فتاة لعوب.. وامرأة مشاغبة

25 أكتوبر 2018آخر تحديث :
حماس
حماس

رام الله- صدى الإعلام

بقلم: سما حسن- عن جريدة الأيام

هل كان يتوجب علي أن أكتب: فتاة مشاغبة، وامرأة لعوب، كما اعتدنا، فالبنت لا زالت شقية مشاغبة وقليلة الخبرة في الحياة ولذلك فهي مشرقة ومقبلة، فيما المرأة حين ضلت الطريق فهي امرأة لعوب، ولكني لم أخطئ الوصف هذه المرة، فهي فتاة لعوب، وكنت أنا وقتها امرأة مشاغبة.

تحركت كل حواسي في الكافيه الكبير الذي تم افتتاحه مؤخراً في منطقة نائية من المدينة الصاخبة، والذي يحتل طابقا علويا بأكمله من بناية عالية، والسبب في تحرك حواسي رغم أنني قد قصدت ذلك المكان لكي أستريح من صخب الحياة، هو ما رأيته أمامي.

اتخذت طاولة أستطيع وأنا أجلس إليها أن أرى كل من يدلف من الباب الرئيس الضيّق للكافيه، وحيث أرى من ينزل من المصعد ويقطع الممر القصير باتجاه باب المدخل.

رأيتها تخرج معه من باب المصعد، ويتجهان وكأنهما لا يعرفان بعضهما البعض نحو باب الكافيه، ويتخذان مجلسيهما إلى طاولة في ركن منزوٍ، وبنظرة سريعة خمنت أن لا علاقة قرابة تربطهما، وهو في نحو الخمسين من عمره أما هي ففي بداية العشرينيات من عمرها، وهذا التقدير لا يقع عليه إلا الخبير، ولست أحسبني قد أخطأت.

لا علاقة بينهما لأن كل واحد قد خرج بمفرده من المصعد وهو يتلفت حوله في حذر، ولم يتبادلا كلاما ولو همسا، ودخل كل واحد بمفرده إلى الكافيه واجتمعا أمام الطاولة التي يبدو أنهما قد اتفقا مسبقا على الجلوس إليها بحيث تكون الإضاءة خافتة فوقها، وكذلك تقع في ركن منزوٍ بعيداً عن الأنظار.

تلفتت الفتاة بحذر أكثر حولها وكأنها تريد أن تتأكد أن لا أحد من الموجودين قد يتعرفها، وحين تأكدت من ذلك جلست بهدوء فيما مسح الرجل بنظرة ذئبية المكان، وأشار إلى النادل لكي يحضر سريعا.

انتظر النادل لدقائق حتى نطقت الفتاة بما تريد طلبه، وقد بدت نظرة دهشة في عيني الرجل، ولكنه سرعان ما استبدل نظرة الدهشة بنظرة لا مبالاة، وفيما بعد فسرت هذه النظرة بأنها نظرة تمثيلية ليوحي لها بأنه رجل متحضر “فري” ولا يمانع بأن تدخن الفتاة التي بصحبته النرجيلة فيما كان يحتسي فنجانا من القهوة.

الفتاة تبدو طالبة جامعية وربما تدعي ذلك حيث كانت تحمل كتابين، فيما كان الرجل يبدو ثريا بصورة ملحوظة أو يحاول أن يستعرض ثراءه، فهو يلقي الطعم والفتاة ستقع لا محالة، فمن هندامها يبدو عليها أنها رقيقة الحال وتعاني من فقر دم فبشرتها الشاحبة لم تفلح طبقة المساحيق السميكة في إخفائها، كما أن شحوب أظافرها الطويلة يبدو واضحا عن بعد، وحذاؤها مهترئ الكعب، أما هو فيرتدي ملابس فاخرة بغير تناسق، ويعبث بأزرار هاتفه الحديث ويطيل اظفر خنصره الأيمن على نحو مقزز.

تبادلا الأحاديث الهامسة وبدا أنه يستعرض ثراءه أمامها، وحاولت أن تبدي عدم لهفتها ولكنها لم تفلح، ففي كل مرة تفتح فمها دهشة خاصة حين بدأ يردد أرقاما عالية لمبالغ نقدية من عملات متعددة من خلال مكالمات متتالية وردت إلى هاتفه.

بدت الفتاة في نظري ومن خلال القصة التي تخيلتها بأنها قد وقعت أو أوقعت نفسها في حبائل هذا الرجل الثري وهي في سن أولاده، الحاجة هي السبب الأول لكي تصل لهذا المكان، لا شيء غير حاجتها للمال، فهو لم يحاول أن يمنحها نظرة حنان أو لمسة دافئة، بل على العكس كان متغطرسا وكأنه يثق بأنها ستكون صيدا سهلا.

بدأت أتحفز وأنتظر أن يغادرا قبلي، خاصة بعد أن أنهى فنجان قهوته، ويبدو أنه قد أنذرها لآخر مرة بألا تتردد بما أضمره لها، حيث رفع سبابته محذرا لها، وان كان يحاول تخييرها بين أمرين أحلاهما مر.

تناولت ورقة من حقيبتي وكتبت عليها عبارة قصيرة، وحين كان النادل يقترب من طاولتهما أسرعت بالنهوض فارتطمت بالنادل فوقعت منه المفكرة الصغيرة التي دس بها فاتورة الحساب وحين التقطتهما عن الأرض كنت أدس الورقة التي كتبتها وأقدم له المفكرة الجلدية المطوية مع الأسف الشديد وهو بدوره قدمها للرجل الثري وتوارى عن الأنظار.

بعد دقيقة كان وجه الرجل الثري يحمر ويصفر، وغادر المكان لا يلوي على شيء، فتبعته ونزلت معه في المصعد ورأيت أنفاسه تتصاعد وبمجرد أن توقف المصعد ركض واتجه نحو سيارة فاخرة تنتظره على الرصيف المقابل فركبها وتوارى عن نظري فوقفت لالتقط أنفاسي فيما نزلت البنت وهي تركض بحثا عنه لكي يسدد الفاتورة وخلفها النادل وأحد رفاقه.

كتبت في الورقة عبارة صغيرة: ابنتك مع رجل آخر، في مكان آخر…

الاخبار العاجلة