هل تكتمل المصالحة عبر الورقة المصرية؟

1 ديسمبر 2018آخر تحديث :
حماس
حماس

بقلم: فيصل أبو خضرا- عضو المجلس الوطني الفلسطيني عن جريدة القدس

بداية، لا بدّ من التعبير عن تقديرنا الكبير وشكرنا لجمهورية مصر العربية الشقيقة لما لها من صبر أيوب لانهاء هذا الانفصال الفلسطيني البغيض ،البعيد كل البعد عن اخلاقنا وممارساتنا السياسية ولدورها الرائد في دعم قضيتنا العادلة وحقوق شعبنا.

صحيح القول أننا شعب يعشق الحرية والاستقلال ويؤمن بالديمقراطية وحقوق الانسان، ولذلك لدينا عدة أحزاب أو فصائل تختلف فيما بينها، ولكن ضمن حدود الاجماع الوطني وليس تفرقة تخذم الأعداء ، فالهدف واحد والمصير واحد والتطلع واحد، والحرية يجب أن تكون مكفولة لجميع أبناء الوطن.

ان العالم الحر جميعه يركز على صندوق الانتخاب كل اربع سنوات، ونحن كشعب فلسطيني لدينا أعلى نسبة في التعليم ونؤمن بالحرية والتعددية والقوانين والمعاهدات الدولية واعلانات الحقوق، ولهذا لا نقبل ابدا بأحكام دكتاتورية او بتشويه النظام السياسي الفلسطيني بأية مظاهر ديكتاتورية وبهذا الانقسام، مثلما هو حاصل الان لذلك لا بد ان يكون صندوق الاقتراع هو الذي يعبر عن ارادة الشعب وسيادته وتطلعاته، وهو حق طبيعي أصيل لكل شعوب الأرض.

ولا بد هنا الا ان نسلط الضوء على قطاع غزة حيث الكثافة السكانية والحصار المفروض بدون أي وجه حق من المحتل الاسرائيلي الذي لا يهمه الا تكريس الفرقة والانفصال (أي فرق تسد)، وما ينجم عن ذلك من معاناة رهيبة ازدادت بفعل الانقسام المأساوي.

اذا نظرنا من حولنا نجد أن جميع الدول العربية في دوامة من الاقتتال الديني والمذهبي، والتدخلات الأجنبية ، قد جعل هذه الدول في فقر مدقع فالعراق التي تعتبر من بين أغنى دول العالم حيث الامكانات الطبيعية، نجد اليوم أن اكثر مدنها تعيش حياة بدائية لا كهرباء ولا ماء وحتى البصرة الغنية بتصدير الذهب الأسود لا توجد فيها مياه نقية لأهلها، كما أن جميع مرافق الدولة ومدنها وقراها تطلب مساعدات مالية وغير مالية من جميع دول العالم. وسوريا التي كانت مثالا للدول النامية التي كانت غنية بأهلها وتاريخها وحضارتها وخصوصا أنها تنبذ العنصرية المذهبية التي دمرت هذا البلد العربي الذي طالما دعم قضيتنا المقدسة، تعاني أيضاً من الدمار والتدخلات الأجنبية.

وليبيا التي كانت معروفة باقتصادها القوي، قد مزقتها الحرب الأهلية التي دامت ست سنوات لا زالت تقاسي من ظلم زعمائها وقادتها المتنازعين، ومن التجاذبات الاقليمية والدولية.

واليمن الذي كان ينعم باستقرار لا مثيل له، فقد مزقته الحروب التي أشعلتها الجارة ايران،.

شعبنا الفلسطيني يحمد الله سبحانه وتعالى الذي انعم علينا بالحرية الدينية والمذهبية بدون حدود، وبأننا نؤمن بشكل راسخ بأن الدين لله وحده، والوطن للجميع، ولم نسمع أبداً أن مسلماً اعتدى على كنيسة واحدة، ولا نجد مسيحياً اعتدى على مسجد، بل بالعكس رأينا بأم العين كيف ان المسيحي كان داعماً اساسياً ومشاركاً عندما قرر الاحتلال وضع كاميرات المراقبة امام بوابات مسجدنا الاقصى المبارك وكيف وقف المسلم مع أخيه المسيحي دفاعا عن كنيسة القيامة وباقي الكنائس عندما حاولت سلطات الاحتلال فرض الضرائب على الكنائس أو عندما حاولت الاستيلاء على اراضي الكنائس.

فكان المسلم والمسيحي يقفان جنباً الى جنب في رفض ما تفعله اسرائيل وعصاباتها باجرام مفضوح بتدنيس يومي للمسجد الأقصى والمقدسات الاسلامية والمسيحية الأخرى عموما ، وتجلى ذلك في ان الفصائل كافة وفي مقدمتها فتح وحماس شاركت في مقاومة مخططات الاحتلال.

ويشهد تاريخ شعبنا ونضاله الطويل أن أبناء هذا الشعب مسلمين ومسيحيين ناضلوا معاً وضحوا معاً من أجل حرية واستقلال فلسطين ونيل شعبها حقوقه المشروعة، كما وقف الجميع ضد السياسات الظالمة التي انتهجتها اميركا بشأن القضية الفلسطينية.

