شباب التلال وعصابات تدفيع الثمن الارهابية، ما العمل؟!..

15 أكتوبر 2018آخر تحديث :
حماس
حماس

د. رياض عبدالكريم عواد

العملية القذرة التي اقترفتها عصابات تدفيع الثمن في 12/10/2018، وادت إلى استشهاد الأم الفلسطينية، عائشة محمد طلال الرابي، من قرية بيديا، جنوب غرب نابلس، بعد إصابتها بحجر في رأسها، على يد ما يُسمى “شباب التلال” من اليهود المتطرفين، هو إشارة صغيرة إلى مستقبل الضفة الغربية، وما ستلاقيه على أيدي هذه العصابات الكثيرة، والمنتشرة في مختلف أنحاء الضفة من أجل ترويع الناس واجبارهم على الهجرة.

ان المعركة الحقيقية للفلسطينيين هي في الضفة الغربية بما فيها القدس، وأن هذه المعركة الطاحنة ضد المستوطنين المدعومين من سلطات الاحتلال وجيش الاحتلال قادمة لا محالة، وان كل الضجيج في غزة لن يغطي على صوت المعركة الحقيقية.

وفي الحقيقة أيضا، لم يكن ظهور عصابات “تدفيع الثمن” وليدة الصدفة، انها وليدة تاريخ طويل من ارهاب الحركة الصهيونية اليمينية المتطرفة المتمثلة في حركة (غوش امونيم)، التي تأسست في شباط 1974، بمبادرة من الحاخام موشي ليفنغر، الحركة التي تنادي بالتطهير العرقي للعرب واقامة (الهيكل المزعوم)، في موقع المسجد الاقصى.

بالاضافة الى حركة «كهانا»، العنصرية المحظورة، الذي تطمح «الى إحلال حكم التوراة في أرض إسرائيل بدلا من النظام الديموقراطي». وحركة بيتار (منظمة الشباب التصحيحيين)، وجماعة أمناء الهيكل، وحركة هتحيا (النهضة)، وحركة كاخ (عصبة الدفاع اليهودية). بالاضافة الى منظمة «لهفاه» الناشطة ضد «انصهار اليهود بين الأغيار» (وتحديداً زواج يهوديات من عرب، وتأجير شقق سكنية في بلدات يهودية لمواطنين عرب)، والذي أعلنت عن دعمها حرق الكنائس. وهناك مجموعة متطرفة اخرى تطلق على نفسها «التمرد» وتتشكل من عشرات الأعضاء، وهي لم تعد تكتفي بنشاط تدفيع الثمن، إنما يبدون استعداداً للتفاني والاستماتة من أجل أرض إسرائيل، من خلال استعدادهم للقيام بأعنف العمليات. وأعضاء هذا التنظيم ليسوا جميعاً من المستوطنات الدينية، إنما من أنحاء إسرائيل. يقولون “الله اعطانا اسرائيل، وهي ملك لليهود بكاملها. ليس الامر كما لو كنا نطالب باراض في مصر مثلا. هذه اسرائيل! ارض اليهود، ارضنا.”

كما رصدت مصادر في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) وجود “تنظيم التمرد”، وهو تنظيم يهودي إرهابي في مناطق الضفة الغربية، يتجمع أفراده في بؤرة استيطانية يطلق عليه اسم “بلاديم”. ويهاجم أفراد تنظيم “التمرد” الإرهابي، الذي انبثق من حركة “شبيبة التلال”، الفلسطينيين والأماكن الدينية غير اليهودية ونشطاء سلام إسرائيليين، وكذلك جنود وضباط في جيش الاحتلال الإسرائيلي.

كما ان الجيش الإسرائيل قد شهد تغيرا بنيويا أساسيا أدى، منذ بداية سنوات الألفين، لنشوء جيشين بشكل تدريجي، الجيش الرسمي، والى جانبه ينشأ في الضفة الغربية جيش شرطي يشبه «المليشيا الصهيونية»، كثيرون ممن يخدمون فيه وقادتهم هم من المستوطنين، خريجي المعاهد الدينية، حيث تعلموا أن مهمتهم الاساسية هي الدفاع عن مشروع الاستيطان.

