الاعتراف الأسترالي الخائب الذي لم يعجب أحدا..

21 ديسمبر 2018آخر تحديث :
الاعتراف الأسترالي الخائب الذي لم يعجب أحدا..

بقلم: الدكتورة أماني القِرِم عن جريدة القدس

أثار الاعتراف الاسترالي بالقدس الغربية عاصمة لاسرائيل وبأحقية تطلعات الفلسطينيين لعاصمة في القدس الشرقية غضباً كبيراً لدى الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي على حد سواء. الفلسطينيون اعتبروه تلاعباً بالكلمات وإنقاصاً للحق والتفافاً على قرارات الشرعية الدولية كونه جاء مشروطاً وغير صريح، ولا يمثل أية صفة رسمية أو ثقل دولي وقانوني فيما يتعلق بالشق الفلسطيني (فقط)! أما الاسرائيليون فيشعرون بصدمة وخيبة أمل، ومن وجهة نظرهم أنه بعد كل هذا التقارب والعصر الذهبي للعلاقات الاسرائيلية الاسترالية خلال السنوات الماضية ينتج هذا الاعتراف الخائب بالقدس الغربية (فقط) عاصمة لاسرائيل.

هناك خمسة أسباب جعلت رئيس الوزراء الاسترالي، سكوت موريسون، يعلن اعترافه بالقدس وهو مطمئن البال، وهي نفسها الأسباب التي زادت من خيبة الأمل عند نتنياهو وزمرته :

اولاً : رغم أنه تم تفسير خطوة موريسون من قبل المعارضة الاسترالية والبعض في العالم على أنها مكسب شخصي في إطار التنافس الانتخابي، إلا أن هذا الأمر لا يوضح الصورة كاملة لأن موريسون هو مسيحي إنجيلي، يعتنق الأفكار المتشددة حول اللاجئين والهجرة وكل ما يتعلق بالأبعاد اللاهوتية لوضع الكيان الاسرائيلي. وقد ثارت تساؤلات كثيرة عند انتخابه حول قيادته استراليا نحو اليمين المتشدد والمدى الذي يمكن ان تؤثر به معتقداته الدينية على السياسة الداخلية والخارجية الاسترالية.

ثانياً: يبلغ عدد الجالية العربية والاسلامية في استراليا ما يقارب الثلاثة أرباع مليون نسمة، في حين أن حجم الجالية اليهودية لا يصل الى خمس هذا العدد. ولكن المسألة ليست بالعدد وانما بقوة النفوذ وقدرة التأثير وحركة النشاط السياسي والاجتماعي والاعلامي، حيث يعتبر اليهود من أغنى الجاليات في استراليا وأشدها تنظيماً وتماسكاً ونشاطاً. فمن بين كل 10 مليارديرات استراليين يوجد ستة من اليهود. كما أن الأكثر ثراء على الأطلاق في استراليا هم خمسة من اعضاء المجتمع اليهودي!! الهدف الرئيسي لهؤلاء جميعا هو مصلحة اسرائيل.

ثالثاً: من المنطقي أن تكون ضخامة حجم التجارة بين استراليا والعالم العربي التي تتجاوز العشرة مليارات دولار سنويا رادعاً لموريسون في مواقفه تجاه القضية الأهم في الشرق الأوسط. ولكن يبدو أن موريسون قد درس المزاج العربي جيدا ووثق تماما انه موقفه هذا لن يؤثر على المصالح التجارية، وقد صدق حدسه فخرج وزير الخارجية البحريني متطوعا للدفاع عن استراليا!!

رابعاً: لا يمكن الحديث أبدا حول حيادية الحكومات الاسترالية المتعاقبة تجاه القضية الفلسطينية منذ نشوئها. بل على العكس تماماً فالقضية الفلسطينية من القضايا النادرة التي يتفق على التوجهات نحوها الحزبان الكبيران الحاكمان في استراليا، فاللوبي اليهودي يدعم الحزبين ويراهن عليهما بشكل متقارب. وتتمحور التوجهات الاسترالية إزاء القضية الفلسطينية في اتباع سياسة شكلية تدعم حل الدولتين بشكل انتقائي للقرارات الدولية. وهذا ما يظهره سجل تصويتها الدائم في الأمم المتحدة ضد المصالح الفلسطينية، فعلى سبيل المثال لا الحصر أدان البرلمان الاسترالي قرار الأمم المتحدة القاضي بأن الصهيونية شكل من اشكال العنصرية، وكان في قراره هذا وحيدا في العالم. كذلك في عام 2014 كانت استراليا الدولة الوحيدة التي عارضت تسمية المستوطنات غير قانونية في حين ان الولايات المتحدة امتنعت وقتها عن التصويت !!

خامساً وهو الأهم: يتعلق بالاشخاص المؤثرين على السياسة الاسترالية وأن ما يقال بأنه تحول في السياسة الاسترالية تجاه القضية الفلسطينية هو محض هراء . فهذا الأمر لم يأت فجاة بل كان له مقدمات عديدة منذ ما يزيد على الخمس سنوات تم فيها تعزيز العلاقات بين كانبييرا وتل ابيب بشكل غير مسبوق. قائد هذه التحولات هو السفير ديف شارما، سفير استراليا السابق في اسرائيل، وأحد اكثر السفراء دعما لهذا الكيان في الدبلوماسية الاسترالية، للدرجة التي وصف بها حبه لاسرائيل في حفل وداعه بالقول: “ستبقى اسرائيل في دمائي”.

ومن الواضح أننا نحتاج الى كثير من الافعال غير الغضب حتى لا تلحق باستراليا دول أخرى.

المصدر جريدة القدس
الاخبار العاجلة