الشعب الفلسطيني لا يرى أي سبب جوهري لتكريس هذا الانفصال البغيض، خاصة وان ما يجمع ويوحد أقوى بكثير مما يفرق، والجميع يتفق حول حقنا في اقامة الدولة الفلسطينية على كامل اراضي العام ٦٧ وعاصمتها القدس، وعلى حقوق شعبنا المشروعة الأخرى كما ان قبول شعبنا وفصائله بالسلام لا يعني الاعتراف بوعد بلفور المشؤوم وبالبلطجة الاميركية – البريطانية ولا يعني القبول بتزييف حقائق التاريخ حيث اقتلع شعبنا من وطنه فلسطين التاريخية في اطار حلقات استعمارية متتالية.

ولا بد أن نذكر هنا مراحل تاريخية استعمارية مرت على فلسطين بدءا من الحثيين والهكسوس والبابليين وصولاً الى حروبنا مع الصليبيين ، ومن ثم الحكم العثماني الى الاستعمار البريطاني تحت مسمى الانتداب، وبعد ذلك الاحتلال الاسرائيلي من صنيعة الغرب وعلى رأسه الاستعمار البريطاني الذي سلم راية الاستعمار الى عدوتنا الأولى اميركا، التي تدعم هذا الاحتلال الاسرائيلي بالمال والسلاح والحماية في المحافل الدولية.

هذه المرحلة تتطلب من الشعب الفلسطيني ان يكون متحدا وصابرا حتى ينال حريته واستقلاله كما تنص عليه القرارات الدولية. كما تتطلب هذه المرحلة ان ننحني أمام العاصفة التي تقودها اميركا وأمام ضعف عربي لا حدود له، وهنا لا بد وأن اذكر آخر مقابلة سياسية كانت بين المغفور له بإذن الله، الملك الراحل عبد العزيز آل سعود والرئيس الاميركي الراحل فرانكلين روزفلت على الطراد كوينسي في ١٤ شباط من العام ١٩٤٥، حيث طلب روزفلت من الملك عبد العزيز اسكان يهود الغرب في فلسطين، وكان رد الملك عبد العزيز قاطعاً وبدون تردد اذ قال للرئيس روزفلت ” ان على الذي عذب يهود أوروبا الاشكناز أن يدفع الثمن ويسكنهم بأحسن اماكنهم وبيوتهم جزاء ما فعله النازي، ولا يمكن أن يكون الحل على حساب اصحاب الأرض الأصليين”. وقد وعد الرئيس روزفلت الملك عبد العزيز رحمه الله بأن لا يتخذ أي قرار يضر بمصلحة الشعب الفلسطيني، وخصوصاً ان الشعب الفلسطيني استنكر ويستنكر ما فعله النازي بهم، ومع ذلك قبلنا بهم كشعب مسالم لنعيش كدولة ديمقراطية، عليهم ما علينا من واجبات ولهم ما لنا من حقوق، ولكن مع الأسف فإن الجشع والغطرسة الصهيونية الاشكنازية فعلت عكس ذلك.

فقد قامت العصابات الصهيونية من أمثال شترن والهاجناه والليحي وبدعم أوروبي وأميركي غير محدود بارتكاب ١٢٠ مجزرة بشعة داخل فلسطين عدا عن المجازر التي ارتكبتها اسرائيل بعد ذلك مثل مجزرتي صبرا وشاتيلا وقانا.

ولذلك نعتبر ان الانسحاب الاسرائيلي الى حدود ١٩٦٧ يشكل الحد الأدنى من حقوق شعبنا، وضمن هذا السياق ايضا نفهم اتفاق اوسلو، خاصة وأن فلسطين التاريخية هي وطن شعبنا العربي الفلسطيني، وهي وقف اسلامي ايضا.

لذلك نأمل من “حماس” بأن تسعى بكل الجدية والأمانة، في إطار الجهود المصرية المشكورة، باعادة اللحمة الوطنية الفلسطينية لشعبنا وقياداته، فهذا الشعب يعاني من ابشع احتلال في التاريخ بعد ان صادرت اسرائيل اراضي وممتلكات لاجئيه الذين هجروا قسرا بقانون ” املاك الغائبين” ونحن لسنا غائبين، وما زلنا في بلادنا أو في مخيمات اللجوء ننتظر العودة لوطننا فلسطين مهما طال الزمن .

ومقول الصهاينة بأن الآباء والأجداد يموتون وأولادهم ينسون ما هي الا أكذوبة سخيفة من مقولات المحتل، ولذلك نرجو ونأمل من جميع الفصائل إنهاء هذا الانفصال لأنه بدون غزة هاشم والضفة والأغوار، كوحدة واحدة لن تقوم لان قائمة في انتزاع حقوقنا ونيل حريتنا واستقلالنا في وطننا فلسطين. والله مع الجماعة “وتمسكو بحبل الله ولا تفرقوا” .

المصدر جريدة القدس
الاخبار العاجلة