إتفاق «حماس» جزء لا يتجزأ من صفقة القرن

25 أغسطس 2018آخر تحديث :
إتفاق «حماس» جزء لا يتجزأ من صفقة القرن

بقلم مهند عبد الحميد عن جريدة الأيام

أفاد الخبير الإسرائيلي جاكي خوجي «بأن حماس وإسرائيل توصلتا لتفاهمات بوساطة مصرية، لا يمكن وصفها بأنها وقف لإطلاق النار، وأضاف: «إن ما حدث من مداولات سرية في القاهرة والتي تخللتها أشكال من الحرب النفسية يعتبر إنجازاً للطرفين. وأوضح جاكي أن الجانبين يتعمدان تسمية هذه التفاهمات السرية المستمرة منذ أسابيع بأنها وقف لإطلاق النار».

هذا القول لا يتناقض مع المعلومات التي تتسرب من هنا وهناك حول وجود اتفاق شبه منجز بين حركة حماس ودولة الاحتلال، ولا يتناقض مع سعي حركة حماس لتهيئة مؤيدين وداعمين للاتفاق.

وجود اتفاق من طبيعة سياسية خطيرة، وحلقة من حلقات صفقة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، تؤكده أيضا أقوال الناطقين باسم حماس والعناصر التي تدور في فلكها، الذين يروجون «لإنجاز كبير» ويوحون بأن حماس تنتصر من خلال فرضها فك الحصار وحل مشكلات قطاع غزة الإنسانية، ولا ينسون التأكيد على بقاء المقاومة دون مس، ولا على مصطلحات عدم الاعتراف بإسرائيل، ولا التنازل عن فلسطين من الماء إلى الماء.

وفي الجهة الأخرى فإن وجود اتفاق بالشروط والإملاءات الإسرائيلية، لا يتغير بامتعاض وغضب الوزير المتطرف بينيت الذي يرى أن إسرائيل خنعت أمام حركة حماس، والذي يريد اتفاقاً دون رتوش ومساحيق من النوع الذي يسمح لحماس بتبرير موافقتها على الاتفاق، ويريد تدفيع حماس الثمن رزمة واحدة وليس باتخاذ خطوات متدرجة.

ما يحدث بين حركة حماس ودولة الاحتلال يعد تحولا دراماتيكيا، بسبب مضمونه السياسي الرامي إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية ومدينة القدس، والوثيق الصلة بصفقة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، فقد اقتصرت الاتفاقات السابقة بين حركة حماس ودولة الاحتلال على وقف إطلاق النار وما يتطلبه من فرض الوقف على كل الأطراف التي تحاول مقاومة الاحتلال بمفهومها الخاص.

أما الاتفاق المزمع الإعلان عنه بعد أسابيع فهو اتفاق سياسي متجاوِب مع ما هو مطلوب أميركيا وإسرائيليا وإقليميا، أي أنه منسجم مع مشروع صفقة القرن.

هذا المشروع الذي بدأ بشطب قضايا القدس واللاجئين وشرع الاستيطان وسرقة الأراضي الفلسطينية وباعتماد قانون القومية العنصري، والآن يبدأ فصل قطاع غزة.

وهذا يطرح سؤال لماذا تقبل حركة حماس بالضلوع في أخطر مشاريع تصفية الحقوق والقضية الفلسطينية؟

فضلاً عن الجوهر السياسي للاتفاق، فإن حركة حماس تقفز عن الشرعية الفلسطينية ومؤسساتها التمثيلية (م.ت.ف)، الجهة الحصرية الوحيدة المعنية بإبرام اتفاقات سياسية، وبصرف النظر عن واقع المؤسسة التمثيلية والحاجة الملحة لإصلاحها.

حماس تقدم نفسها كشرعية أخرى قادرة على تأمين البضاعة الأمنية وفوقها البضاعة السياسية، متلاقية بذلك مع التعريف الإسرائيلي الأمريكي للشرعية الفلسطينية، ومع الاعتراف بها بالقدر الذي تتجاوب مع شروط الخنوع، والعكس صحيح.

ولا يخلو الأمر من مفارقة، فحركة حماس في التعريف الإسرائيلي حركة إرهابية خارجة عن الاعتراف، لكنها اليوم مقبولة ويتم التفاوض معها ويبرم معها اتفاق سلخ قطاع غزة سياسيا عن الضفة الغربية.

والأمر الأكثر غرابة أن الجهات الإقليمية الراعية للاتفاق فضلا عن أميركا وإسرائيل يقبلون بل يصنعون «شرعية» فلسطينية جديدة، وقد تجاوزوا كل شروطهم ومطالبهم السابقة لتأهيل حركة حماس وجعلها جزءا من الشرعية الفلسطينية.

