مدار : نتنياهو متمسك بقيادة الحكومة رغم توصيات الشرطة بتقديم لائحة اتهام ضده

18 ديسمبر 2018آخر تحديث :
مدار : نتنياهو متمسك بقيادة الحكومة رغم توصيات الشرطة بتقديم لائحة اتهام ضده

رام الله – صدى الاعلام 

يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاستقالة من منصبه أو تقديم موعد الانتخابات العامة، ويتبنى مقابل ذلك خطا إعلاميا وسياسيا يشير فيه إلى أن التحقيقات جاءت بالذات لإسقاط حكم اليمين، و”الليكود”، وهو شخصيا. وجاءت هذه المواقف في أعقاب تقديم الشرطة الإسرائيلية توصياتها، بداية هذا الشهر في القضية المعروفة باسم “الملف 4000″، حيث أوصت بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو وزوجته سارة، بتهمة تلقي الرشوة، وهي تهمة قاسية في كتاب القانون الإسرائيلي، علاوة على الاحتيال وإساءة الائتمان.

ووفقا لورقة تقدير موقف، أصدرها المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار”، أعدها الباحث المختص بالشأن الإسرائيلي انطوان شلحت حول المشهد السياسي الانتخابي في إسرائيل وتطورات التحقيق مع نتنياهو، فإن الأخير سيبقى في منصبه في الوقت الحالي، ولن يتنحى عنه بعد تقديم التوصيات، وهو العرف الإسرائيلي السياسي في هذا الشأن، وإن كان القانون يسمح له بالبقاء في منصبه حتى اتخاذ قرار قضائي نهائي بشأنه.

وبينت الورقة أن نتنياهو يستغل هذا الوضع ويعيد إنتاجه دائما من خلال ثلاثة أمور، خطاب الضحوية الأبدية بالرغم من تواجده في الحكم نحو عشر سنوات، وخطاب شعبوي يعتمد على إبقاء سردية اليمين حول مطاردة النخب اليسارية المتنفذة في الحكم، ومحاولة إسقاطه خارج قواعد لعبة الصندوق الانتخابي، والتحريض على المواطنين العرب في إسرائيل في كل مناسبة يرى فيها الحاجة الشخصية والسياسية لذلك.

ويحاول نتنياهو عبر المثابرة على هذا الخطاب عرض نفسه كضحية في المشهد السياسي، والزعم بأن النخب القديمة لا تزال تعمل على إسقاطه عبر التحقيقات والملاحقات القانونية. كما يتبنى دائما خطاب الضحية والمُطارد، بالرغم مما قامت به حكومته في السنوات العشر الأخيرة من حكمه من تشريعات وإجراءات حثيثة من أجل تغيير النظم واللوائح القائمة، وتغيير النخب في أجهزة الدولة، حتى أن القائد العام للشرطة كان اختياره في الدورة الأخيرة بالشراكة مع وزير “الأمن الداخلي” غلعاد إردان.

كما يحاول نتنياهو استحضار خطاب ثالث، في هذه الفترة، لتحييد الاهتمام بقضاياه الجنائية، وهو التحريض على المواطنين العرب في إسرائيل، حيث انضم لجوقة المطالبين بمنع عضو بلدية حيفا عن الجبهة الديمقراطية رجا زعاترة، من تعيينه نائباً لرئيسة بلدية حيفا. ويبحث نتنياهو بشكل ممنهج عن قضايا صغيرة تتعلق بالمواطنين العرب، ويقوم باستغلالها من أجل مخاطبة جمهوره العنصري من جهة، وحرف النقاش قدر المستطاع من خلال التحريض على المواطنين العرب من جهة أخرى.

وشنّ نتنياهو هجوماً حاداً على جهاز الشرطة الإسرائيلي، وأشار إلى أنه يتعيّن على القائد العام الجديد للشرطة القيام بحملة إعادة تأهيل واسعة للجهاز، وإلى أن ثقة الجمهور بجهاز الشرطة لم تعد في القمة كما كانت في السابق.

تجدر الإشارة إلى أن هناك شبهات ضد نتنياهو في قضيتي فساد أخريين أيضاً تُعرفان بـ”الملف 1000″ و”الملف 2000″. وأنهت الشرطة التحقيق فيهما وأوصت كذلك بتوجيه تهمة تلقي رشوة إلى رئيس الحكومة.

وأشار نتنياهو إلى أنه لم يُفاجأ بالتوصيات ولا بتوقيت نشرها، وأضاف أن حملة الملاحقات ضده وضد عائلته مستمرة، وأنه منذ اليوم الأول من التحقيقات كان واضحاً أن الشرطة ستُقدّم توصيات.

