في دورة التصعيد والتهدئة.. الحرب التي لا يريدها أحد

15 نوفمبر 2018آخر تحديث :
حماس
حماس

بقلم: الدكتورة أماني القِرِم عن جريدة القدس

كرة اللهب التي قذفتها اسرائيل في قلب غزة توقفت فجأة على غير المتوقع.. التصعيد بدأ بسبب عملية استخباراتية فاشلة، دخلت بموجبها قوة نخبة عسكرية اسرائيلية بزي متنكر الى عمق ثلاثة كيلومترات في قطاع غزة وتحديدا شرق خانيونيس، والتي ربما ليست الأولى ولا الأخيرة، ولكن شاء القدر أن تكشفها هذه المرة المقاومة الفلسطينية، فخلّفت وراءها سبعة شهداء منهم قائد ميداني كبير لحماس، ونسفت معها التفاهمات التي أبرمت بين حماس واسرائيل برعاية مصرية وتمويل قطري.

لماذا بدأت الكرة في التدحرج؟

كان للعملية الفاشلة وخسائرها البشرية نتيجة حتمية على صعيد فصائل المقاومة الفلسطينية، تقتضي ضرورة الرد وعدم إمكانية الصمت، خاصة مع المطالبات الشعبية للثأر لدماء الشهداء ولحفظ ماء الوجه في ظل الغضب المتصاعد من الشكل الظاهري للتسوية التي تم إبرامها، والتي بدت وكأنها مبادلة لمئات من أرواح الشهداء ومعاناة الشباب الجرحى والمعاقين جراء إصابات مسيرات العودة بحفنة من الدولارات وزيادة ساعات من الكهرباء. فكان لا بد من الرد برشقات صاروخية، وإن بقيت محسوبة ومدروسة وفي إطار من التحكم بمداها وتداعياتها.

أما على الجانب الاسرائيلي، فقد أدى هذا الفشل الأمني وما صاحبه من مقتل ضابط اسرائيلي كبير يعد من النخبة إلى حالة من الارتباك السياسي والعسكري دفعت ببنيامين نتنياهو لقطع زيارته الى فرنسا بعد ساعة واحدة فقط من كشف العملية، الأمر الذي يدل على حجم الهزة التي أحدثها فشل العملية للهيبة السياسية والأمنية في اسرائيل والتي من المرجح أن تستمر تداعياتها في الداخل الاسرائيلي الى وقت قادم.

وعليه أراد نتنياهو وحكومته المتطرفة إثبات قوة الردع والحفاظ على ما تبقى من الهيبة الاسرائيلية أمام غزة، ولكن ضمن ميزان يتأرجح بين الحفاظ على التوازنات السياسية وضغوطات مستوطني الغلاف .

وبعد ليلة ليلاء لم ينم فيها الناس في غزة من هدر الصواريخ، توقفت دورة التصعيد هذه على غير المتوقع بوساطة مصرية في الأساس وتدخلات نرويجية وأخرى دولية، فيما فاتورة الحساب على الأرض وخسارة الأرواح والممتلكات يتحملها أهل غزة.

لماذا توقفت؟

من الواضح أن الجانب الاسرائيلي بتركيبته الحالية مطمئن للحالة الفلسطينية بشكلها الحالي، حيث توفر له مساحة واسعة من الجمود السياسي وحالة اللاحرب واللاسلام وهي الأقل تكلفه بالنسبة له، بل وتمنح نتنياهو الذي أصبح عنده فائض قوة بعد سلسلة “الفتوحات” التي قادها عربياً وعالمياً، قدرة أكبر على توطيد أركان حكمه. وبناء على ذلك فإن الانجرار لحرب ستكون تكلفتها السياسية كبيرة جداً خاصة أن التجارب التاريخية للحروب مع غزة أثبتت أنه لا منتصر، الا ما تفرزه من جعجعات وتأليب الرأي العام العالمي ضد اسرائيل.

ولهذا وجدت النخبة السياسية الاسرائيلية أن حصر غزة في اطار مشاكلها الانسانية والموافقة على حلول تقتصر على هذه الأمور هو أفضل ما يمكن لضمان تحييد الجبهة الجنوبية والتخلص من صداع لا طائل منه والتفرغ لما هو أهم من وجهة نظرهم .

وفي الحقيقة أن المشكلة ستظل قائمة ودورة التصعيد والتهدئة ستبقى ضمن سلسلة لانهائية طالما أن الحلول التي تطرح لمعالجة الوضع في غزة شديدة الهشاشة كونها تدور في فلك الحلول الإنسانية الطارئة.

صحيح أن الأزمة الإنسانية تكاد تعصف بالبلد، لكن كينونة غزة جزء لا يتجزأ من المشكلة الفلسطينية، ولا يمكن بالمطلق معالجة القضية الفلسطينية بحلول ذات طابع إنساني فحسب . وكما القضية سياسية بامتياز فالحل حتى يكون فاعلاً يستلزم أن يكون سياسياً يمكن من خلاله معالجة القضايا الإنسانية.

وهذا الحل هو واحد لا يستقيم الأمر بدونه ..انهاء الانقسام والتخلي عن الأجندات في سبيل أجندة واحدة هي الشعب والقضية.

المصدر جريدة القدس
الاخبار العاجلة