وهم في أحسن الأحوال يريدون الآن من السلطة والمنظمة تأمين الغطاء لاتفاق حركة حماس بالموافقة على الاتفاق وبالمشاركة في تنفيذه ما يجعل الشرعية الفلسطينية تابعا لحركة حماس التي وفرت البضاعة.

وفي ظل رفض السلطة والمنظمة، تأخذ حركة حماس بقول ترامب «سنمضي بالاتفاق حول غزة بسلطة ودونها».

للاستعجال الأميركي في تحقيق الاختراق الأكثر أهمية بالنسبة لمشروع صفقته، تحرص حركة حماس على تأمين غطاء فصائلي لاتفاقها، فتشرك أسماء تنظيمات غير معروفة، كحركة المجاهدين وحركة الأحرار فضلا عن مجموعة تنظيمات سائرة في فلكها.

اتفاق حركة حماس يضيف تحديا جديدا للمنظمة بمختلف فصائلها وسلطتها، وتحديا لحركة  الجهاد الإسلامي التي تتناقض مواقفها مع الاتفاق المزمع التوقيع عليه، كما يتناقض الاتفاق مع إيران الداعمة الأساسية لكتائب عز الدين القسام، فضلا عن الجهاد الإسلامي.

ما يهم هنا هو موقف الفصائل الفلسطينية التي استخدمت وتستخدم كغطاء للتفاوض ولبلورة الاتفاق دون مشاركة في القرار، وموقف المنظمة الذي لا يزال في موقع انتظار الاتفاق واعتماده، مع أن الموقف المطلوب من كافة القوى الوطنية هو قطع الطريق على الاتفاق ومنع حدوثه لأنه يشكل اختراقاً خطيراً للحالة الفلسطينية برمتها.

النجاح في إفشال الاتفاق يتطلب اتخاذ مواقف لا تحتمل التأويل، مواقف حازمة من المسار الذي يكرس الفصل والتجزيء والتفكك، ويضعف الموقف الفلسطيني ويدفعه إلى الدرك الأسفل. ولا شك في أن إفشال اتفاق فصل القطاع وإذابته خارج حل القضية الفلسطينية بمختلف جوانبها، يتطلب مواقف وسياسات بديلة.

  • استعادة الثقة بين فصائل منظمة التحرير، واحترام الشراكة في القرار وفي التنفيذ، واحترام المرجعيات النظامية والقانونية لعمل المؤسسة، وهذا يتطلب اعتماد خطة سياسية تشارك التنظيمات في بلورتها، هدفها قطع الطريق على اتفاق فصل قطاع غزة وتحويل التحرر والخلاص من الاحتلال وتقرير المصير إلى قضية إنسانية في الشكل، وهدفها التصدي لكل أشكال التدخل الخارجي، ونزع الغطاء السياسي العربي والدولي للاتفاق الموعود، وحشد مواقف القوى العربية والدولية الحليفة الداعمة للحقوق الفلسطينية، ومطالبتها بالتدخل وبالضغط على الجهات المشاركة في اختراق الوضع الفلسطيني.
  • استعادة الثقة بين المؤسسة وجماهير قطاع غزة، والجماهير الفلسطينية في كل مكان، ووضع خطة بديلة للإنقاذ المزعوم، بإنقاذ حقيقي، يبدأ بالتراجع عن كل الإجراءات الرسمية التي أثرت وتؤثر سلبا على حياة المواطنين في غزة، وإعادة بناء وتنظيم الاحتجاج الشعبي ضد صفقة القرن وضد الحصار والضغوط المسببة للأزمات.

وهذا يعني إشراك المواطنين في السياسات وفي تنفيذها، وليس استخدام وتوظيف الجماهير ومعاناتها وتضحياتها ونضالاتها.

  • تفعيل النضال القانوني عبر الهيئات والمؤسسات الدولية وتقديم ملفات جرائم الحرب والاستيطان واستباحة القدس والقوانين التي تمس بأسر الشهداء والأسرى وكل المناضلين من أجل الحرية، وقانون القومية العنصري، والمؤامرة الكبرى ضد اللاجئين وحقوقهم.
  • البدء بإعادة بناء مؤسسات المنظمة، وتطوير أنظمتها الداخلية، وإعادة تعريف مشروعها الوطني وتوفير كل ما من شأنه تسهيل انضواء مختلف القوى السياسية، وتأكيد احترام التعدد السياسي والثقافي والديني.
المصدر جريدة الابام
الاخبار العاجلة