وشهدت الحلبة السياسية الإسرائيلية كثيراً من ردات الفعل في ضوء توصية الشرطة. وقالت رئيسة المعارضة عضو “الكنيست” تسيبي ليفني من “المعسكر الصهيوني”، إن على نتنياهو التنحي عن منصبه قبل أن يدمّر سلطات تطبيق القانون لينقذ نفسه. وأضافت أن الشعب الإسرائيلي يستحق قيادة نزيهة. وطالبت بإجراء انتخابات عامة مبكرة.

وقال رئيس حزب العمل وتحالف “المعسكر الصهيوني” آفي غباي إن نتنياهو أصبح عبئاً على إسرائيل ويجب عليه تقديم استقالته لأنه لا يمكنه مواصلة أداء مهمات منصبه بسبب كثرة قضايا الفساد المتعلقة به.

ودعا رئيس كتلة “المعسكر الصهيوني”، عضو ““الكنيست”” يوئيل حسون، نتنياهو إلى الاستقالة والدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة.

وأكدت رئيسة حزب “ميرتس”، عضو “الكنيست” تمار زاندبرغ أن رئيس حكومة أُلصقت به أخطر جريمة في كتاب القوانين الإسرائيلي لا يمكنه الاستمرار في تولي منصبه ولو دقيقة واحدة.

في المقابل أعرب وزير العلوم أوفير أكونيس من حزب “الليكود” عن ثقته بنتنياهو، وأكد أنه سيستمر في قيادة الحكومة سنوات كثيرة.

واتهمت وزيرة الثقافة والرياضة ميري ريغف من “الليكود” أيضا القائد العام للشرطة الإسرائيلية روني ألشيخ بالاستمرار في بذل كل ما هو ممكن، حتى يصبح لمغادرة منصبه صدى أكبر.

وأشارت ريغف إلى أنه بعد أن حاول ألشيخ تخريب جهود تعيين خليفة له، يواصل البحث عن عناوين رئيسية في الصحافة.

ووصفت نائبة وزيرة الخارجية تسيبي حوتوفيلي من “الليكود” توصيات الشرطة بأنها فضيحة. وطالبت المدعي الإسرائيلي العام بفحص أداء الإعلام في هذه القضية، قبل البتّ بتوصيات الشرطة.

وقال المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية أفيحاي مندلبليت إنه سيحسم قراره بشأن قبول توصيات الشرطة.

وأشار مندلبليت، خلال اجتماع عقدته لجنة مراقبة الدولة في “الكنيست”، إلى أنه قام قبل عدة أشهر بزيادة عدد أفراد الطاقم الذين يفحصون هذا الملف لمساعدته على التوصل إلى القرار الصحيح بشأنه.

من ناحية، أخرى دافع المستشار القانوني للحكومة عن الشرطة الإسرائيلية وأكد أنه يدعمها في مواجهة جميع الهجمات التي تتعرّض لها.

وكان هجوم نتنياهو على مؤسسات القانون في الدولة غير مسبوق. ومع أن رئيس الحكومة هاجم هذه المؤسسات في السابق، إلا أن خطابه هذه المرة كان الأكثر حدة وعنفا.

ويعتبر المؤرخ الإسرائيلي عوفري إيلاني أن خطاب الضحويّة، الذي عززه نتنياهو وحوله إلى مشروع سياسي على المستوى الشخصي وعلى المستوى القومي، ساهم في تعزيز قيادته في المعسكر اليميني، ويشير إلى أن نتنياهو ورث خطاب الضحويّة من حزب “الليكود” وأخذه خطوات متقدمة إلى الأمام، ولكن لا يمكن التقليل أيضا من خطاب الضحويّة الذي ورثه من بيته أيضا.

ووفقا لورقة تقدير الموقف، يتعلق المشهد الانتخابي الإسرائيلي في الوقت الحاضر بعوامل ثلاثة، أولها موقف نتنياهو نفسه، والذي يرفض الاستقالة من منصبه أو تقديم موعد الانتخابات العامة، ويتبنى خطاً إعلامياً وسياسياً يشير فيه إلى أن التحقيقات جاءت بالذات لإسقاط حكم اليمين، و”الليكود”، وهو شخصياً. وبقاء نتنياهو في المشهد يضمن لحزبه فوزا في الانتخابات، على الأقل كما تشير استطلاعات الرأي، وغالبية قواعد “الليكود” لن تحاسبه على فساده، ولن تتأثر شعبيته بعد تقديم توصية الشرطة.

