دعونا نذهب صوب المستقبل

15 سبتمبر 2018آخر تحديث :
دعونا نذهب صوب المستقبل

بقلم صلاح هنية عن جريدة الايام

دعونا نعتمد السيناريو الأسوأ في الوطن، ومفاده أن كل شيء سلبي، وحالة من التراجع الشامل وغياب الأمل في أي إيجابية تحدث على أرض الواقع، وضمن هذا السيناريو يجب أن نخلي مسؤوليتنا كاملة ونعتبر أننا لسنا جزءاً من الخراب ولسنا مسؤولين عنه ونستنكره ولا نوافق عليه، والبقية هم المتهمون بالكامل.

سيقال إنني فقدت توازني وجنحت إلى زاوية غير مقبولة وهنا تبدأ عمليات الوعظ: يجب أن نكون جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة، والوطن مسؤوليتنا جميعاً ويجمعنا، الناس الطيبة تستحق كل جهد، وفوراً يقال: ارجع إلى صوابك.

وأنت تتسامر مع الناس في أي مناسبة اجتماعية أو جَمعة أو لقاء، تجد أن الجميع خبير من الدرجة الأولى في كل شيء، وهو يعرف بواطن الأمور وما خفي، ويترفع الجميع عن الحديث عن مظاهر حياتية حاضرة وحقيقية، ولكن أحداً لا يريد أن يضع كتفاً في تحمل عبء التغيير والتطوير في ظواهر حاضرة بقوة، بل ترى الجميع يريد أن يذهب لتوقعات ورسم خارطة المستقبل الفلسطيني من خلال إطلالة قاصرة من خرم الباب الذي لا يرى من خلاله شيئاً، ويصر إصراراً على تثبيت الصورة لديه أمام الجميع، ويا ويل من يناقش ويوضح الحقيقية.

في خضم هذه الحالة، نفتقد لخطاب إعلامي رزين ومؤثر، فجوهر خطابنا الإعلامي الذي نستقبله يومياً مفاده الاستنكار والاستهجان وما يقال إنه مؤامرة ضدنا، حتى توضيحنا لماذا لجأت الشرطة الفلسطينية ونيابة الجرائم المرورية لواقع تعظيم المخالفات على الحزام وغيره ضعيف، لا نعتبر أننا فقط ننفذ القانون ونوفر الحماية للسائقين وللسلامة المرورية بل نعطي انطباعاً بأننا بصدد حملة ومن ثم نذهب صوب أخرى، خطابنا الإعلامي التنموي غائب غياباً تاماً ولا جديد حوله.

ونذهب لتثبيت بعض التشويهات من خلال قرارات وزارية وإدارية في قطاعات حيوية ومهمة تمس حياة الناس، إذ يخرج علينا فجأة قرار من وزارة الصحة بالرجوع إلى فترة الانتظار 90 يوماً للمؤمّنين الجدد في الوقت الذي يتعاطى الرأي العام ونخبة مع التأمين الصحي الإلزامي الشامل لجميع أبناء شعبنا، وتخرج علينا وزارة التربية والتعليم العالي ببيان أنها أتمت امتحانات التوظيف للمعلمين الجدد كنوع من الشفافية، وفور دخولك قبل أسبوع إلى بعض القرى تسمع أن نقصاً في المدرسين للغة الإنجليزية والرياضيات.

ونمعن في تثبيت التشويهات والتشويشات الممنهجة ضد المجتمع الفلسطيني من خلال البحث عن سُلّم ينزلنا عن الشجرة يوم أصدرنا قراراً وزارياً بالسماح فقط للدقيق المدعم بعشر مواد بالتسويق في سوقنا الفلسطينية، وعندما اكتشفنا أن نسبة التدعيم فقط 50% بتنا نبحث عن مخرج وسُلّم ينزلنا عن الشجرة تحت يافطة الأمن الغذائي وجل معلوماتنا من تجار جملة الجملة ولا نخاطب سفاراتنا في الدول الموردة للدقيق ليطلعونا على حقيقة الوضع، ولا نخاطب ممثلنا في منظمة الأغذية العالمية (الفاو) لنعرف واقع الحبوب في العالم.

نفاخر بالجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ولا نعتمد أرقامه وإحصاءاته كمرتكز للتخطيط، بينما يمنحنا مؤشرات التجارة الخارجية المرصودة، ويمنحنا كمية إنتاجنا من الحليب التي لا تغطي كامل احتياجاتنا، ورغم توقيع عدد من الوزارات مذكرات تفاهم مع الجهاز إلا أن المنتج ظل غالباً محصوراً بين الجهاز وسلطة النقد الفلسطينية، ووزارة شؤون المرآة.

نفاخر بإقراض المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، ومن ثم نكتشف أن الشروط لا تؤهل لإنجاز مشروع صغير من خلال رفع نسبة الفائدة واقتطاع رسوم البنك وفي نهاية القرض يدفع المقترض 50% من قيمته، ونحن ذاهبون تجاه تنمية هذا القطاع ونشارك عربياً ودولياً بمؤتمرات وورش بهذا الخصوص.

نتألم لحادث سير يقع أمامنا وننصب أنفسنا خبراء ومحققي تأمين وخبراء كروكة، ولكننا لا نلقي باللائمة على أنفسنا بخصوص التربية والإرشاد وتحمّل مسؤولية أبنائنا وبناتنا، ونلقي باللائمة على الشرطة وعلى الطريق وعلى السور المحيط بتلك البناية.

اليوم يجب أن نضع اليد على الجرح ونختار: إما أن نعيش اليوم وننظر للمستقبل بأمل وتفاؤل وإما أن نعيش الماضي ونلعنه. المستقبل يحتاج إلى تأهيل لمن أراد العيش فيه والعالم اليوم يتعامل مع علوم المستقبل ويبني قرارته بناء على الرقم الإحصائي ولا يعمم ولا يتذمر ويقف مكتوف اليدين.

دعونا نخرج من شماعة التبريرات السياسية والاقتصادية ونضع كتفاً لنخرج من نطاقهما بإرادة شعبية تعظم الإيجابيات وتذهب صوب رؤية جديدة متكاملة تعيد الاعتبار للقرار الجماعي على قاعدة الجهد كل الجهد صوب إنهاء الاحتلال، وجعل الخلاف الداخلي قضايا ثانوية نسارع باستعادة وحدتنا الوطنية التي لن تكون مستحيلة، خصوصاً في هذا المفصل التاريخي الذي نمر به اليوم.

بات ملحاً أن نلجم التشويشات الممنهجة بخطاب إعلامي واضح خروجاً عن منطق الفرمانات دون معرفة مبررات هذه وتلك، المجتمع الحي والحيوي لا يستقيم دون أن تخاطبه وتوضح له وتعتمد وتستند عليه، لم يعد مقبولاً أن نعدل قوانين لنقصي أياً كان، ولا يجوز أن نصدر قراراً يتناقض مع قرار المحكمة العليا فقط لأننا نصر على رأينا كصناع قرار.

المصدر جريدة الأيام
الاخبار العاجلة