أهل القدس بحاجة إلى دعم حقيقي في مواجهة الهجمة الإسرائيلية المستمرة

20 أكتوبر 2018آخر تحديث :
أهل القدس بحاجة إلى دعم حقيقي في مواجهة الهجمة الإسرائيلية المستمرة

بقلم: فيصل أبو خضرا عن جريدة االقدس

بداية لا بدّ من أن نحيي أبناء شعبنا في القدس، الصامدين المرابطين، القابضين على الجمر، في مواجهة هذه الهجمة الإسرائيلية الشرسة، المستمرة، التي تستهدف وجودهم ومقدساتهم وتهويد المدينة المقدسة وفصلها التام عن باقي الأراضي المحتلة، في إطار مخطط الاحتلال الشامل الهادف إلى حرمان شعبنا من التحرر وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس.

وهنا لا بد أيضا من الإشارة إلى التضحيات الكبيرة التي قدمها ولا زال المقدسيون دفاعاً عن القدس ومقدساتها منذ الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع عام ١٩٦٧ وحتى اليوم، من شهداء وجرحى وأسرى ومعاناة ومضايقات رهيبة وحرمان من أبسط الحقوق وتمييز عنصري.

كما نحيي وزير شؤون القدس الأخ المهندس عدنان الحسيني، على الجهود الكبيرة التي بذلها ولا زال من أجل دعم صمود المقدسيين والتصدي لمخططات الاحتلال، بالتعاون مع كل المسؤولين والجهات التي يهمها مستقبل القدس، العاصمة الأبدية لفلسطين ومستقبل الوجود الفلسطيني فيها. ونحيي جهود محافظة القدس والمؤتمر الشعبي وكل الفصائل والهيئات والمؤسسات المقدسية على جهودها وصمودها التي نأمل ان تتكثف وتتسع لتحقيق ما نصبو إليه.

لقد سطر المقدسيون بصمودهم ونضالهم ومعهم أبناء شعبنا صفحات مشرقة في تاريخ نضالنا العادل منذ ما قبل عام ١٩٤٨مرورا بالاحتلال عام ١٩٦٧ وحتى اليوم، سواء في رفضهم للاحتلال وتصديهم لمخططاته الاستيطانية أو تلك الهادفة الى المساس بالمقدسات الاسلامية والمسيحية، فوقف المقدسيون صفاً واحداً مسلمين ومسيحيين دفاعاً عن الأقصى وكنيسة القيامة، كما تجلى ذلك في معركة البوابات الالتكرونية، ومعركة محاولة السلطات الإسرائيلية فرض الضرائب على الكنائس مما أدى لإغلاق كنيسة القيامة عدة أيام فوقف جميع المقدسيين ومعهم أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني ٤٨ والضفة الغربية وقطاع غزة والشتات رفضاً لهذه المخططات الاسرائيلية، وكذا التصدي للمستوطنين المتطرفين الذين يقتحمون الأقصى يومياً، ورفض والتصدي للاعتداءات على الأماكن المسيحية المقدسة، ورفض مخططات الاستيطان والاقتلاع من المدينة، ورفض تسريب العقارات المقدسية…الخ من المواقف المشرفة لأهلنا في القدس والتي دفعوا ثمنها شهداء وجرحى وأسرى وقيودا وإجراءات احتلالية لا حصر لها.

ولهذا نقول إن جميع أبناء شعبنا داخل فلسطين أو في الشتات يحيون ويقدرون أهلنا في القدس الذين صمدوا في بيوتهم وأراضيهم بالرغم من قسوة بطش الاحتلال ويتحملون أعباء الضرائب وهدم البيوت والإغلاقات المتكررة بحجة الأعياد اليهودية، وصبروا ولم يتركوا هذه المدينة المقدسة، وخصوصاً انهم تعلموا الدرس القاسي من الهجرة القسرية لأنباء شعبنا في العام 1948 ونزوح العام 1967.

