رسالة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد الميلاد المجيد

7 يناير 2019آخر تحديث :
رسالة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد الميلاد المجيد

بقلم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس عن جريدة القدس

يا بيتَ لحمَ استَعدي ويا مذود تهيَّأ

ويا مغارة استقبلي، فقد جاءَ الحقُّ وزالَ الظِلّ.

وظهرَ الإلهُ للبشرِ منَ العذراء

مُتَّخذاً صُورَتنَا ومؤَلهّاً ما اتَّخذهُ

(إيذيومالا من خدمة الساعات الكبرى لعيد الميلاد، من نظم القديس صفرونيوس بطريرك أورشليم)

في هذه الأيامِ الاثني عشرَ السعيدةِ والبهيةِ (من يومِ عيدِ الميلادِ إلى يومِ عيدِ الغطاس) ولاسيما هذا اليومُ الذي هو يومُ ميلادِ المسيحِ ترسلُ الكنيسةُ أولاً وقبلَ كلِّ شيءٍ المجدَ والشكرَ معَ العالمِ والبشريةِ قاطبةً لربِّ المجدِ وتتهللُ معيدةً لهذا الحدثِ الفائقِ الطبيعةِ المميزِ، وللسرّ الغريبِ المستغربِ الذي يفوقُ إدراكَ كلَّ عقلٍ بشري. فبحسبِ بشارةِ إنجيلِ المحبة، إنَّ هذا العيدَ هو تجسدُ وتأنسُ كلمةَ الله ” وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا (يوحنا 1: 14) ولمحبةِ اللهِ الفائقةِ لجنسِ البشرِ فقد سرَّ الله الآبُ وارتضى بأن يصيرَ ابنُهُ ابنَ الإنسانِ وأن يتجسدَّ ويولدَ بالجسدِ من القديسةِ العذراءِ الطاهرة، إذ يقولُ مرنمُ الكنيسةِ “إن الإلهَ قد ظهرَ على الأرضِ متجسداً وترددَ بين الناسِ”.

إنَّ “ابنَ اللهِ” بحسبِ القديسِ يوحنا الدمشقي المتوشحُ باللهِ قد اتخذَ ما هو الأدنى – أي طبيعتَنا البشرية حتى يعيدَ بذاتِهِ وفي ذاتِهِ تجديدَ ما كان على صورتِهِ ومثالِهِ وأعتقَنا منَ الفسادِ بشركةِ الحياةِ إذ صار هو بدءَ قيامتِنا، وجددَ فينا الإناءَ المهملَ والمُتصدِّعَ. (المئة مقالة في الايمان الأرثوذكسي 77) ويقولُ القديسُ غريغوريوس اللاهوتي عن عملِ محبةِ اللهِ للبشر ِهذه: “بأن الله قد ارتحل َإلى الأرضِ لكي يستوطنَ البشرُ السماءَ”.

وقد تمّت ولادةُ ابنَ اللهِ بالجسدِ من العذراءِ الدائمةِ البتوليةِ في بيتَ لحمِ اليهوديةِ زمنَ اكتتابِ المسكونةِ على عهدِ أُكتافيوس أُغسطس قيصر، وعهدِ هيرودوس الملك (لوقا 2: 1، متى 2: 1) ولأنهُ لَمْ يَكُنْ للمسيحِ مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ فقد وُلِدَ متنكراً في المغارةِ والأهمُّ أنَّ إخلاءَ كلمةُ اللهِ لذاتِهِ وتأنسِهِ وولادتِهِ بالجسدِ، قد تمتْ تحتَ الأرضِ محتجباً في مغارةٍ لكي يتوارى عن عظماءِ الأرضِ وقد أظهرَ اللهُ للناسِ فقرَ المغارةِ والأقمطةِ بإعلانهِ هذا من السماواتِ إذ دعا المجوسَ عبرَ نجمٍ من المشرقِ يحملون الهدايا (متى 2: 1) ورعاةً ساهرون مع الملائكةِ يرتلونَ الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ (لوقا 2: 14) .

