في مثل هذا اليوم، وقبل تسع سنوات كاملة، مريرة وطويلة، تحضر ذكرى استشهاد شقيقي أبو لؤي وولده إبراهيم وابن أخي فرج على يد قوات حماس في غزة خلال انقلابها على التاريخ، وعلى الإرث، وعلى المسيرة، وعلى الشرعية، وعلى المجتمع، وعلى الحكومة التي كانوا هم مشاركين بها.تسع سنوات، وما تزال الحادثة تحفر عميقاً في وجداني، وفي عقلي، وفي قلبي، لم أُصدق أن هؤلاء بشراً، يُقدِمون على قتل ثلاثة شباب على أسرّة المستشفى وهم جرحى وأمام الجمع.مجزرة رهيبة في بلدة بيت حانون ، بلدتي التي رغبت أن أحيا بها وأموت بها وأُدفن في ترابها ، مجزرة لا أستطيع نسيانها أو فهمها أو تبريرها ، فمن الصعب بل من المستحيل فهمها ، لماذا وكيف يستطيع الفلسطيني أن يقتل الفلسطيني ، ونحن شعب لنا من الأعداء كُثر ، ونحتاج إلى من يحنو علينا .تسع سنوات وما زال دم شقيقي أبو لؤي يُغطي أُفق غزة ، ويصبغها بلون حارق وكاوي مثل طعم الأكاسيد ، تسع سنوات ولا أستطيع وصف الجريمة إلا أنها جريمة بلا هدف ولا معنى سوى شهوة السلطة والتحكم والسيطرة .تسع سنوات من الغياب القسري والفراق الأبدي الذي وضعت رصاص حركة حماس حداً له ، فكتابة التاريخ الأسود لا يُكتب إلا بالرصاص ، ويبدو أن رصاص حركة حماس استطاع أن يضع حدوداً كثيرة وخنادق كبيرة وواسعة بين أطراف متعددة .وبالرغم من ذلك سنُحيّي حماس إذا عرفت طريقها واتجاهها ، ولكننا وحتى اللحظة نعتقد أن حماس خطفت قطاعاً بشعبه ، واستغلت أهله ومعاناتهم من أجل مجدها ، إذا كان في التعذيب والاختطاف مجد ، ونعتقد أيضاً بأنها تذهب بعيداً في الاستفراد بالقرار والموقع والسياسة وحركة البندقية .وبعد تسع سنوات بعيداً عن تراب غزة أقول بأن كل ما فعلته حماس بلا جدوى ، لأن ذلك لم ولن يحقق لها ما تريد من شرعية أو استقرار أو حتى رضى .. وأسأل حقاً .. هل رضي القاتل بعد أن سفك دم شقيقي وابنه وابن شقيقي الآخر ؟ هل ذهب إلى بيته مستريحاً ونام قرير العين ؟ وهل شعر بأنه خدم الإسلام والفلسطينيين والعرب بمقتلتهم ؟ هل استمتع القاتل وهو يقتلهم داخل المستشفى وهم جرحى وأمام كل البشر ، ويُفجِع بمقتلهم أُسرة كاملة كبيرة وممتدة ولها جذور في هذا الوطن ؟ وهل حظي هذا القاتل بما يريد من شرعية ؟الآن وبعد تسع سنوات من الجريمة المروعة ، ما يزال الجرح ينزف ، وما تزال الذاكرة مُشرّعة الأبواب والنوافذ ، وما يزال القلب يذكر كل اللحظات وكل الرصاصات وكل دفقات الدم .ولكن ، ورغم كل ذلك ، رغم الألم الحارق ، ورغم الجرح ، إلا أننا نعتقد وبقوة أنه بالإمكان الرجوع عن كل ذلك والعودة إلى واحة الوحدة والعيش المشترك .فنحن مثل تلك الأم ، تلك الأم التي رفضت أن تقتسم طفلها لأنه ببساطة طفلها ، أما الأم المدعاة فلا يهمها إن مات الطفل ، نحن أم الطفل ، وحريصين على هذا الوطن ونرغب بالشراكة والعيش المشترك ، ولهذا ندعو حماس إلى الجلوس إلى اتفاق وليس مجرد الكلام أو المراوغة ، نحن نطلب من حماس وبعد تسع سنوات من العذاب والاختطاف والفقر والاستخدام والتوظيف من الأصدقاء كما الأعداء ، أن تُغير مــن اتجاهاتها ومــن تحالفاتها ومــن برامجها ومشاريعها غير الفلسطينية ، ومــن حقنــا كفلسطينيين أن نُطالبها بتغيير كل ذلك ، فقضيتنا فلسطينية وجرحنا فلسطيني ، ولا نريد لأحد مهما كان أن يستخدمنا أو يُوظفنا لمصالحه أو لأطماعه أو لمشاريعه .الآن ، وبعد تسع سنوات من جريمة مقتل اخوتي وعائلتي ما زلت أسمع ضحكاتهم ، وما زلت أرى وجوههم ضاحكين مستبشرين ، وما زلت أراهم وأسمعهم يسألونني : لماذا قتلنا الذي قتلنا ؟ ثم يضيفوا بابتسامة مليئة بالطيبة والدهشة : “هل رضي القاتل بقتلنا” ؟؟؟