على هامش قرار المحكمة الدستورية

29 ديسمبر 2018آخر تحديث :
على هامش قرار المحكمة الدستورية
بقلم: علي مهنا

لقد ترددت طويلا قبل أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع لأكثر من سبب .. أولها ، أنني سبق وكتبت في هذا الموضوع مرارا وأصبح رأيي معروفا فيه .. وثانيها ، أن قرار المحكمة الدستورية التفسيري موضوع الجدل قد تقاطع بالنتيجة مع ما ذهبت إليه من رأي … وثالثها  ، أنني صاحب هوية سياسية فاقعة ، وبالتالي سيقرأ رأيي كإنحياز طبيعي لجهة إنتمائي المعروف …

وفي الموضوع ، فقد يتفق بعض القانونيين مع ما جاء في قرار المحكمة الدستورية التفسيري بشأن المجلس التشريعي ، وقد يختلف معه آخرون … وبين هؤلاء وأولئك ، هنالك بعض آخر قد يختلف مع القرار شكلا ويتفق معه موضوعا والعكس صحيح ، وقد يكون لدي شخصيا كسواي بعض الملاحظات الإجرائية والشكلية بالخصوص … لكنه ليس مسموحا لأحد منا أن يختلف على مسألتين :-

1- أن قرارات وأحكام المحكمة الدستورية هي حجة علينا جميعا دونما استثناء، كأفراد وجماعات … السلطة بمكوناتها الدستورية وسلطاتها الثلاث ، والمعارضة بمكوناتها الحزبية والفصائلية بما يشمل سلطة الإنقلاب أو ما يسمى بسلطة الأمر الواقع في غزة ، أحزاب وفصائل الحالة السياسية الفلسطينية على تعدد إلوانها ومشاربها … وذلك سندا للمادة 1/41 من قانون المحكمة الدستورية رقم 3/2006 التي نصت على أن ( أحكام المحكمة في الدعاوي الدستورية وقراراتها بالتفسير ، ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة ….).
2- أن قرارات المحكمة الدستورية وأحكامها ، هي قرارات وأحكام نهائية وقطعية ، وليس هنالك من محكمة ذات اختصاص بالطعن أمامها في قرارات وأحكام المحكمة الدستورية ، وذلك لكون المحكمة الدستورية قد جاءت على درجة واحدة وليس على عدة درجات … مما يعني بأن نهائية الأحكام والقرارات الدستورية مقررة حكما بغض النظر عن مضمونها ومشتملاتها .

وهكذا ،  فأنه لم يعد مفيدا العودة للمربع الأول من الجدل البيزنطي عن كيفيات وصول المحكمة لقرارها ، وفيما إذا كان مباحا لها أو محظور عليها هذا الأمر أو ذاك … ويكفي أننا أخيرا قد وجدنا  من يضع حدا لمهزلة المجلس التشريعي الذي بقي جاثما على صدرسلطتنا التشريعية ما يقارب ثلاثة عشر عاما ، دون أن يراقب أو يشرع ،  خاصة وأنه لم يكن يلح في الأفق نهاية طبيعية لتلك المهزلة  …

ونحن هنا لا ندعوا للإنتقاص من أهمية الجانب الشكلي للمسألة  ، ولكننا نذكر بأن أهمية الشكل تنبع أولا وأخيرا من كونه الوعاء الذي يفرغ فيه الموضوع … وبالتالي فإنه لا يجوز بحال من الأحوال أن نضحي بالموضوع على مذبح قوالب الشكل التي يقدسها البعض ..

ومن نافل القول هنا أن نذكر البعض ، بأن قرارات وأحكام المحكمة الدستورية هي أهم المصادر التفسيرية للدساتير والوثائق الدستورية … فإذا أخذنا بالإعتبار بأن قانوننا الأساسي قد وضع أصلا على مقاس متطلبات المرحلة الإنتقالية التي كان من المفترض أن تنتهي في عام 1998 ، فإننا ندرك تماما حجم القصور والغموض الذي يكتنفه ، مما يزيد من أهمية ومركزية دور المحكمة الدستورية في سد تلك الثغرات ..

في عام 2005 كان المجلس التشريعي قد أقر قانون السلطة القضائية المعدل رقم 15/ 2005 وقام سيادة الرئيس بإصداره وفق الأصول … فقام البعض بالطعن في دستوريته أمام المحكمة العليا بإعتبارها متولية لمهام المحكمة الدستورية الى حين تشكيلها ، فانعقدت في غزة بعدد قضاة أقل من العدد الذي اعتادت الإنعقاد به وقررت عدم دستورية ذلك القانون ، ورغم ذلك أصر سيادة الرئيس على احترام ذلك القرار ، خلافا لرأي الكثير منا الذين أشاروا عليه بعدم احترامه كونه لم يصدر عن تشكيل صحيح للمحكمة …

فليس مستغربا أن تكشف المحكمة الدستورية بقرارها عن إنحلال المجلس التشريعي السابق ، بل المستغرب فعلا أن مثل هذا القرار قد جاء متأخرا عن احتياجه القانوني والسياسي بتسعة أعوام على الأقل ، رغم توفر الأدوات القانونية القادرة على وضع حد لذلك ..

