تكسير عظام الجائعين!

18 مارس 2019آخر تحديث :
تكسير عظام الجائعين!

رام الله- صدى الإعلام

بقلم: إبراهيم ملحم – عن القدس دوت كوم

وأخيرًا، انفجر الخزّان، وخرج الناس على جَوْر السلطان، وغياب العدل في توزيع الفقر والعتمة على السكان، الذين عضّهم الجوع، واستبدّ بهم الفقر والعوز الشديدين، وارتفعت بين شبابهم على نحو حاد، معدّلات البطالة، واختفت علامات السعادة عن الوجوه التي حفر فيها الوجع والقهر الأخاديد، إلى نِسبٍ فاقت تلك المسجلة في الصومال، حتى إن عائلات بأكملها من سكان المدينة الفاضلة، اختارت ركوب البحر، هربًا من غائلة الجوع، وتغوّل “القسّام”.

منذ أيام يتدفّق على نحو صادم سيلٌ من الصور الثابتة والمتحركة؛ المضرّجة بدماء الجائعين، وأوجاع الموجوعين من تكسير أطرافهم، وسحل أرواحهم بهراوات الجنود، الذين يجوبون الشوارع والأزقة والبيوت آناء الليل وأطراف النهار، بحثًا عن الجائعين المتعوذين من كآبة المنظر وسوء المنقلب، لا لسدّ جوعهم، وحفظ أمنهم، اقتداء بقوله عز وجل:”الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ”، بل لسدّ أفواههم، وخنق أصواتهم، وتكسير عظامهم، وترويع أطفالهم، وإفقادهم شهيتهم المفتوحة على طعام لم يتذوّقوه منذ سنين.

في الصور المتدفقة، من الشوارع المعتمة، المحمّلة بالصرخات المجروحة بآلام الجوع، ما يبعث على الحزن والغضب في آن معًا؛ الحزن على الأطفال الجائعين، والفتيات والشباب المصابين والمعتقلين، والناس التائهين المكلومين، والغضب من بطش القوة العمياء، واستدعاء الدين لتسويغ ضرب “الجائعين المتآمرين”، لأنهم لم يصبروا مثلما صبر السلف الصالح، عندما كانوا يأكلون من خشاش الأرض في شعاب مكة، دون أن يدرك أصحاب هذا الخطاب المكرور كساد بضاعتهم التي لا تنسجم مع أفعالهم، في المأكل والمشرب والملبس والسيّارات الفارهة، وهو ما أشعل شرارة الغضب من غياب العدل في توزيع الفقر، الذي كشفته صرخة إحدى النساء من التمييز في التوزيع.

في الخطاب الديني غاب الحديث الصحيح الذي رواه ابن عمر رضي الله عنه، عن المرأة التي دخلت النار في هرّةٍ ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدَعها تأكل من خَشَاشِ الأرض مثلما غاب اسم الفاروق عن المنابر في خطب الجمعة، لأن ذكر اسمه سيستدعي على الفور قصص وحكايات عدله وحزمه في إنصاف المظلومين وإغاثة الملهوفين، وسدّ غائلة الجوع عن الجائعين، والتهديد بقطع أعناق الحكام المستبدين، مثلما يستدعي حكاية البُرود اليمانيّة، وحمله لأكياس الطحين التي كان يوزعها على الفقراء والمساكين، يغيب اسم عمر، وعدله، وتحضر هراوات من يحملون اسمه، وأسماء الخلفاء والنبيين، بأفعال تناقض معاني ودلالات أسمائهم.

من يتجرّأ على رفع سيفه في وجوه الجائعين، وتكسير عظامهم، وترويع أطفالهم ونسائهم، ليس جديرًا بحكمهم، ولا بادّعاء تمثيلهم، فممارسة الحكم بالرّقية والشعوذة السياسية، واستدعاء الماضي بأحماله الثقيلة، لإسقاطه على الحاضر بمتغيّراته المثيرة، يبعث على الرثاء لمن يعتنقون مثل تلك الأفكار؛ من أمثال الوزير باسم نعيم الذي اكتشف حديثًا بأن اليسار الذي تحالف معه طيلة سنوات التيه الماضية، وشاركه أوجاع ثلاثة حروب، كان متورطًا في قصف المخيمات في لبنان، واصفًا بيان اليسار المساند لثورة الجياع بـ”العهر الوطني”، دون أن يدرك السيّد نعيم بأن قيام “الثوار وحراس الثغور” بالارتداد إلى الداخل لضرب الجمهور، الذي ذاق الأمرين، وتحمل وزر ثلاثة حروب دفعوها من دماء أبنائهم، ومساكنهم، ثمنًا لأخطاء وخطايا سبق واعترف رئيس المكتب السياسي السابق للحركة خالد مشعل باقترافها قبل أن يدعو إلى إجراء مراجعة لها. نقول لا يدري السيد نعيم بأن هذا الارتداد يتجاوز توصيفه إلى توصيف آخر نخجل من ترديده. فبم يصف السيد نعيم اعتقال الصحفيين، والطلبة الجامعيين، والاعتداء بالضرب المبرح على الحقوقيين. وبم يصف السيد نعيم ترويع الآمنين في بيوت الصفيح، وتكسير عظام الشباب والفتيات والأطفال في دير البلح وخانيونس وجباليا مهد الانتفاضة الأولى ضد المحتلين. وبم يصف السيد نعيم الزج بأكثر من خمسمئة معتقل في السجون خلال ثلاثة أيام، وفرض الضرائب حتى على الحمير!

لو أن كلّ أعداء “حماس”، وخصومها السياسيين، والايديولوجيين، اجتمعوا على صعيد واحد، مستعينين بآلة إعلامية ضخمة، تعمل على مدار الساعة للإساءة لـ”حماس” وشيطنتها، ما استطاعوا فعل ما فعلته “حماس” بنفسها، طيلة الأيام الثلاثة الماضية، عبر التصريحات الصادرة عن بعض الناطقين باسمها، ومن خلال الصور والفيديوهات الحيّة المتدفقة من الشوارع والأزقّة الضيّقة في المدن والبلدات والمخيّمات في القطاع.

الاخبار العاجلة