نتنياهو يلوّح لأمريكا وأوروبا بورقة البديل الروسي!

13 يونيو 2016آخر تحديث :
** FILE ** In this Feb. 11, 2009 file photo, Israel's Likud Party leader Benjamin Netanyahu addresses supporters at the Likud election headquarters at the convention center in Tel Aviv. Far-right politician Avigdor Lieberman endorsed Benjamin Netanyahu for Israeli prime minister on Thursday, Feb. 19, 2009, all but guaranteeing that the U.S.-educated hawk will be the country's next leader. (AP Photo/Bernat Armangue, File)
** FILE ** In this Feb. 11, 2009 file photo, Israel's Likud Party leader Benjamin Netanyahu addresses supporters at the Likud election headquarters at the convention center in Tel Aviv. Far-right politician Avigdor Lieberman endorsed Benjamin Netanyahu for Israeli prime minister on Thursday, Feb. 19, 2009, all but guaranteeing that the U.S.-educated hawk will be the country's next leader. (AP Photo/Bernat Armangue, File)

بقلم: الدكتور حسن عبد الله(ج القدس)

زيارات نتنياهو المتكررة لروسيا مردها قراءة إسرائيلية استباقية للمتغيرات على الساحة الدولية، تستند إلى معطيات يُبنى عليها مواقف و توقعات، بخصوص حدوث صعود و هبوط في النفوذ الدولي لبعض الدول، أما الصاعد فهو روسيا بقوتها العسكرية والاقتصادية وقدرتها على اللعب المحسوب على الساحة الدولية، على انقاض انهيار القطبية الواحدة لتحل محلها اقطاب وتكتلات تشكل روسيا والصين القطب المتبلور الذي سيكون نداً قوياً للأقطاب الأخرى.

عادت روسيا إلى الساحة الدولية معافاة واثقة، بعد أن وضعت اشتراطات ومقاسات اللعبة السياسية فيما يتعلق بسوريا، مؤكدة حضورها ليس في الخطوط العامة العريضة وإنما في كل التفاصيل، في ظل تردد أمريكي وتراجع إلى الخلف وارباك وتخبط أوروبي.

فبالرغم من ضعف المبادرة الفرنسية وعمومية وضبابية البيان الذي خرج عن مؤتمر باريس، إلا ان إسرائيل لها قراءة أخرى، على اعتبار أن مجرد التحرك الدولي حتى لو كان بطيئاً ومحلقاً في العموميات، من شأنه أن يتطور في السنوات القادمة، استجابة للمتغيرات في المزاج الشعبي الاوروبي، الذي بات ينظر للاحتلال الإسرائيلي ومعاناة الشعب الفلسطيني كقضية اخلاقية تحتاج إلى حل، ويتجلى ذلك في استطلاعات الرأي الأخيرة والنسب المرتفعة للتعاطف مع الفلسطينيين على المستوى الشعبي الأوروبي.

نتنياهو يريد القول للإدارة الأمريكية إن الانتقادات الموجهة لإسرائيل وإنْ كانت موسمية ويكتنفها الغموض، فإنها غير مقبولة ومزعجة، لأن القاعدة الإسرائيلية في التعامل مع الولايات المتحدة تقوم على أساس تأييد أمريكي مطلق لها في كل شيء بدون تحفظات أو ايحاءات أو جمل ملتبسة، أما الاتحاد الأوروبي فهو في المنظور الإسرائيلي علاقات تجارية سهلة ومفتوحة لاسرائيل وتأييد لسياساتها وتوجهاتها بلا تحفظ، وان ارتفاع نبرة الانتقادات للاستيطان يدق ناقوس الخطر على المديين المتوسط والبعيد، الأمر الذي ترى فيه الحكومة الإسرائيلية مصدر قلق قد يتدحرج ويكبر. لذلك فان نتنياهو يسعى إلى مزيد من الابتزاز للموقف الأمريكي والأوروبي عن طريق اظهار أن لدى إسرائيل بدائلها العملية و القوية، لا سيما وأن اليهود الروس يشكلون نسبة لا بأس بها في المجتمع الإسرائيلي وأصبح لهم شأن في العملية السياسية، وان روسيا ساحة مفتوحة لإبرام صفقات تجارية ذات جدوى اقتصادية، إضافة إلى أن إسرائيل معنية بتفاهمات واضحة مع روسيا في الساحة السورية لاعتبارات “أمنية” بحتة وهي ترى أن روسيا ستكون صاحبة الكلمة الفصل في الترتيبات المستقبلية على الساحة السورية.