لقد سبق وكتبت عن هذا الموضوع عدة مرات إحداها في بدايات 2010 ، ولم أكن لأخفي رأيي القانوني بالخصوص ، والذي يتفق بالنتيجة  مع ما توصلت اليه المحكمة الدستورية بقرارها ، بل وربما ذهبت لما هو أبعد منه .. حيث ما زلت مقتنعا من الناحية القانونية المجردة بأننا لم نكن بحاجة لقرار من المحكمة الدستورية ، ليكشف لنا عن المآلات القانونية للمجلس التشريعي ، لأن لدى سيادة الرئيس الصلاحية القانونية لحل المجلس التشريعي سندا لمبدأ توازن الرقابة بين السلطات الذي يعطي السلطة التنفيذية صلاحية حل السلطة التشريعية ، مقابل صلاحية الأخيرة بحجب وسحب الثقة عن الحكومة ..أولا ، وتأسيسا على مفهوم المخالفة لمنطوق المادة 113 من القانون الأساسي ثانيا ، والتي نصت على أنه ( لا يجوز حل المجلس التشريعي أو تعطيله خلال فترة حالة الطوارئ ، أو تعليق هذا الباب .).. فإذا كان لا يجوز حل المجلس التشريعي خلال فترة حالة الطوارئ ، فإنه يكون من الناحية المنطقية مسموحا بذلك خارج تلك الفترة … ورغم ذلك فإن سيادته لم يبادر لممارسة تلك الصلاحية ، أملا في إعادة رأب الصدع واستعادة الوحدة وعودة المجلس التشريعي لممارسة إختصاصاته التشريعية والرقابية ، لكن ” لقد أسمعت لو ناديت حياً “…

وتجدر الإشارة هنا ، إلى أن البعض قد فهم قرار المحكمة الدستورية بأنه قد قرر حل المجلس التشريعي ، في حين أنه قد أعلن كشفه فقط لحقيقة أن المجلس التشريعي لم يعد قائما قانونيا ودستوريا منذ امتناعه عن القيام بالمهام المناطة به …فهو مجرد قرار كاشف لإنحلال المجلس التشريعي وليس منشئاً له .

كما ويحاول البعض هذه الأيام أن ينحو باللائمة على قرار الدستورية بالإجهاز على الوحدة الوطنية .. وهنا لنا أن نتسائل فيما اذا كان وجود المجلس البائد فعلا خلال سنواته 13 الماضية قد كان حقيقة عامل وحدة أم عامل فرقة ، فقد انحازت رزمة القرار فيه للإنقلاب منذ لحظته الأولى وقامت بوضع العديد من القوانين له بعيدا عن القواعد الإجرائية اللازمة لذلك دستوريا …

لقد بحث البعض عن غطاء دستوري لإستمرار مهزلة التشريعي في المادة 47 مكرر من القانون الأساسي ، وحاول أن يقوِلها مالم تقله … ونسي أن ورودها بعد المادة 47 التي تنص على أن ( 3- مدة المجلس التشريعي أربع سنوات من تاريخ انتخابه ، وتجري الإنتخابات مرة كل أربع سنوات بصورة دورية ..) يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأنها تعالج الزمن الفاصل بين ظهور نتائج إنتخابات التشريعي وأداء أعضائه لليمين القانونية أمام سيادة الرئيس فقط  لاغير ، وهي لا تمتد عادة لأكثر من أيام ، ولكنهم أرادوا لتلك الحالة أن تستمر إلى مالانهاية ..

وتجدر الإشارة هنا ، الى أن الكل يحاول أن يدلي بدله في موضوع قرار الدستورية بغض النظر عن مدى إطلالته على الموضوع ، في حين أن الغالبية العظمى منهم قد عبرت عن رأي سياسي وليس عن رأي قانوني أو دستوري …

  لقد أثار قرار الدستورية واللغط المواكب له كثير من التساؤلات التي تبحث عن إجابة ، ومن أهم تلك الأسئلة ، الإدعاء المقابل المطروح عن مدى دستورية ولاية سيادة الرئيس الذي إنتخب منذ 2005 وما زالت مستمرة منذ 13 عاما ونيف … وردا على هذا السؤال فإننا نرى بأن ولاية السيد الرئيس ، كان لها أن تنتهي مثلها في ذلك مثل ولاية المجلس التشريعي ، لو كانت ترتكز دستوريا فقط الى انتخابه كرئيس للسلطة …  لكن الأهم من ذلك  أنه ما زال رئيسا للجنة التنفيذية لم.ت.ف ، تلك اللجنة التي قررت إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية بعد تفويضها بذلك من المجلس المركزي ، وما زالت م.ت.ف هي المرجعية الدستورية الأعلى لأي كيانية فلسطينية … فقد ختمت ديباجة القانون الأساسي بالقول ( … فإن وضع هذا القانون ، ينطلق من حقيقة أن منظمة التحرير الفلسطينية ، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني .)

دعونا نطوي صفحة الماضي بغثها وسمينها ، ونوحد صفوفنا لمواجهة العدو المشترك الذي ما زال يجثم على صدورنا دونما استثناء ، ولا مانع من الإقتتال على فرو الدب بعد اصطياده …..

الاخبار العاجلة