أثر الانسحاب على إسرائيل

26 ديسمبر 2018آخر تحديث :
مقالات مروان طوباس جنين

عمر الغول-الحياة الجديدة

شكل إعلان ترامب عن انسحاب أميركا من سوريا يوم الأربعاء الماضي 19/12/2018 توترا وإرباكا في الساحة الإسرائيلية، وبدا كأن الإعلان الأميركي مفاجئ لإسرائيل، مع ان الوقائع والمعطيات الأميركية وبعض الإسرائيلية تؤكد عكس ذلك، بتعبير آخر، الإعلان لم يكن فيه شيء من المفاجأة، ولكن قد يكون التوقيت، هو المفاجئ، لأن ترامب شخصيا، ووزير خارجيته بومبيو وغيرهم من المسؤولين الأميركيين كانوا على تماس وتواصل مع القيادات الإسرائيلية المناظرة، وابلغوهم بنية الإدارة سحب القوات الأميركية من سوريا. 


ورغم ذلك، فإن حكومة نتنياهو بمستوييها السياسي والعسكري، بدا عليها كأنها بلعت موسا، فلم تتمكن من الاعتراض، او الاحتجاج، ولم يكن أمامها سوى القبول بالأمر الواقع على مضض. لكن الكم الهائل من التعليقات، التي ما زالت حتى الآن تتوالى في قراءة أثر وتداعيات القرار الأميركي كشف حجم الفراغ، الذي تركه الموقف الترامبي على الحليف الإستراتيجي. 


وبقراءة موضوعية على المشهد الإسرائيلي، فإن الانسحاب الأميركي المقرر خلال المئة يوم القادمة حسم بعض المسائل لصالح النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين، وخصم النظام المرابط على الحدود الشمالية، اي النظام التركي. 


كما وضاعف من تضييق مساحة المناورة أمام دولة الاستعمار الإسرائيلية، التي كانت تتكئ على الوجود الأميركي في ممارسة الضغط على كل القوى الفاعلة في المشهد السوري، وكانت تعتبر الوجود الرمزي الأميركي (2000 خبير وعسكري أميركي) بمثابة العصا الغليظة، التي تلوح بها في وجه الآخرين، مع ان النظام الروسي كان فتح المجال الجوي السوري برغبته، ووفق معاييره الجيوسياسية والأمنية أمام إسرائيل، وليس خشية من أميركا، وإنما محاولة من الروس أولا لتحييد إسرائيل بشأن دورها في سوريا؛ وثانيا لمنحها المزيد من الطمأنينة والثقة فيما يتعلق بالملف والوجود الإيراني في سوريا، لا سيما وان روسيا لا ترغب بالوجود الإيراني في سوريا، لما لذلك من آثار سلبية على النفوذ والموقف والمكانة الروسية فيها؛ ثالثا عدم رغبة الروس بالدخول في صراع مع إسرائيل، وبالمقابل مد الجسور معها لفتح آفاق للمستقبل، خاصة وأن روسيا من خلال استشرافها للمستقبل، وبحكم وجود ما يزيد على مليون ونصف المليون روسي من اتباع الديانة اليهودية والمسيحية، تعتبر عمليا دولة إسرائيل امتداداً لها، مع تضاؤل وتراجع مكانة الولايات المتحدة في الإقليم والعالم. 


لكن حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية أكدت بشكل قاطع، أنها تعمل وفق معاييرها الأمنية فقط، دون إغفال وتجاهل معايير الآخرين، لكنها ثانوية جدا في حساباتها، ولهذا لم تتوان عن ارتكاب جريمة إسقاط الطائرة الروسية المتطورة أمنيا وراداريا، وقتل خمسة عشر ضابطا من خيرة النخبة العسكرية الروسية، التي تركت ظلالا كثيفة على العلاقات بين البلدين والقيادتين، حتى الآن لم تزل آثارها، رغم التحسن النسبي، الذي طرأ. وجرد إسرائيل من ميزة هامة للعبث بالمشهد السوري عموما. 


ومع الانسحاب الأميركي تكون إسرائيل فقدت ميزة حيوية وهامة ثانية، أو اولى بالنسبة لها. وهو ما حاول تجاهله الكثيرون من الخبراء المعلقين العسكريين والإعلاميين الإسرائيليين، عندما حاولوا التذاكي والاستخفاف بانعكاس الانسحاب الأميركي من سوريا على إسرائيل، وعالجوا قيمة وأهمية الوجود الأميركي من الجانب الشكلي، وحصروه بالبعد الرمزي والمحدود، واعتبروا هذا الوجود غير ذي شأن، لا يستطيع الدفاع عن إسرائيل. بالمعنى المعلن ما ساقه أولئك الأميون أمنيا صحيح، لكنهم يعلمون، كما تعلم قيادتهم، أن الوجود الرمزي الأميركي ذا أثر بالغ، لأن قيمة الوجود الأميركي لا تقاس بعدد الجنود، ولا بعدد الآليات العسكرية واللوجستية الأميركية، انما بما له صلة بمكانة الولايات المتحدة وثقلها العالمي، حيث ما زالت تعتبر القوة العسكرية الأولى عالميا، رغم كل التراجع في مكانتها.


ولكن لا يجوز المبالغة بأثر الانسحاب الأميركي من سوريا على إسرائيل، لأن أميركا لن تسمح لأي قوة بتعريض أمن إسرائيل للخطر بما في ذلك روسيا الاتحادية، كما ان القواعد الأميركية ما زالت تملأ الشرق العربي والغرب الأوروبي والشرق اوسطي، واساطيل أميركا تجوب بحار ومضائق وخلجان المنطقة، وتحيط كل الأعداء الافتراضيين لإسرائيل وأميركا بالأسلحة التقليدية والنووية الفتاكة. وبالتالي النتائج السلبية من الخطوة الأميركية محدودة على إسرائيل. غير ان الوجود الإسرائيلي في المشهد السوري تقزم إلى حد بعيد، وملاحقة إيران وحزب الله قد تكون عبر الساحة اللبنانية إن لم تحدث تطورات جديدة تفرض معادلة مختلفة.

الاخبار العاجلة