الغراب الذي ضيع المشيتين

30 سبتمبر 2018آخر تحديث :
مقالات مروان طوباس جنين

كلمة الحياة الجديدة

لو فاجأتنا “حماس” بموقف التعقل الوطني والأخلاقي تجاه الخطاب التاريخي للرئيس أبو مازن في الأمم المتحدة لأسقطت في يدنا، كل ما نراه ويراه الواقع فيها، من عوج وتخبط وحمق سياسي وحزبي..!! والحقيقة لم نكن قلقين على رؤيتنا هذه، بحكم انها رؤية التجربة الواقعية، التي أثرتها حماس ذاتها بمزيد من سياساتها ومواقفها العدمية، لكنا مع ذلك، كنا نود ان تدحضها حماس بموقف التعقل الوطني والأخلاقي، لنفتح طاقة أمل جديدة للمصالحة الوطنية، وكنا سنعرض رؤيتنا للنقد بجرأة المسؤولية الوطنية، لكن حماس لم تفاجئنا بأي شيء، وهي تصر على المضي في سياستها العدمية بخطابها المأزوم، التي لا تزال تأخذها إلى دروب المساومات الخطيرة والتجارة الحرام بالقضية الوطنية ..!!

لقد شنت “حماس” أقبح حملة تحريض على الرئيس أبو مازن، قبيل صعوده على منبر الأمم المتحدة، ليلقي خطاب فلسطين، وهاجمت هذا الخطاب حتى قبل أن تعرف فحواه، وهاجمته بعد ان القاه وهو الذي بدأ “ببسملة وطنية” “القدس ليست للبيع وحقوق الشعب ليست للمساومة” وكانت “حماس” وما زالت في حملة التحريض هذه وكأنها تنطق بلسان صفقة ترامب التصفوية، وهي تعرض نفسها بديلا تلوح به هذه الصفقة الفاسدة في تهديداتها للرئيس أبو مازن، كي تمر على جسد القضية الفلسطينية..!!

أي عمى أصاب “حماس”، حتى هاجمت خطاب الحق والعدل والتطلع الوطني الفلسطيني، خطاب التحدي والثبات على المبادئ الوطنية، خطاب التصدي لمؤامرة شطب القدس وبيعها للرواية الصهيونية، وخطاب الدفاع عن حقوق شعبنا العادلة والمشروعة، ورفض المساس بها، وأنها لن تكون ابدا عرضة للمساومة..؟؟

أي عمى وأية ضغينة في قلوب هذه الجماعة التي باتت تتاجر بدم الأطفال الأبرياء في مسيرة العودة..!! أليس من اللافت للنظر أن مسيرة العودة عادت للمشهد الدموي العنيف، بفعل قناصة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يتصيد الأطفال بقصدية بالغة، بما يشي ان “حماس” سعت لهذا المشهد لعلها تحصن خطابها المأزوم، وتبرر انحرافها نحو مساومات الخطيئة، ألم يكن هذا المشهد قد تراجع تماما حين كانت حماس تفاوض على “التهدئة” ..!! أي عمى حقا قد أصابها لتفعل كل ذلك لمجرد أن تكرس حال الانقسام الخياني البغيض، وتبقى على حالها في كرسي الحكم الذي بات لا يشبه حتى حكم القرون الوسطى ..!!

أي عمى أخلاقي وسياسي أصابها، حتى فقدت الرشد كله، وباتت في “حيص بيص” والواقع أن حال “حماس” أكثر من ذلك، بعد فشل حملتها التحريضية القبيحة ضد الرئيس أبو مازن وخطابه في الأمم المتحدة، فهي برغم تحكمها بكهرباء قطاع غزة المكلوم، لم تستطع ان تمنع أبناءه من متابعة خطاب الرئيس، ولم ينجح خطابها المأزوم في منع الالتفات الشعبي الواسع لفلسطين وأينما كانت، من حول الرئيس أبو مازن دعما لخطابه وتصديقا له.

حال “حماس” اليوم بعد هذا الفشل، وعلى أقل تقدير، كحال ذاك التاجر الأعرابي الذي ما طال بلح الشام ولا عنب اليمن، بل وحال ذاك الغراب الذي ضيع المشيتين.!!

لا تقود الحماقة لغير هذه الحال، حاولت “حماس” أن تقيم الدنيا وتقعدها ضد خطاب الرئيس أبو مازن وضد شرعيته، والنتيجة زوبعة حمساوية في فنجان اميركي اسرائيلي، بدلالة ما حظي به الرئيس أبو مازن من شرعية دولية جديدة، بانتخابه انتخابا حرا رئيسا لمجموعة الـ77 والصين، وحين صعد الرئيس على منبر الأمم المتحدة إلى جانب كونه رئيس دولة فلسطين، كان رئيس هذه المجموعة الدولية الهامة، التي تشكل ثلث المجتمع الدولي، فتجلى خطابه في فضاء العالم، بروح فلسطين وكلماتها وإرادتها وتطلعاتها، مثلما تجلى بروح المسؤولية الدولية، وفاض على الدنيا بثوابته المبدئية، ورؤياه الواقعية الصائبة، وصلابة مواقفه، وسلامة ثقته وآماله، وقوة إيمانه بحتمية النصر “ظلام الاحتلال إلى زوال”، فاض بالعدل والوضوح والمصداقية لأجل تحقيق السلام العادل حتى صفقت الحرية لخطاب الحرية.

ولولت “حماس” وستواصل ولولتها اذا ما واصلت حال ذاك الغراب، ودعوانا لها أعانها الله على حالها هذه، فهي حال المصيبة ولا شك.

الاخبار العاجلة