قراءة مضللة لمنظمة التحرير وتاريخها

5 سبتمبر 2018آخر تحديث :
مقالات مروان طوباس جنين

باسم برهوم-الحياة الجديدة

في السنوات الاخيرة، وفي ظل المأزق الذي يعيشه المشروع الوطني، كثيراً ما يتم قراءة منظمة التحرير الفلسطينية، تاريخها ومواقفها وقراراتها، كما وكأنها كانت تعمل خارج الزمان والمكان، وخارج السياق السياسي والتاريخي والتطورات الاقليمية والدولية. وكثيرا ما يجري التعامل مع المنظمة وكأنها كانت تمتلك كل اوراق المتعلقة بالقضية الفلسطينية وتسيطر على كل فلسطين وهي التي فرطت بها، او انها اختارت الانتقال من هدف التحرير الكامل للتسوية السلمية لمجرد انها اخطأت سياسياً وبالتالي يتم تحميلها مسؤولية كل ما آلت اليه اوضاع الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.

من هنا تأتي ضرورة تذكير اصحاب هذه القراءات ببعض الحقائق الاساسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني والعربي مع اسرائيل الصهيونية والتي يجب اخذها بعين الاعتبار. فعند تناول منظمة التحرير لا بد ان نعرف طبيعة المشروع الصهيوني والقوى الاستعمارية العظمى التي تبنته وقامت بتنفيذه وتقوم اليوم بحمايته. فمن الناحية العملية فان هذه الجهات قد حسمت مصير فلسطين، من وجهة نظرها، منذ وعد بلفور عام 1917 وفي اطار تقسيم المنطقة العربية في اتفاقيات سايكس بيكو عام 1916. لذلك كل ما قام به الشعب الفلسطيني منذ ذلك التاريخ وحتى الآن هو مقاومة هذا المصير الذي تقرر له ولوطنه من قبل هؤلاء.
كما لا بد من تذكير اصحاب القراءات، ان منظمة التحرير عندما تأسست عام 1964 كانت فلسطين وشعبها قد شطبا عن خارطة الشرق الاوسط عام 1948. اما عن ظرف تأسيس المنظمة، الذي جاء بقرار عربي رسمي، فقد تم في لحظة تاريخية كان الانقسام بين الدول العربية حادا بين انظمة عربية “رجعية” وانظمة “ثورية تقدمية “، كما ان جمال عبد الناصر صاحب مبادرة تأسيس المنظمة كان خارجاً للتو من فشل تجربة الوحدة بين مصر وسوريا، وبالتالي تراجع فكرة الوحدة العربية، كما انه كان منشغلا في حرب استنزاف في اليمن، وبالتالي فان مسألة تحرير فلسطين، وبالرغم من انها هدف للشعب الفلسطيني، فإنها كانت شعارا للاستهلاك وللاستخدام من قبل الانظمة العربية، من دون أي جدية او خطة عمل لتحقيقه.

بعد هزيمة الانظمة العربية في حرب عام 1964 قبلت الدول العربية بقرار مجلس الامن 242 الذي يمثل اعترافا عربيا بوجود دولة اسرائيل. بالمقابل فان هذه الهزيمة التي حولت شعار تحرير فلسطين الى هدف بعيد المنال، فإنها سمحت للشعب الفلسطيني بانتزاع منظمة التحرير من الوصاية والاحتواء العربي الرسمي، كما انتزع قراره الوطني المستقل وعلى الفور اشتبك عسكريا مع اسرائيل.

وجود المنظمة كقوة فلسطينية تمثيلية تمتلك ارادتها الحرة وتشتبك مع اسرائيل عسكرياً ادى الى قرار دولي وعربي بإعادة احتواء المنظمة ومنعها من الاشتباك مع اسرائيل .

اما بعد حرب تشرين اول / اكتوبر عام 1973 فكان قرار الدول العربية الحاسم الدخول في عملية سلمية سياسية مع اسرائيل برعاية أميركية، التي قادت في نهاية الامر الى توقيع مصر على معاهدة سلام مع اسرائيل عام 1979. هذا الواقع الذي نشأ كان يؤكد ان حرب تشرين كانت الحرب الأخيرة في سياق الصراع العربي الاسرائيلي وكذلك فان منظمة التحرير التي تلقت رسالة واضحة من الدول العربية اما الدخول الى التسوية او مواجهة التصفية. كما ان الحديث كان يجري في حينه عن فك ارتباطها على الجبهة الاردنية الاسرائيلية على غرار فك الارتباط المصري والسوري مع اسرائيل، هذا الواقع برمته هو الذي قاد منظمة التحرير لبرنامج النقاط العشرة عام 1974 وهدف اقامة سلطة وطنية فلسطينية على أي جزء يتم تحريره من فلسطين، وبالتالي اعطاء اول اشارة بالقبول بالحل السياسي للصراع.

خروج مصر من الصراع شجع اسرائيل على شن حرب 1982 على منظمة التحرير في لبنان وهي الحرب التي قادت في النهاية الى ابعاد المنظمة والثورة عن فلسطين عدة آلاف من الكيلو مترات عن حدود فلسطين. كما جرى شق حركة فتح والمنظمة عام 1983 كاستكمال للحرب الاسرائيلية عليها تم جرها الى حرب استنزاف في البقاع وطرابلس والمخيمات في الفترة ما بين 1983 الى 1986.

المنظمة استعادت قوتها ووزنها من جديد بفضل الانتفاضة الشعبية الفلسطينية التي اندلعت في وجه الاحتلال الاسرائيلي في نهاية عام 1987. الانتفاضة والخوف من امكانية اجهاضها دفع المنظمة لطرح مشروعها للسلام عام 1988 والاعتراف بالقرار 242.

ما أن طرحت المنظمة مشروعها للسلام في محاولة لاستثمار الدفعة السياسية الكبيرة التي منحتها اياها الانتفاضة، حتى اجتاح صدام حسين الكويت عام 1990 ومن ثم حرب الخليج عام 1991. في موازاة ازمة الخليج هذه وانقسام العالم العربي بشكل عميق بسببها، بموازاة ذلك كان العالم يشهد انهيار الاتحاد السوفيتي ومعسكره الاشتراكي، وهو الحليف الاساسي للمنظمة وللشعب الفلسطيني على الساحة الدولية.

منظمة التحرير التي خرجت من حرب الخليج وازمتها وهي مصنفة الى جانب المهزوم، قبلت بحضور منقوص التمثيل بمؤتمر مدريد للسلام في نهاية 1991، عبر وفد اردني فلسطيني مشترك، المنظمة اتخذت هذا القرار كي لا يتم استثناؤها واستثناء الشعب الفلسطيني من الترتيبات الجديدة في منطقة الشرق الاوسط في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، ومن ثم وقعت اتفاقيات اوسلو.

باختصار نقول لأصحاب القراءات ان تناول المنظمة بمعزل عن ما كان يحيط بها من تطورات سياسية موضوعية وذاتية هو امر له مغزى واحد ووحيد هو التضليل والاساءة للمنظمة وتاريخها ولنضال الشعب الفلسطيني.

الاخبار العاجلة