إن رسالةَ السلامِ الإلهيةِ السماويةِ هذه لرئيسِ السلامِ ورسولِ الرأيِ العظيمِ هي رسالةُ المصالحةِ وتنازلُ اللهِ نحوَنا نحنُ البشرُ ورسالةُ المغفرةِ والتواضعِ الأقصى، هذا التواضعُ الأقصى الذي وصلَ حتى ذبيحةِ الصليبِ. فالكنيسةُ التي تأسستْ على المسيحِ المتجسدِ تحتضنُ هذه الرسالةَ الإلهيةَ وتختصُّ بها لذاتِها وتعملُ وتستمرُ بها وتُكرزُ بها للقريبِ والبعيدِ ولأعضائِها وللعالمِ أجمع دون تمييزٍ لعرقٍ أو جنسٍ أو دينٍ أو لونٍ أو لغةٍ، فهي تدعو الجميعَ وتقولُ قولَ رسولِ الأمم:” اقْبَلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا قَبِلَنَا، لِمَجْدِ اللهِ. (رومية 15: 7) وتصدحُ الكنيسةُ بهذهِ الرسالةِ خاصةً لعظماءِ الأرضِ والذين يوجهون حياةَ البشرِ ويحددون تطوراتِها في الشرقِ الأوسطِ لئلا ينتفخوا بالكبرياءِ والغرورِ، بل ليكونوا رؤساءً يخدمونَ بالعدلِ والحقِّ حتى يعيشوا بازدهارٍ وكرامةٍ وحرية.

إنَّ أمَّ الكنائسِ والتي تمتازُ عن جميعِ الكنائسِ كونِها لها البركة في خدمةِ المسيحَ المتأنسَ في هذه المغارةِ القابلةِ الإله، التي شيّد عليها الملكانِ قسطنطين ويوستنيانوس هذه الكنيسةُ، فهي تُصلي وتبتهلُ إلى ربِّ المجدِ من أجلِ سلامِ الشرقِ الأوسطِ وازدهارِ مدينةِ بيتَ لحمٍ ووحدةِ الكنائسِ متمنيةً لرعيتِها المسيحيةِ هنا وفي أرضِ السلامِ ومهد ِالمسيحِ وفي جميعِ أنحاءِ الأرضِ العافيةَ والصحةَ والسلامَ والازدهارَ والنجاحَ والتقدمَ والخلاصَ. وأيضاً للمؤمنين الزوارُ القادمين من أقاصي المسكونةِ تتمنى لهم قوةً وبركةً ونعمةً. وسلام لكم جميعاً من طفلِ المغارةِ الإلهيِّ المتجسدِ لأجلنِا والمولودِ من العذراءِ مريم إلهِنا ومخلصِنا يسوعَ المسيح.

ونتوجه إليكم يا فخامة رئيس دولة فلسطين الأبية السيد محمود عباس أبو مازن اليوم قائلين شرفتنا بحضوركم والذي يمثلكم فيه دولة رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله حفظه الله عيدنا عيد الروميين الأرثوذكسيين، متمنين لسيادتكم موفور الصحة والعافية، وندعو أن يمنحك العليّ القدير دوام الاستقرار والقوة لحكومتك لكيّ بحكمتك وعدلك الذي حباك الله بهما ان تقود شعب فلسطين وتحصدَ ثمرةَ جهادك وكفاحك للوصول إلى دولةٍ فلسطينيةٍ حرةٍ ومستقلة. كما نود ان نشكر جلالة ملك المملكة الأردنية الهاشمية عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه الذي شاركنا وشرفنا في هذا الاحتفال بانتدابه وزير داخلية الأردن السيد سمير المبيضين الأكرم.

المصدر جريدة القدس
الاخبار العاجلة