرئيس ترامب والعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل وسياسات عملية السلام والأمن الإسرائيلية”.

وتضيف “إن الفجوة بين اليهود الأميركيين والإسرائيليين فيما يتعلق بنهج الرئيس ترامب تجاه إسرائيل عميقة”.

يشار إلى أن رئيس وزراء إسرائيل اليميني بنيامين نتنياهو وجد في الرئيس الأميركي دونالد ترامب حليفا قويا فهو الذي أعترف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها وهو الذي قطع المساعدات عن الفلسطينيين وتخلى عن حل الدولتين، وهو الذي يظهر ايضا ارتياحا كبيرا لبناء تحالفات مع القوى اليمينية المحافظة بما فيها تلك المعادية للسامية مثل “اليمين المسيحي التبشيري” وفي أوساط المحافظين من الحزب الجمهوري.

وتقول اللجنة في بيانها “لكن معظم اليهود الأميركيين هم من الديمقراطيين الذين عادة ما ينتقدون سياسات ترامب ونتنياهو”، مشيرة الى “أن الخبراء كانوا قد حذروا منذ سنوات من أن الطائفتين تتجهان في اتجاهات متناقضة سياسيا، ما يقوض القرابة بين المجموعتين اللتين تشكلان الغالبية العظمى من اليهود في العالم”.

وحول هذا الموضوع نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) أمس الخميس مقالا لأستاذ الفلسفة في (جامعة نيويورك للأبحاث) أومري بوهيم تحت عنوان “هل توقفت إسرائيل عن التظاهر بالديمقراطية” ينتقد فيه القانون الجديد ويبين عيوبه ولكنه في الوقت ذاته يقول أن هذه هي الحقيقة الإسرائيلية منذ قيام الدولة عام 1948.

ويقول بوهيم في مقاله “في عام 1948، جاء إعلان الاستقلال، وهو النص الذي يؤسس إسرائيل، واكد أن إسرائيل دولة يهودية تضمن المساواة التامة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع سكانها بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس، إلا أن هذه شكلت معضلة حقيقية لإسرائيل بين أن تكون يهودية أو ديمقراطية ولكن هذا الجهد بدا منذ البداية – ضمان المساواة في الحقوق لغير اليهود – وكأنه محاولة لجعل الدائرة مربعا (القيام بالمستحيل)، وما فعلته إسرائيل الأسبوع الماضي هو التنازل عن هذا الإدعاء”.

ويضيف الكاتب “يزعم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أن التشريع الجديد ببساطة حدد في القانون المبدأ التأسيسي لوجودنا، ولكن في الواقع، فإن وظيفة هذا القانون الأساسية هي بناء أساس رسمي لقيام إسرائيل بضم الضفة الغربية وإقامة دولة يهودية في النهاية على كل فلسطين”، مشيرا إلى أنه “في أواخر العام الماضي، دعا حزب الليكود اليميني المتشدد بقيادة نتنياهو إلى تطبيق القانون وفرض السيادة على الإسرائيليين في جميع مناطق الاستيطان في الضفة الغربية”.

ويشرح بوهيم “يقول منتقدو تشريع دولة قومية للشعب اليهودي الذي مرر الأسبوع الماضي إنه يتخلى عن إعلان الاستقلال لعام 1948، لكن الأمور أكثر فظاظة وأقبح من ذلك: القانون الجديد يكشف حقيقة قديمة قذرة، وهي مقايضة غير معلن عنها يعود تاريخها إلى خلق إسرائيل، حيث الإعلان نفسه استند بشكل واضح إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر عام 1947 والذي دعا إلى إنشاء دولتين في فلسطين: دولة يهودية والأخرى فلسطينية. واعترفت بالحق الطبيعي للشعب اليهودي في أن يكون سيد مصيره بنفسه، مثل جميع الدول الأخرى، في دولته المستقلة”.

وقال “لكن هذا الإيماء الضمني لحق تقرير المصير الفلسطيني كان مدفوعاً باهتمام كبير بالمصالح اليهودية أولا، وليس بالحقوق العربية؛ في أيار 1948، كان هناك حوالي 600000 يهودي ونحو 1.2 مليون عربي (فلسطيني) يعيشون داخل حدود فلسطين. مع اليهود في الأقلية، ولا يمكن ضمان يهودية إسرائيل الديمقراطية إلا إذا أتيحت الفرصة للفلسطينيين في تقرير المصير. بعبارة أخرى، كان التعهد الإسرائيلي المزدوج (سواء كان يهودياً وديمقراطياً) كان منافقاً” .