ولا نريد هنا الحديث عن تسريب بعض البيوت الفلسطينية في البلدة القديمة للمستوطنين، أو للمنظمات اليهودية المتطرفة، لأن ذلك لا يمثل المقدسيين بغالبيتهم الساحقة ولأن الحقيقة ستظهر بشأن كل حالة من هذه الحالات. ولكننا نقول إن أهل القدس يريدون من السلطة الفلسطينية وكل الفصائل أن يكون اهتمامها بالقدس من مقدمة الأولويات وان يكون هذا الاهتمام اكثر بكثير مما هو عليه الآن خاصة بعد أن أعلنت أميركا بقيادة ترامب الموالي للصهيونية والاحتلال بأن القدس عاصمة للاحتلال، وبعد أن تسارعت مخططات الاحتلال لتهويد المدينة المقدسة فيما يعامل هذا الاحتلال المقدسيين، كمقيمين من الدرجة الثانية، وهم المنزرعين في أرضهم ومدينتهم منذ ما قبل قيام إسرائيل ، كما أصبح المسجد الأقصى مستهدفا علانية من قبل هذا الاحتلال، بغض النظر عن أية اتفاقات بأن تكون الأماكن المقدسة تحت رعاية الأردن الشقيق، وبغض النظر عن القوانين والقرارات الدولية الخاصة بالقدس خاصة والأراضي المحتلة عموماً، وهنا فإن هذا الاحتلال ومتطرفيه صعدوا من اعتداءاتهم واستهدافهم للمقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة. وها هم أبناء شعبنا يتصدون ببسالة لجبروت قوة الاحتلال في معركة الخان الأحمر في مواجهة محاولات اقتلاع أهلنا منها.

الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والأوروبية وأنصار الحرية والعدالة في العالم، ما عدا عدوتنا الأولى أميركا وحليفها الاحتلال الإسرائيلي لا يعترفون بقرار ترامب بشأن القدس.

وهنا يأتي دور السلطة الوطنية ومنظمة التحرير وكافة الفصائل بالتصدي لتهويد القدس. والمطلوب هو الدعم الكافي وبكل الطرق المتاحة، بما في ذلك التصدي لتسريب العقارات المقدسية، ودعم المدارس والمؤسسات الصحية والتجار الذين تلاحقهم إسرائيل بالضرائب الباهظة وتكبدوا خسائر جسيمة باتت تهدد الكثيرين بإغلاق محالهم.

ونشير هنا إلى أن الأزمة المالية للمدارس في القدس العربية فتحت ثغرة للاحتلال لمحاولة الضغط على هذه المدارس ومقايضة دعمها بإدخال المنهاج الإسرائيلي إلى درجة أن إحدى المدارس استقبلت نير بركات رئيس بلدية الاحتلال بالأناشيد العبرية، وهذا ما يسعى إليه الاحتلال. وهنا نشير إلى أن قلة قليلة من المدارس خضعت لهذه الضغوط وبقيت غالبية المدارس صامدة في وجه الاحتلال، ولكن ذلك يشكل ضوءا أحمر لكل المعنيين بسلامة مناهجنا ومستقبل طلابنا في القدس.

وعلينا، وبما لدينا من إمكانيات، أن نمنع هذا التحوّل الخطير بشتى الطرق، المالية والمادية، وخصوصاً الاهتمام بتعليم الأطفال وبناء مزيد من المدارس، رغم أننا نعلم بأن حكومة الاحتلال لا تسمح بأي رخصة جديدة للبناء أو أنها تضع عراقيل، وخاصة المبالغ الطائلة للحصول على الترخيص، وهنا يمكن الدعم في هذا المجال لتوفير صفوف ومدارس جديدة أو توسيع المدارس القائمة ولو بالبناء العمودي لاستيعاب أكبر قدر من الطلاب.

