من وعد بلفور إلى وعد ترامب!

5 نوفمبر 2018آخر تحديث :
حماس
حماس

بقلم: دلال عريقات عن جريدة القدس

استضاف نتنياهو العام الماضي قادة العالم من رؤساء حكومات ووزراء خارجية للاحتفال بمناسبة مرور ١٠٠ عام على ما يُعرف بوعد بلفور بعد أن وقع وزير الخارجية البريطاني اللورد آرثر جيمس بلفور بتاريخ ١٩١٧/١١/٢ على رسالة وجهها لزعيم الصهيونية اليهودي البريطاني اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير بها لتأييد حكومة بريطانيا لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

من المهم اليوم التذكير بنص الرسالة حتى يعرف الجيل الجديد مدى ترابط هذا الوعد بما تنفذه إدارة ترامب من سياسات مستنبطة من هذا الوعد:

“عزيزي اللورد روتشيلد، يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته: إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر”.

اللورد البريطاني ينتمي لعائلة روتشيلد وهي عائلة يهودية الأصل ولها من الثراء والعظمة ما جعلها قادرة على إقراض الحكومات وبالتالي كان لها كلمة في رسم سياسات هذه الحكومات لما كان لها من فضل عليها وبالطبع كانت الحكومة البريطانية آنذاك مُدانة لهذه العائلة وجاء بالتالي رد الدين على حساب الشعب الفلسطيني. اليوم، نحن كفلسطينيين يجب ألا نستغرب من مواقف هذه الدول فلكل حكومة مصالح. مواقف الغرب واضحة تجاه اليهود، وعليه يتوجب علينا استيعاب عدة نقاط:

أولاً: هناك إحساس بالذنب لما نتج عن الهولوكوست مما يجعل حكومات هذه الدول مستمرة حتى اليوم في التكفير عن ذنب تاريخي لا علاقة لنا به. نجد صانعي القرار في أوروبا يكررون الاعتذار ويرسمون ما أمكن من سياسات خارجية لخدمة إسرائيل التي ينظرون لها من منطلق أنها الوطن القومي الذي احتضن اليَهُود بعد كل المعاناة التي تسبب بها صانعو القرار في ذلك الوقت من الديكتاتوريين إضافة للعلاقات والمصالح التي تربط هذه الدول مع إسرائيل.

ثانياً: يتوجب علينا اليوم بدلاً من توجيه اللوم والعتاب لدول العالم التي تحتفي بإسرائيل، أن نركز فعلاً على ما يمكننا تحقيقه داخلياً، أن نثبت للعالم أن الوحدة الوطنية همنا والمصالحة ممكنة وأن نبدأ بتطبيق الخطوات العملية التي تعكس الوحدة الحقيقية، نريد المزيد من العمل على مستوى الوطن، نريد انتخابات على كل المستويات لتداول السلطة.

ثالثاً: طالبنا الحكومة البريطانية باعتذار ولم يستجاب لطلبنا، علينا أن نكرر الطلب مراراً وعلينا على كل الأصعدة الفردية والدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والأكاديمية، مطالبة بريطانيا بالاعتذار والاعتراف بالدولة الفلسطينية. كما علينا فعلاً عدم التعامل مع أمريكا رسمياً ومطالبتها بالرجوع عن وعدها لليهود بخصوص القدس واعترافها المباشر بحق الشعب الفلسطيني في القدس وألا نقبل فقط بالاعتراف بحق العبادة في القدس.

رابعاً: علينا ألا نغفل أن الوعد تضمن وعداً آخر بأن لا يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، وهذا كلام خطير جداً ويعكس ما نواجهه الْيَوْم من عنصرية تجاه الشعب الفلسطيني حيث تنظر دولة الاحتلال الْيَوْم لنا فعلاً كأقليات غير يهودية وتوجت سياساتها وممارساتها العنصرية من خلال قانون القومية الأخير، فالسياسات العنصرية واضحة ضد كل من هو ليس يهودياً! إضافة لما قامت به الإدارة الأمريكية من دمج للقنصلية بالسفارة مع تأكيد الإدارة الأمريكية على استحداث وحدة لتُعنى بشؤون الفلسطينيين، هذا أكبر دليل على أن الولايات المتحدة وإسرائيل تنظر للشعب الفلسطيني كطوائف وكأقليات وليس كشعب يتمتع بحق تقرير المصير وتتغنى بتوفير خدمات مدنية ودينية لتُخفي حقيقتها العنصرية .

وعود وسياسات ترامب المتعلقة بالقدس واللاجئين وإلغاء الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني الْيَوْم هي أساساً امتداد لوعد بلفور العنصري الذي أسس للدولة الإسرائيلية لليهود والذي منذ مئة عام اعتبر كل من هو ليس يهودياً كأقلية لا تتمتع بالحقوق الكاملة كالمواطن اليهودي.

المصدر جريدة القدس
الاخبار العاجلة