قبل 23 عاماً، تعرّف الإسرائيليون إلى ما عُرف لاحقاً بـاسم «شباب التلال»، الذراع المسلح للصهيونية الدينية، كما يصفهم الكاتب “سيريل لويس”. وهم من غلاة الشباب المنفلتين، ومن أبناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة. تم التعرّف إليهم حين دعاهم وزير الخارجية في حينه، آرييل شارون، إلى السيطرة على كل تلة ممكنة في الأراضي الفلسطينية والبقاء فيها، وإقامة بؤر استيطانية، رداً احتجاجياً على توقيع رئيس الحكومة في حينه على اتفاق «واي بلانتيشن» في عام 2000.

يكشف الكاتبان الصهيونيان في “هآرتس” عاموس هرئيل وحاييم ليفينسون، أن النواة الصلبة لمجموعة تدفيع الثمن، التي انبثقت عن شبيبة التلال عام 2008، هي جزء من العقيدة الاستيطانية الإسرائيلية، وتضم في صفوفها عشرات النشطاء، الذين يتخذون من البؤر الاستيطانية مركزا لعملهم، لكنهم يكثرون من التجوال داخل الخط الأخضر.

وخلافا للماضي، فان المفهوم السائد اليوم، هو أن هؤلاء النشطاء لا يسعون الى ردع الحكومة وقوات الأمن عن اخلاء بيوت في البؤر الاستيطانية والمستوطنات فقط، بل هدفهم تقويض الاستقرار في اسرائيل، بهدف تحقيق انقلاب سلطوي يحقق نظاماً جديداً على أساس الشريعة اليهودية، وتحقيق حلمهم الأكبر وهو الوصول إلى دولة “يهودا”، التي يجب أن تكون خالية من الفلسطينيين. لذلك لا يستبعد استهداف هكذا جماعات لشخصيات إسرائيلية.

هذه المجموعات، ومعظمها من اليهود الغربيّين، وتحديداً من الولايات المتّحدة الأميركيّة، تؤمن بظهور المسيح المخلّص على أحد جبال السامرة، نابلس، وما تقوم به هو محاولة لتمهيد الظروف بظهوره من خلال قتل الأغيار، أيّ الفلسطينيّين.

قامت هذه المجموعات بعشرات العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين، من ضمنها عمليات قتل منظم وحرق مساجد وكنائس، بالإضافة الى حرق اراضي زراعية وبيوت، ونبش قبور وتكسير شواهدها. وفي معظم الأحيان يقترن ذلك بكتابة شعارات عنصرية ضد العرب والمسلمين إلى جانب عبارة “تدفيع الثمن”.

لقد تركزت اعتداءات تلك المجموعات على جنوب نابلس، التي يقع في مستوطناتها المستوطنون الأكثر تطرفاً في الضفة الغربية، في مستوطنات يتمار ويتسهار وألون موريه وبراخا، وتضم مدرستين دينيتين تدرّسان كتاب “شريعة الملك”، الذي يشرع قتل “الأغيار” والاعتداء على ممتلكاتهم.

أقدم أعضاء هذا التنظيم السري على حرق كنيسة الطابغة في طبرية، كما قاموا بحرق منزل عائلة دوابشة في قرية دوما، وقتل الطفل الرضيع علي حرقاً، وإصابة شقيقه وذويهما إصابات بالغة.

هذه الاعتداءات امتدت إلى داخل الخط الأخضر، ومن بينها إحراق مسجد طوبا في صفد، وتدنيس مقبرة الشيخ عز الدين القسام. كما ألحق متطرفون يهود، قبل ذلك، أضرارا بكنيسة “الطابغة” في طبريا، ووصلت رسالة تهديد إلى مطران طائفة اللاتين في الناصرة بولس ماركوتسو، تطالب المسيحيين بالخروج من البلاد.

