المناضلة عهد التميمي لم تغادر السجن حقا!

18 أغسطس 2018آخر تحديث :
المناضلة عهد التميمي لم تغادر السجن حقا!

بقلم غادة السمان عن القدس العربي

غادرت الصبية (17 سنة) عهد التميمي سجنها (العلني) الإسرائيلي، وبدت منذ خطواتها الأولى بالغة الصحو الوطني المقاوم؛ فقد اختارت حين وصولها إلى قريتها «النبي صالح» قرب «رام الله» النزول في بيت ابن عمها الشهيد عزالدين التميمي (15 سنة) «الذي أعدمته قوات الاحتلال بدم بارد أثناء وجوده في المعتقل»، كما ذكر عبد الحميد صيام مراسل «القدس العربي».
ولم تنس عهد زيارة ضريح ياسر عرفات، والتقت الرئيس الفلسطيني أبو مازن محمود عباس الذي اعتبرها «نموذجا للمقاومة». جريمة عهد هي أنها دافعت عن فناء منزلها في قريتها، حيث صفعت جنديا إسرائيليا اقتحم حرمته، وبدلا من عقابه (أي الجندي) عوقبت هي بتهمة توجيه الإهانة لجيش الاحتلال! وهذه هي (العدالة) الإسرائيلية!

من جميلة بوحيرد إلى عهد التميمي

لعل بعض الجيل العربي الجديد لم يسمع بالمناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، ولكن الجيل الجديد من الجزائريين يعرف نضالها لتحرير الوطن من الاستعمار الفرنسي يومئذ.. أي قبل أن يولدوا.
وبكثير من الغبطة قرأت خبرا عن المناضلة الأخرى: عهد هي جميلة بوحيرد التي سبقتها إلى مقاومة المحتل قبل نصف قرن تقريبا، فقد ذهبت جميلة مؤخرا إلى تظاهرة فنية لـ450 فنانا جزائريا في منطقة القبائل وفوجئ الجميع بحضورها وتهافت عليها المئات من السكان من الأجيال كلها مرحبين ببطلة الثورة التحريرية، جميلة بوحيرد الأسطورة الحية، والأساطير لا تهرم بل تزداد تألقا كالأيقونات.
وأعترف أنني شخصيا لا أزال تحت سطوة مغناطيس الجاذبية الوطنية لجميلة بوحيرد. منذ عامين حين تلقيت دعوة من الجزائر لمنحي المبهج درعا جزائرية تكريما لي، قبلت الدرع بكل فخر واضطررت للاعتذار عن عدم السفر إلى الجزائر لأنني كنت منشغلة بكتاب جديد أردته منشورا قبل «معرض الكتاب» في بيروت. وكم أسفت حين قال لي المسؤول الكبير إن جميلة بوحيرد كانت ستسلمني الدرع بنفسها، وفي ذلك إغراء لا أقاومه، وإني أذكر حتى اليوم المطربة وردة الجزائرية وهي تغني «جميلة أبية شجاعة قوية.. وظنوا جميلة لا يولد سواها، كلنا جميلة كلنا فداها…».
وها هي أمتنا العربية التي تنجب المناضلات في شتى الحقول لا نسمع عن بعضهن، ها نحن نحتفي بالمناضلة عهد التميمي.. فأمتنا ليست شحيحة بأبناء البطولات وبناتها.

صبية صغيرة بعقل ناضج المقاومة

لفتني كثيرا قول عهد التميمي عند إطلاق سراحها من السجن الإسرائيلي: «إنني ما زلت أفكر في الأسيرات اللواتي عشت معهن طوال ثمانية أشهر (في السجن).. ها هي لا تنسى معاناة سواها والأسيرات القاصرات في سجون (الديمقراطية) والمعاملة غير الإنسانية التي يتعرض لها الأسرى كافة، هذا بينما تحاضر إسرائيل عن كونها الدولة الديمقراطية الوحيدة في قلب العالم العربي، وهي في حقيقة الأمر الطعنة الأكثر إيذاء للديمقراطية. حديث عهد عن بقية السجينات مثلها يدل على رهافتها ورجاحة عقلها السياسي، على العكس من الغطرسة الإسرائيلية التي لم تتورع عن اعتقال فنانَين إيطاليين ذنبهما أنهما رسما على جدران السجن الإسرائيلي الكبير لوحة جدارية لعهد التميمي «على جدار الفصل» المحيط بإحدى جهات «بيت لحم»، أما ذريعة الاعتقال فهي «التخريب والإضرار بالسياج الأمني»، أي بأحد جدران السجن الكبير للفلسطينيين.

تحويل فلسطين المحتلة إلى سجن كبير

تخترع إسرائيل الذرائع كلها لإيذاء أي دعم للتحركات التحررية في فلسطين المحتلة إلى جانب الثالوث الجهنمي لمصادرة الأراضي، و(بناء وحدات استيطانية)، والتهجير، كما القمع والاعتداء على الأشجار وأماكن العبادة كاقتحام المسجد الأقصى، والاعتداء على المصلين، وحتى على تلك السفن الإنسانية مثل «سفينة العودة» التي تأتي لنجدة غزة المحاصرة، من السويد والنرويج وسواهما، حاملة الدواء إلى المستشفيات وإلى أهل غزة التي حرمتها إسرائيل من الوقود، ومن ثم من الكهرباء والشروط المعيشية الأدنى وحتى الرواتب لشراء الطعام.. بهمجية استثنائية تحاول إسرائيل عبثا تبريرها لتحويل فلسطين المحتلة إلى سجن كبير للفلسطينيين. وبالتالي فإن عهد خرجت من السجن الإسرائيلي (الصغير) إلى وطنها الذي يحاول نتنياهو تحويله إلى سجن كبير لكل من لم يهاجر من الفلسطينيين وظل مناضلا ضد ذلك الغاز الخانق في وطنه الذي تبثه إسرائيل، بالغطرسة والهمجية (العصرية)!

قانون القومية اليهودية: إعلان الواقع

لا جديد في إعلان قانون «القومية اليهودية» العنصري، فقد كان كل ما في سلوك إسرائيل يدل على ذلك منذ (تأسيسها)، ولكن نقل (الرفيق) ترامب سفارة بلاده إلى القدس المحتلة شجع الاحتلال الإسرائيلي على إعلان نواياه كأي دولة عنصرية مافياوية.. فما العمل؟ العودة إلى البوصلة العربية التي تشير إبرتها دائما صوب فلسطين ضد أي نزاع عربي داخلي، والعزوف عن التطبيع مع العدو أيا كانت أقنعته من فنية وثقافية وسينمائية وسياسية، سرية أو علنية. ليس من حقنا أن نخون نضال التميمي وجيلها، وليس من حقنا أن نتغاضى عن شهداء فلسطين كلهم من غسان كنفاني إلى كمال ناصر وسواهما، وشهداء السجون الذين لم نعرف أسماءهم.
«تشريع إبادة الفلسطينيين» ليس بالأمر الجديد، وهو ما يدور من زمن، أما الآن فلقد جاوز تورم الغطرسة المدى، وصار القتل للفلسطينيين مشرعا كحق تاريخي.. فهل سنستيقظ من غيبوبتنا أمام «التغول الإسرائيلي»؟

 

المصدر القدس العربي
الاخبار العاجلة