روسيا والمصالحة الفلسطينية

30 يناير 2019آخر تحديث :
روسيا والمصالحة الفلسطينية

عمر الغول-الحياة الجديدة

دعت روسيا الاتحادية عشرة فصائل فلسطينية لموسكو في مطلع الثلث الثاني من الشهر القادم في محاولة من القيادة الروسية للإسهام في إيجاد مخارج من أزمة استعصاء المصالحة الفلسطينية، بعد أن أغلقت حركة حماس الأبواب والنوافذ أمامها. وهي محاولة شجاعة من الأصدقاء في مساعدة الشعب الفلسطيني في تلمس الطريق إلى فضاء الوحدة الوطنية المتعثرة خلال الأثني عشر عاما الماضية.

ورغم ان الجهود المصرية الشقيقة لم تستنفد دورها كراعٍ اساسي للمصالحة الفلسطينية، إلا ان التدخل الروسي لا يعيب، ولا ينتقص، أو يقلل من الدور المصري، بل لعله يساهم في تسليط الضوء على جوانب جديدة، لم يلتقطها غيرهم. كما لعل الأصدقاء في الكرملين يتمكنوا بفعل مكانتهم الدولية، ولنقل بحياديتهم النسبية، وبما يمكن ان يمنحوه للقوى الفلسطينية المختلفة من حوافز، يتمكنوا من ضخ دماء جديدة في عروق المصالحة النائمة في غرفة الإنعاش منذ الإنقلاب على الشرعية في اواسط حزيران/ يونيو 2007.

ومع انني أنطلق من يقين قاطع، أن حركة حماس الإخوانية، طالما هي جزء لا يتجزأ من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وترفض ان تبتعد مسافة عن خيارهم التفتيتي، وتُّصر على بقاء الإمارة الحمساوية، وارتهانها أسيرة للأجندات الأقليمية (عربية وإسلامية)، وتراهن على التساوق مع الولايات المتحدة ودولة الاستعمار الإسرائيلية في تنفيذ صفقة القرن مقابل ضرب المشروع الوطني، فلن يتمكن الأصدقاء الروس من تحريك عجلة المصالحة مليمترا واحدا، وستبقى حركة حماس الإخوانية في خندق القوى المعادية للمشروع الوطني.

مع ذلك لا يجوز استباق الأمور، رغم اليقينيات المتجذرة في الوعي، والمستندة إلى معطيات ومعلومات ووقائع، وليس إلى رغبات ذاتوية ولا لإسقاطات ونزعات شخصوية محضة. وليعطى الروس الفرصة تلو الفرصة، لأن كل جهد قومي أو أممي لترتيب شؤون البيت الفلسطيني، هو جهد مشكور، وتفتح له الشرعية الوطنية بقيادة الرئيس محمود عباس الأبواب وكل المداخل الممكنة والقابلة للحياة. خاصة وانه تم التوافق مع قيادة حركة حماس الإنقلابية على اتفاقين (2011 و2017) وإعلانين (2012 و2014)، ولم يعد هناك شيء لم يبحث، ولم يتم الإتفاق عليه، سوى عدم جاهزية قيادة فرع الإخوان المسلمين في فلسطين، وإصرارهم على خيارهم الإنقلابي، ومواصلة الإحتفاظ بدويلة غزة الهزيلة والمدمرة للأهداف والثوابت الفلسطينية.

ولعل القيادة الروسية من خلال إسهامها الإيجابي في ترميم عملية المصالحة، تتمكن من توسيع دائرة رعايتها لعملية السلام، خاصة وانها تعتبر الراعي الثاني منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو عام 1993 لرعاية عملية السلام. أضف إلى دورها ومكانتها كقطب مقرر في السياسة الدولية، وصاحب باع طويلة في عملية إعادة تقسيم النفوذ في العالم، وكما اسهمت في لعب دور محوري واستراتيجي في المسألة السورية، يمكنها أن تلعب دورا مركزيا في حل المسألة الفلسطينية، ولديها من أوراق القوة الكثير مع اسرائيل والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي.

وإذا توقفنا أمام وجودها في إسرائيل، وتأثيرها عليها، اولا هي اول دولة اعترفت بإسرائيل، وبعد الإعلان عنها؛ ثانيا يوجد في دولة الإستعمار الإسرائيلية مليون ونصف المليون روسي تقريبا، ولهؤلاء ثقل هام في الساحة الإسرائيلية؛ ثالثا لروسيا دور مركزي فيما يجري على الساحة السورية والليبية والمصرية وغيرها من الساحات العربية، وايضا لها تأثير ما على السياسة الإيرانية ومن خلال هذة النقاط يمكن ان توجد قواسم مشتركة مع اسرائيل؛ رابعا هناك مصالح مشتركة روسية إسرائيلية، وهناك تبادل منفعة على اكثر من مستوى وصعيد؛ خامسا كما ان القيادات الإسرائيلية تقرأ لوحة العالم من منظور متحرك، وليس من منطلقات الثوابت، بتعبير آخر، هي تقرأ لوحة العالم بتموجاتها وتغيراتها، وتعلم ان مكانة الولايات المتحدة في تراجع، ولم تعد القطب المقرر في السياسة الدولية لوحدها، والنفوذ الروسي يتضاعف في الشرق الأوسط، وبالتالي يمكن لصوت العقل (إن توفر في صانع القرار الإسرائيلي) ان يصغي نسبيا لأية توجهات روسية راعية للسلام، ويدفعه للتراجع عن خيار النفي الكلي للشعب العربي الفلسطيني ومصالحه الوطنية المقبولة والمنسجمة مع قرارات ومرجعيات السلام والشرعية الدولية.

الدور الروسي مطلوب وضروري، وهو عامل تحفيز وجذب للأطراف الفلسطينية المختلفة. الضرورة تملي على الجميع منحه الفرصة الحقيقية لإعادة الإعتبار للمصالحة الوطنية.

الاخبار العاجلة