إنّ كثيراً من الأدبيّات الإسرائيليّة، الّتي بحثت عن هذه الجماعات، تحدّثت عن جهّات أمنيّة واستخباراتيّة إسرائيليّة دفعت في اتّجاه ظهور هذه المجموعات لتشتيت الصراع، بحيث ينتقل إلى صراع بين مستوطن وفلسطينيّ يسكنان الأرض نفسها، بدلاً من فلسطينيّ وجنديّ مسلّح.

لقد تعاملت السلطات الإسرائيلية بقفازات من حرير مع غالبية العمليات التي استهدفت الفلسطينيين ومنازلهم. يقول الخبير بالشؤون الإسرائيلية أنطوان شلحت، أن “الجهازين القضائي والأمني في إسرائيل يغضّان الطرف عن ممارسات هذه الجماعات، ولا يتعاملان بجدية لكبحها وإلقاء القبض على المنفذين، وبذلك يوفران هامش حركة واسعا لهذه الجماعات”.

الرئيس الأسبق لجهاز الشاباك، كرمي غيلون، أكد أن بإمكان الشاباك في غضون فترة وجيزة وضع حدّ لجرائم “تدفيع الثمن”، مشددا على أن “مكافحة هذه العمليات لم تنجح حتى الآن بسبب عدم وجود نية حقيقية لمكافحتها”.

السؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن أن يواجه الفلسطينيون هذا الغول الهائج والمتوحش والمسلح والمدرب، الذي يحمل أقصى الافكار العنصرية المتطرفة، وجاهز لتنفيذها، ويجد من يحميه ويدافع عنه، ممثلا في دولة الاحتلال وجيشها، اضافة الى المستوطنين وجيشهم.

لن نمل من التكرار بأهمية استمرار بقاء شعبنا فوق أرضه ودعم صمود هذا الشعب من خلال تعزيز وتطوير السلطة الوطنية.

أن المقاومة الشعبية السلمية هي الوسيلة الممكنة والفاعلة لمواجهة هذا الغول. وهذا يتطلب تشكيل لجان الحماية الشعبية في المدن والقرى لحماية السكان وممتلكاتهم.

ان تفعيل النضال الدبلوماسي للسلطة الوطنية هي احد الأسس الهامة التي تساعد في الدفاع عن شعبنا. ويأتي في هذا الإطار أهمية تقديم شكوى ضد المستوطنين وضد دولة الاحتلال وحيشه إلى محكمة الجنايات الدولية، لمحاسبة إسرائيل على جرائمها المنظمة بحق شعبنا.

كما أنه من الهام التعاون مع القوى اليهودية والإسرائيلية المعادية أو المتضررة من هذا التطرف.

وهنا قد يطرح البعض ضرورة المواجهة المسلحة، او اي شكل من العمل العنفي. ان حجم الاستيطان في الضفة الغربية، وقوة جيش الاحتلال وجيش المستوطنين، ومقدرتهم اللوجستية السريعة على العمل، يشير إلى استحالة القيام بعمل عسكري منظم ومستدام في الضفة الغربية، يؤدي إلى إيقاع خسائر بين المستوطنين والجيش، ويعمل على ردع هذه العصابات عن جرائمها. أن هذا الطرح، رغم حسن نيته ووطنيته وتلبيته لمشاعر الناس وعواطفها، الا انه دعوة إلى تسريع وتيرة عدوان المستوطنين ضد شعبنا، وخلق حالة من الخوف والإرهاب والفوضى وعدم الاستقرار، ستدفع بشعبنا إلى الهجرة والرحيل عن أرضه.

إنّ الصدام مقبل لا محال مع المستوطنين وجيشهم، لأن ما يقومون به من عمليّات وارهاب تمسّ الشعب الفلسطينيّ بشكل مباشر، ومن الصعب السكوت عنها. لذلك من الهام أن نواجه هذا الخطر موحدين ويقظين وجاهزين وواقعيين.

الاخبار العاجلة