مشكلتنا مع ابن جلدتنا

11 فبراير 2019آخر تحديث :
عمر حلمي الغول

رام الله- صدى الإعلام

بقلم: عمر حلمي الغول- عن الحياة الجديدة

فاز مؤخرا في السلفادور الرئيس الشاب “ناييب بوكيلي”، أو وفق اسمه الفلسطيني العربي نجيب ابو كيلة، ولم يتجاوز من العمر الـ 38 عاما. وهو ابن لعائلة فلسطينية تتوزع جذورها بين القدس العاصمة، ومهد السيد المسيح بيت لحم. وله عشرة اخوة آخرين، ووالده، أرماندو أبو كيله قطان، رجل مكافح، وله رصيد مميز في اوساط الجالية الفلسطينية في السلفادور، التي يقدر عددها بحوالي الـ 100 ألف مواطن، ويعود السبب لمواقفه الوطنية والإنسانية. وكان ارماندو قد أسلم في سبعينيات القرن الماضي، وقام ببناء العديد من المساجد، ليس هذا فحسب، بل انه كان إماما لأحد المساجد، وهو عالم وحاصل على درجة الدكتوراة في العلوم الكيميائية والحقوق، ورجل اعمال ناجح. وكانت تربطه علاقات إيجابية مع زعيم اليسار الشيوعي، شفيق حنظل، الذي هو ايضا فلسطيني تلحمي. الأمر الذي أثر على الشاب نجيب بالانتماء لليسار عام 2011، وتولى رئاسة بلدية “كوستلان” عام 2012، وما بين 2015 و2018 تولى رئاسة بلدية العاصمة، سان سلفادور. 
لكن نجيب أبو كيله طرد من الحزب اليساري عام 2017 نتيجة خرقه لمبادئ وقواعد الحزب. غير انه قال، انه فصل من الحزب، لأنه فضح بعض الفاسدين فيه. في اعقاب ذلك، قام بتشكيل حركة سياسية باسم “أفكار جديدة”. ووفق بعض المراقبين الإعلاميين، ان نجيب ناور مع حزب “التحالف الكبير من اجل الوحدة الوطنية”، وهو من اليمين الوسط، الذي مهد له الطريق للوصول لسدة الرئاسة. 
غير ان من تابع منهجية الرئيس الجديد، لاحظ انه انتهج سياسة براغماتية عالية، ساعدته في التقدم بخطى حثيثة نحو الرئاسة. حيث زار في شباط/فبراير 2018 دولة الاستعمار الإسرائيلية، وهو رئيس بلدية العاصمة، والتقى العديد من المسؤولين الإسرائيليين، ورؤساء بلدية تل أبيب والقدس العاصمة المحتلة، وزار حائط البراق (ما يسميه اليهود حائط المبكى)، وأدى الفروض التلمودية اليهودية، كما وزار متحف المحرقة. وبالتالي هذه الزيارة، ثم التحالف مع حزب “التحالف …” شكلا له الأرضية الداخلية والخارجية، اضف إلى انه صاحب شركة، كما استفاد من علاقات والده، وايضا رئاسته للمجالس البلدية، التي جميعها منحته الرصيد في الشارع السلفادوري، وبرنامجه الانتخابي، الذي طرحه، وأعلن فيه محاربة الفساد، والمافيات، وإعلاء شأن العلم والمعرفة.  
وكانت الجالية الفلسطينية سجلت رفضا لزيارته دولة الاستعمار الإسرائيلية في حينها، وذكرته في بيان صادر عنها آنذاك، بأن عليه ان يتذكر انتماءه الأصلي، ويستحضر مكانة وتاريخ والده الوطني المميز. كما ذكرته بتجربة الرئيس الفلسطيني الأصل، الذي نجح في انتخابات الرئاسة عام 2004، وقام آنذاك بنقل سفارة السلفادور من القدس إلى تل أبيب، وليس العكس. وقام بزيارة لفلسطين، ولمسقط رأسه بيت لحم، وكان له اياد بيضاء على الصعيد السياسي. وحدث ولا حرج عن تجربته في الحزب الشيوعي مع المناضل الأممي (الفلسطيني السلفادوري) شفيق حنظل، الذي له مواقف واضحة وصريحة جدا ضد إسرائيل الاستعمارية والولايات المتحدة الأميركية، وضد رأس المال المالي، والداعم الثابت للعدالة السياسية والاجتماعية بين كل شعوب الأرض. 
مع ذلك علينا في الساحة الفلسطينية التعامل دون تطير، ولا تطرف مع الرئيس السلفادوري الجديد، واعطاؤه الفرصة قبل محاكمته، وانتظار ما يمكن ان يصدر عنه من مواقف لاحقة، لعله يستدرك انتماءه التاريخي، وجذوره الأم لفلسطين المحتلة والمغتصبة من قبل الحركة الصهيونية، وقاعدتها المادية دولة الاستعمار الإسرائيلية، ويراجع نفسه في ضوء السياسات والانتهاكات وجرائم الحرب الإسرائيلية الخطيرة، التي ترتكبها ضد ابناء جلدته من الفلسطينيين العرب من اتباع الديانات والانتماءات الفكرية والسياسية المختلفة. 
رغم أن المنحى العام لمنهجه السياسي بات واضحا. غير ان ذلك يمكن ان يكون تكتيكا مؤقتا لبلوغ هدف الرئاسة. مع انه بتجربته الشخصية، يدرك ان الرئيس الأسبق أنطونيو لم يكن بحاجة لزيارة إسرائيل، ولا لكسب ودها، وهو من حزب يميني، وتمكن من النجاح وتولى الرئاسة لخمس سنوات طوال. مع ذلك لننتظر قليلا، لعل نجيب ابو كيله يعيد النظر في سياساته المتناقضة مع إنتمائه الوطني التاريخي، وحتى الفكري السياسي لفترة طويلة من الزمن. 

الاخبار العاجلة