واضاف “الآن يجري طرح التناقضات الأصلية للنظام. من بين أكثر من 8.2 مليون شخص يعيشون في حدود إسرائيل المعترف بها اليوم، حوالي 73٪ من اليهود و 22٪ عرب. لكن من بين 11.8 مليون شخص يعيشون في إسرائيل والضفة الغربية (بدون الفلسطينيين في غزة)، فإن 56 بالمائة منهم يهود و 40 بالمائة عرب، ومع تراجع احتمال وجود حل قائم على أساس دولتين، تراجع تعهد إسرائيل بأن توفر المساواة الكاملة لغير اليهود”.

وقال الباحث بوهيم أنه تماشياً مع هذا التطور، يقول القانون “إن الحق في ممارسة حق تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل هو أمر حصري بالنسبة لليهود فقط ويصر مؤيدوه على أن مثل هذه التصريحات لا تعدل ولا تقوض إعلان 1948: الالتزام بالمساواة لأن التشريع لا يخضع لحقوق ديمقراطية لحماية الهوية اليهودية، ولكن هذا ادعاء مضلل : لا يخلق قانون الدولة القومية أي هرمية من هذا القبيل لأنه لا يحتاج إلى ذلك”.

يشار إلى أنه في الشهر الماضي، قدمت القائمة المشتركة، تحالف النواب العرب في (الكنيست) مشروع قانون يسمى (القانون الأساسي: دولة لكل مواطنيها) وهو مشروع القانون الذي اقترح إعادة تعريف إسرائيل من دولة يهودية إلى جمهورية محايدة، ولكنه (الكنيست) رفض التصويت، متذرعا بقاعدة إجرائية لإسقاطها بشكل صريح كإنكار ليهودية البلاد.

ويستشهد الكاتب بـ “ما قاله أحمد الطيبي، العضو العربي البارز في (الكنيست) في عام 2009 :”هذا البلد يهودي وديمقراطي: ديمقراطي تجاه اليهود، ويهودي تجاه العرب” لإثبات “لقد جعل قانون الدولة القومية الأمر كذلك” محذرا “على وجه الخصوص من ان القانون الجديد ينص على أن الدولة تنظر إلى تنمية المستوطنات اليهودية كقيمة وطنية وسوف تعمل على تشجيع وتعزيز إنشائها وتوطيدها، وفي سياق الصراعات الجارية في إسرائيل حول الديموغرافيا والأرض، فإن هذا يعني تفضيل مصالح اليهود. كما يعني تقويض مصالح العرب”.

ويضيف “إن النتائج القاسية لهذه الإستراتيجية معروفة جيدا وتجسدت في مشروع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، لكن تم تنفيذ تدابير مماثلة داخل إسرائيل ذاتها، ففي الثمانينيات من القرن الماضي، تم إنشاء العديد من القرى اليهودية في شمال البلاد كجزء من جهد ممول بشكل كبير من أجل “تهويد الجليل” ولإنشاء هذه القرى صادرت الحكومة الاسرائيلية الأرض من العرب الإسرائيليين وعزلت مدنهم عن بعضها البعض وخنقتهم اقتصاديا وحرمتهم من الحكم الذاتي داخل إسرائيل، والقانون الجديد سيعطي هذه الأساليب القديمة دفعة جديدة ، بما في ذلك أمام المحكمة العليا”.

وينهي الكاتب بالقول “إن سياسة إسرائيل الرامية إلى الترويج للمستوطنات اليهودية قد خلقت سياسة الفصل العنصري بحكم الواقع في الأراضي المحتلة من الضفة الغربية. يقر قانون الدولة القومية رسميا الآن استخدام أساليب الفصل العنصري المماثلة داخل حدود إسرائيل المعترف بها. ما كان يُشتبه به منذ فترة طويلة أصبح واضحا بوحشية: لا يمكن لإسرائيل أن تكون دولة يهودية وديمقراطية ليبرالية”.

المصدر جريدة القدس
الاخبار العاجلة