«دول خليجية تهرول نحو إسرائيل»

24 نوفمبر 2018آخر تحديث :
«دول خليجية تهرول نحو إسرائيل»

 بقلم علي الصالح عن القدس العربي

سؤال فرض نفسه وأنا أقرأ قول الحاخام اليهودي مارك شناير، حول «تنافس وهرولة زعماء وقادة خليجيين نحو التطبيع مع دولة الاحتلال إسرائيل». والسؤال هو لماذا يحب الزعماء والقادة العرب عموما، وقادة بعض الدول الخليجية خصوصا، من يوجه إليهم الإهانة ويقلل من شأنهم، خاصة إذا كان مصدر الإهانة من الأصدقاء الأمريكيين والحليف الجديد إسرائيل، وهم يقبلون منهم ما لا يقبلونه من أي كان، وأرفض مقولة إن الخوف من الاطماع الإيرانية سبب ذلك.

فالخطر الإيراني، إن وجد أصلا، قائم ليس منذ وصول نظام الآيات إلى طهران في أواخر سبعينيات القرن الماضي، بل خلال عهد الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي، الذي كان العصى الطويلة التي كانت تستخدمها إسرائيل لتطويع أي من هذه الأنظمة التي تعارضها. ونذكّر بأن الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى لم تحتلها إيران في زمن الآيات، بل في عهد الشاه، وظلت المطالبة باستعادة هذه الجزر حبرا على ورق رغم مرور نحو47 عاما على احتلالها.

ويذكر أن هذه الجزر احتلت في 30 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1971، أي قبل أيام من استقلال هذه الامارات عن بريطانيا. ولم تكلف بريطانيا الدولة القائمة بالاحتلال خاطرها باستعادة هذه الجزر، وربما قدمتها هدية للشاه في حينها على حساب قادة عرب «لا تهتز لهم قصبة»، قادة وزعماء يقبلون لأنفسهم بان يكونوا «الحيط الواطي» الذي يقفز من فوقه كل من اراد طالما الارض مباحة.

إيران لن تخوض حربا مع أي من الدول الخليجية، كما لن تفعل إسرائيل ذلك من أجلها. ولا تشكل إيران تهديدا عليها، فهي ترتبط معها بمصالح اقتصادية كبيرة لاسيما الإمارات، وإيران ليست معنية بتوريط نفسها في أزمات جديدة، فلديها ما يكفيها في سوريا والعراق واليمن وغيرها، وإلا فما الذي يعيقها إن كان هذا هو هدفها، فهي إن ارادت تستطيع أن تقلقل الامارات وتشعل الأرض تحت رجلي ملك البحرين وتحرك الشيعة في المنطقة الشرقية النفطية في السعودية.

وتهول هذه الأنظمة الخطر الإيراني المصطنع، لا عن قناعة لأنها تعرف في قرارة نفسها أنه غير قائم وغير موجود أصلا، على الأقل في المستقبل القريب، ولكنه قد يصبح قائما إذا ما واصلت هذه الانظمة عداءها لهذا البلد الجار القائم منذ آلاف السنين. والغرض من تهويل الخطر الإيراني والنووي على وجه الخصوص، لتبرير تحالفاتها مع دولة الاحتلال إسرائيل، الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط. تلك العلاقات التي بدأت في الآونة الاخيرة، الخروج من السر إلى العلن، كما حصل في زيارة نتنياهو إلى عمان وريغيف للامارات وآخرين للبحرين بدعوات رسمية.

لقد أصبحت هذه الأنظمة تعتمد اعتمادا كبيراعلى دولة الاحتلال في كثير من الخدمات والتكنولوجيا الأمنية والتجسس حتى على شعوبها، لذلك فإسرائيل لن تكتفي في المقابل بزيارة رسمية بين الحين والاخر، ولن يقنعها المال الوفير الذي تتقاضاه شركاتها الأمنية والتكنولوجية، ولن تقبل بأقل من التطبيع الكامل، الذي يفتح أمامها أبوابا موصدة، وآفاقا اقتصادية وامنية وسياسية واسعة، والأهم من كل هذا إفراغ المبادرة العربية/ السعودية من مضمونها وطي صفحة القضية الفلسطينية في هذه الدول.

طبعا يبقى هذا طموح دولة الاحتلال وأنظمة هذه الدول الخليجية، ولكن ليس كل ما تتمنى إسرائيل وهذه الدول، تدركه وستجري الرياح بما لا تشتهيها سفنها، بفضل نضال الشعب الفلسطيني وصموده وقضيته العادلة، التي تحقق الانتصارات وتحظى بالتعاطف والدعم على الصعيدين الشعبي والعالمي الذي تتسع رقعته، رغم كل الدعم والخدمات التي تقدمها لها الولايات المتحدة، وآخرها ما صرح به ترامب في ما يخص ذبح الصحافي السعودي جمال خاشقجي وتقطيعه أو تجزئته، كما يقول السعوديون، في القنصلية الامريكية في إسطنبول، بأن الولايات المتحدة ستظل الشريك القوي للسعودية، ليس لضمان المصالح الأمريكية، بل للحفاظ على دولة الاحتلال.