وما ينطبق على التعليم ينطبق على مؤسساتنا الصحية والاقتصادية في المدينة التي تعاني أزمة شديدة وبحاجة الى دعم حقيقي، ولذلك لا بد من زيادة الميزانيات الخاصة بالقدس حتى لو كان ذلك على حساب ميزانيات مجالات اقل أهمية نظرا لما تشكله القدس في معادلة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.

وطبعا هذا لا يكفي بل يجب على أبناء الشعب الفلسطيني، حيثما وجدوا، وحيثما تمكنوا، التواجد في القدس والصلاة الدائمة في المسجد الأقصى ، والمقدسات المسيحية المهددة أيضا ، كما ان على الفلسطينيين الذين يعيشون بالشتات والذين يحملون جوازات سفر تسمح لهم بالوصول إلى القدس بأن لا يترددوا بزيارة إخوانهم في المدينة المقدسة. ومن واجب السلطة ان تؤسس لصندوق القدس، وأن يتبرع لهذا الصندوق جميع الفلسطينيين والمقتدرين خاصة، وخصوصاً من رجال الأعمال وهم معروفين للجميع، في داخل الوطن وخارجه .

وهنا فإننا نقدر ما قدمه ويقدمه رجال الأعمال وأثرياء فلسطين سواء في الوطن او الخارج، إلا أننا نقول إن هذا لا يكفي. وهنا لا بد من أن نشير إلى أن أثرياء اليهود الموالين للصهيونية قدموا ولا زالوا مليارات الدولارات من اجل الاستيطان في القدس ودعم مشاريع تعليمية وصحية واقتصادية فيها من أجل تهويد المدينة بما لا يقارن مع ما قدمه أثرياء العرب والمسلمين لصالح القدس.

ولا بد من الإشارة في هذا الشأن الى قيام الأخ الرئيس محمود عباس على مدى السنوات الماضية بتكريم العديد من رجال الأعمال والأثرياء ممن كان لهم دور مميز، لدورهم ومساهماتهم. وقبل أيام كرم رجل الأعمال، الاقتصادي الأخ صبيح المصري، لدعمه للاقتصاد الوطني وتثبيت شعبنا على أرضه، حيث منحه النجمة الكبرى لوسام القدس، وهي لفتة هامة من قبل الرئيس وتأكيد على حرصه على المدينة المقدسة وتأكيد أيضا على الدور الذي يمكن لأثرياء فلسطين، القيام به ونأمل أن يسهم جميع الأثرياء ورجال الأعمال في مزيد من الدعم للقدس وصمود المقدسيين ومواجهة المخططات الإسرائيلية.

نحن الشعب الفلسطيني نناهز ١٣-١٤ مليون نسمة في الوطن والشتات ولو افترضنا أن ٢ مليون فقط من هذا العدد قادرين على دعم القدس وقدم كل واحد منهم ٥٠ دولارا شهريا لتوفر ١٠٠ مليون دولار لدعم القدس وهو إسهام لا بأس به إذا ما تحقق.

وأخيراً، نقول لقادتنا جميعا، ولزعماء الأمتين العربية والإسلامية بأن القدس في خطر، ولا تنتظر أي تأخير أو تسويف والمطلوب خطوات عاجلة لدعم القدس وأهلها.

إننا نقف مذهولين أمام التقصير القائم تجاه القدس وأهلها ، لذلك نقترح ان تشكل السلطة وفداً من أهل القدس، ولا مانع بأن يكون ضمن هذا الوفد شخصيات عربية وإسلامية، يزور جميع الدول العربية والإسلامية من الخليج وحتى موريتانيا لإطلاعها على ما يحصل بالقدس، وأن التنديد والشعارات القومية والإسلامية وحدها لا تكفي لإنقاذ المدينة ومقدساتها، بل نريد دعماً مادياً ومعنوياً وسياسياً، لوقف المزيد من التمدد الاستيطاني في البلدة القديمة وبقاء القدس عربية إسلامية وتكريسها عاصمة أبدية لدولة فلسطين..

المصدر جريدة القدس
الاخبار العاجلة