ومنذ البداية فإن اسرائيل لا تعترف إلا بالدولة القوية، وتعطيها الأولوية في علاقاتها، فقد بدأت مع بريطانيا التي أهدتها وعد بلفور على طبق من ذهب ورعت الهجرات الأولى إلى فلسطين وفرضت الوجود اليهودي بالقوة على الأرض الفلسطينية، وقدمت لإسرائيل كل مقومات التأسيس من اقتصاد ومساعدات عسكرية وحماية سياسية، لكن إسرائيل في الخمسينيات وبعد مرحلة التشكل الجديد للعالم بعد الحرب العالمية الثانية، قرأت المتغيرات و أدركت أن الولايات المتحدة هي القوة الصاعدة التي سيكون لها دور مؤثر وحاسم في السياسات والعلاقات الدولية، فادارت الظهر لبريطانيا وفضلت التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، كونها تراهن دائماً على الأقوى.

لكن هل يستطيع نتنياهو أن يقوّلب السياسات والتوجهات الروسية وفق المصالح الإسرائيلية كما يفعل المسؤولون الاسرائيليون منذ عقود مع الولايات المتحدة الامريكية؟

أعتقد أن الأمر في العلاقات الروسية الإسرائيلية مختلف تماماً، لأن روسيا تربطها علاقات تاريخية ثقافية وسياسية بالعالم العربي، بل وأبعد من ذلك فإن الروس من أكثر شعوب العالم تفهماً واستيعاباً للثقافة العربية، وليس لديهم مشكلة مع الإسلام، حيث أن نسبة لا بأس بها من المواطنين في روسيا هم من المسلمين.

ويمكن هنا إضافة نقطة مهمة أخرى، مفادها أن لا تاريخ استعماري لروسيا، بمعنى ان ضطهاد الآخرين وقمعهم وسلب حرياتهم والسيطرة على أرضهم، مفردات ومصطلحات ليست متوارثة في العقلية الروسية.

وبناء ً على ما ذكر أرى أن روسيا كما هي كل الدول الكبرى تنطلق من مصالحها وتوجهاتها، بيد أن ذلك ليس مطلقاً ومفتوحاً وبدون ضوابط، وانما في إطار توازنات وفهم عميق لمصالحها في الشرق الأوسط، وتطلعها لاستعادة دورها وقوتها على الساحة الدولية وها هي تفعل ذلك وبشكل تراكمي تدريجي، من هنا فإن السياسة الروسية سوف لا تعطي الأفضلية لإسرائيل على حساب العرب أو الفلسطينيين على وجه الخصوص، صحيح أنها تنظر بعين الأهمية للعلاقات مع إسرائيل، لكن دون إنتقاص من العلاقات الروسية العربية و سعيها الدائم لتعزيز وتدعيم هذه العلاقات، إلى جانب أن العلاقات الروسية الايرانية متشابكة ومتداخلة ما بين السياسة والاقتصاد والتنسيق والتكامل الميداني على الأرض السورية، وبالطبع فإن الموضوع الايراني يدخل ي سياق التوازنات.

وعليه فإن الورقة الروسية بالنسبة إلى نتنياهو ستظل تكتيكية ولن ترتقي للاستراتيجي، خصوصاً وأن لروسيا أوراقها المنوعة، وهي عكس الولايات المتحدة لا تمسك بورقة واحدة وتخسر بقية الأوراق، فتشبث السياسة الامريكية بالورقة الإسرائيلية جعلها تفقد أوراقاً أخرى وتهبط من على قمة الهرم العالمي، وهذا يدركه و يعيه جيداً الساسة الروس.

الاخبار العاجلة