وأعود إلى ما قاله الحاخام شناير من إنه خلال زيارته الأخيرة إلى الخليج العربي، شهد ما وصفه بـ «الثورة التي يمر بها تطور العلاقات الإسرائيلية مع دول في الخليج»، معتبرًا أن هذه الدول تتنافس في ما بينها على إقامة علاقات دبلوماسية علنية مع إسرائيل. وأضاف في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية على أن دولًا في الخليج «تهرول» نحو إسرائيل، وتتنافس حول من ستكون أول دولة تعلن عن إقامة علاقات دبلوماسية معها. وربما يقول شناير الحقيقة فهو المعروف بعراب العلاقات الخليجية الاسرائيلية. ويتوقع أن تكون البحرين أولى هذه الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وسيتبعها الجميع، حسب قوله. وتابع شناير الذي تنفتح امامه أبواب قصور ملوك وأمراء الخليج منذ نحو15 عاما، «إذا قيل في الماضي إن دول الخليج لن تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل إلا بعد توقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين، اليوم أسمع من القادة أن استئناف المفاوضات سيكون كافيا لإقامة علاقات علنية»، وقال إنه يعتقد «أننا سنرى علاقات دبلوماسية مع جميع دول الخليج خلال 2019».

بيد انه في الوقت الذي يحاول فيه العرب المتصهينون والمتأسرلون والمتأمركون، كل لأسبابه، اللاهثون وراء التطبيع مع إسرائيل، كما يقول شناير، النأي بانفسهم عن القضية الفلسطينية، وهذا بالتأكيد لصالح القضية، لانهم بافعالهم هذه إنما يعرون انفسهم امام شعوبهم، تحقق القضية الفلسطينية العادلة نجاحات على الصعيد العالمي وتستقطب المؤيدين من جميع أنحاء العالم. مثل هؤلاء المؤيدين لا مصالح أو منافع شخصية لهم، انما دوافعهم الوقوف إلى جانب العدل ورفض الظلم والظالمين ومن يقف معهم».

وفي هذا السياق أتذكر مسنا استراليا اسمه جون ساليسبوري، قرر السير مسافة 727 كيلومترا، من مدينة ملبورن إلى آديلايد، وتحديدا أمام مركز المؤتمرات في المدينة، الذي سيحتضن مؤتمر حزب العمال المعارض، والهدف من هذه الرحلة التي ستستغرق نحو شهر وتنتهي في منتصف ديسمبر/كانون الأول، دفع بلاده للاعتراف بدولة فلسطين، بعدما أعلنت حكومته نقل سفارتها إلى القدس، واعتبره أمرا خاطئا. وجاء قرار ساليسبوري بعد مشاركته في فعالية أقيمت في ملبورن تحت عنوان «تكلم من أجل حقوق الإنسان للفلسطينيين». ويقول إن «نقل السفارة إلى القدس هو مطلب إسرائيلي، وهذه الخطوة لن تساهم في حل القضية الفلسطينية، وعلينا أن نبعث برسالة إلى إسرائيل مفادها أنها لن تستطيع تحقيق كل ما تريده». ودعا لدعم مسيرة الشعب الفلسطيني ومطالبه في الحرية والاستقلال.

وفي السياق ذاته وجهت حركة مقاطعة إسرائيل المعروفة عالميا بـ«BDS» ضربتين قاسيتين لدولة الاحتلال والاستيطان في يوم، اولها أن منصة «ايربي أن بي» العالمية ومقرها ولاية كاليفورنيا، لتأجير الغرف السياحية، أعلنت عن وقف نشر معلومات عن شقق تأجير في المستوطنات. وجاءت الضربة الثانية، حسبما ذكرت صحيفة «جيروساليم بوست» الاسرائيلية من إحدى الكنائس في بريطانيا، تطلق على نفسها «كويكرز» تعود جذورها إلى منتصف القرن السادس عشر، ولها انصار في جميع انحاء العالم، التي أعلنت سحب الاستثمار من شركات تحقق ارباحا من نشاطات اقتصادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. وقالت إن هذا يعادل الربح من تجارة العبيد في القرن التاسع عشر.

واختتم بالقول إننا، وكما قلنا مرارا وتكرارا، أن هرولة بعض الدول الخليجية نحو التطبيع مع دولة الاحتلال، لن يثبط عزائمنا، فحقيقة الإقبال على تبني سياسة «BDS» واتساع رقعة تأثيرها، إلى حد أن تتخذ منصة «ايربي أن بي» قرارا بمقاطعة المستوطنات في زمن إدارة ترامب الصهيونية، دليل قاطع على أن قوة القضية الفلسطينية وعدالتها تثبتان أنها لا تزال تحظى بالتأييد الشعبي الكبير على الصعيدين العالمي والعربي، الذي لا يزال يرفض تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال. وهناك ايضا دول تساند هذا الشعب في حربه المستعرة مع دولة الاحتلال والحركة الصهيونية من ورائها. ويؤكد ذلك موقف دول مثل إندونيسيا التي رفضت اتفاقا تجاريا مع أستراليا قيمته مليار دولار، بسبب إعلان رغبتها بنقل سفارتها إلى القدس المحتلة. أما انظمتنا لاسيما الخليجية، فهي التي تدفع مئات مليارات الدولارات.

المصدر القدس العربي
الاخبار العاجلة