كما أنه لا يواجه تحدياً داخلياً في الحزب الحاكم حول شرعيته، وليس هناك استئناف على قيادته المطلقة في المرحلة الحالية لليكود ولرئاسة الحكومة، حتى بعد تقديم توصية الشرطة بذلك. ويدفع ذلك نتنياهو إلى التصرف وكأن لا شيء حدث، بل يقوم بمهاجمة مؤسسات فرض القانون.

أما العامل الثاني فهو المستشار القانوني للحكومة، الذي يلعب دوراً كبيراً في تحديد المشهد الانتخابي في إسرائيل، وهناك من يعتقد أن تبنيه أو رفضه لتوصيات الشرطة سوف يؤثر على المشهد الانتخابي، حيث ترهن أحزاب في الائتلاف الحكومي إضافة إلى أفراد من “الليكود” موقفهم الحاسم من الموضوع بموقف المستشار القانوني للحكومة.

الإشكالية في هذا العامل هي أن قرار المستشار القانوني للحكومة لم يصدر بعد، وهو متباطئ في هذا الشأن، وحتى بعد اتخاذ موقف، فإنه يعطي لمحامي نتنياهو حق الرد على قرار المستشار القانوني، في جلسة استماع في مكتب هذا الأخير.

ويتعلق العامل الثالث بأعضاء الائتلاف الحكومي من توصية الشرطة. وكما يتضح من تحليل مواقفهم فإن توصية الشرطة لم تحدث شرخاً يذكر في الحكومة، تحت ادعاء أنهم بانتظار قرار المستشار القانوني للحكومة، ومعرفة حدة الاتهامات الموجهة له. ويتبنى هذا الموقف حزبان في الائتلاف الحكومي، هما حزب كولانو “كلنا” برئاسة وزير المالية موشيه كحلون، وحزب “البيت اليهودي” برئاسة وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت. وكلاهما أكدا أنهما بانتظار قرار المستشار القانوني للحكومة من أجل اتخاذ موقف من حكومة نتنياهو ومن رئيسها شخصياً.

أما باقي أحزاب الائتلاف، وهما الحركتان الدينيتان شاس ويهدوت هتوراه، فإنهما يدعمان بقاء الحكومة برئاسة نتنياهو في كل الأحوال، وفق القانون الإسرائيلي الجاف.

وفيما يتعلق باستطلاعات الرأي العام، أشار آخر الاستطلاعات إلى أن مكانة نتنياهو لم تتأثر من التوصيات التي قدمتها الشرطة ضده، حيث إنها لم تؤد إلى زعزعة مكانته الجماهيرية. وأشار الكثير من الكتاب إلى أن ذلك يعود إلى الحالة غير العقلانية التي تميز أعضاء القواعد الاجتماعية لحزب “الليكود”، الذين يتصرفون بعاطفية وتمجيد للقائد تشبه النزعة القبلية غير الحديثة.

وتشير استطلاعات الرأي العام، التي أجريت في الأسابيع الأخيرة، إلى أن تمثيل “الليكود” في “الكنيست” يحافظ على ثباته على الأقل، بينما يأتي حزب “يوجد مستقبل” برئاسة يائير لبيد في المكان الثاني بفارق كبير يصل إلى اثني عشر مقعدا، وهذا يؤكد أنه حسب كافة الاستطلاعات التي أجريت في الفترة الأخيرة فإن “الليكود” ونتنياهو سوف يستمران في رئاسة الحكومة الإسرائيلية.

أما فيما يتعلق بالمعارضة الإسرائيلية الحالية، فإن السجال يدور بالأساس حول إمكانية خوض ما يسمى برئيس هيئة الأركان العامة السابق بيني غانتس، المعترك السياسي، إما من خلال حزب جديد يترأسه، أو من خلال انخراطه في صفوف حزب العمل وتنصيبه رئيسا له، أو من خلال انخراطه في كتلة معارضة كبيرة كتلك التي تقترحها تسيبي ليفني، رئيسة حزب “الحركة” وزعيمة المعارضة الحالية.

وفي هذا الصدد فإن النقد على رئيس حزب العمل آفي غباي، ازداد في الشهور القليلة الماضية، وتصاعد في الفترة الأخيرة، بسبب تراجع الحزب في استطلاعات الرأي، وانحداره إلى المكان الثالث من حيث التمثيل البرلماني بعد حزب “يوجد مستقبل”.

الاخبار العاجلة