ما بين شبكة الأمان العربية وفخ الورشة الأميركية

23 يونيو 2019آخر تحديث :
مقالات مروان طوباس جنين

موفق مطر- الحياة الجديدة

اليوم سيتبين لنا مدى وفاء الأشقاء العرب لتعهداتهم، ومصداقية التزامهم بتنفيذ ما وقعوا عليه في مؤتمرات القمة العربية الثلاث السابقة على الأقل. وقد نجد أنفسنا أمام واحدة من خلاصتين: الأولى حيث يؤكد العرب ان القضية الفلسطينية قضيتهم المركزية، وأن قضية استقلال الشعب الفلسطيني وقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس يعنيهم باعتبارها القانون الطبيعي الذي لابد منه لضمان أي استقرار وازدهار وتنمية وسلام في منطقة الشرق الأوسط .

أما الخلاصة الأخرى فهي استبيان قدرة الأشقاء العرب أصحاب القرار رقم واحد في المستوى الرسمي على قول لا لأميركا عندما تتعارض سياسة الإدارة الأميركية مع مواقفهم الأساسية تجاه فلسطين، فنحن نفترض انعكاس تبني الشعوب العربية للقضية الفلسطينية في سياساتهم الخارجية، فإذا كانت واشنطن ليست معنية بحل سياسي للقضية الفلسطينية قائم على أساس قرارات الشرعية الدولية ومجلس الأمن والمبادرة العربية، فهل سيوافقون إدارة ترامب على إبقاء بؤر الارهاب الطائفية والمذهبية قائمة في المنطقة، رغم علمهم أن جماعات الارهاب تتذرع بجرائم منظومة الاحتلال والاستيطان الاسرائيلي العنصري الاسرائيلي لتبرير الارهاب والجريمة ضد الانسانية التي يرتكبها المحتلون الاستعماريون ومستخدمو الدين على حد سواء.

قطعت القيادة الفلسطينية على أصحاب الظن السيئ الطريق عندما أعلن الرئيس أبو مازن أكثر من مرة وفي مؤتمرات القمة في مكة وقبلها في تونس أن شبكة الأمان المالية لعربية لدعم موازنة الحكومة الفلسطينية قد تكون على شكل قروض ومنح سيتم سدادها حين تسترد أموال الضرائب الفلسطينية من دولة الاحتلال اسرائيل كاملة غير منقوصة.

شبكة الأمان المالي العربية للشعب الفلسطيني ليست كفخ الحل الاقتصادي الأميركي، فهذه لحل مشكلة مالية مؤقتة سببها الحصار المالي والسياسي على الشعب الفلسطيني وقيادته المتمسكة بالثوابت الوطنية، ومحاولة القوة القائمة بالاحتلال المدعوة (اسرائيل) إخضاع الشعب الفلسطيني واجتثاث مبادئه وقيمه الأخلاقية والوطنية، وتدمير ثقافته الوطنية، عبر إجباره على قبول استقطاع قيمة الرواتب التي تقدمها دولة فلسطين لعائلات الشهداء والأسرى من الضرائب التي تجمعها السلطات الاسرائيلية لصالح السلطة الوطنية الفلسطينية حسب الاتفاقيات المبرمة بين الجانبين.

إن مساهمة الأشقاء العرب في دعم صمود الشعب الفلسطيني ومواقف قيادته ليست خيارا، وإنما واجبا وفرض عين، لأن القضية الفلسطينية لم تكن في يوم من الأيام مجرد صراع فلسطيني اسرائيلي فقط، وإنما صراع عربي – صهيوني، تتبوأ فلسطين موقع الخندق الأول باعتبارها ميدان وأرض المواجهة والصراع، ونعتقد أن عودة سريعة لمبادئ وأدبيات الأحزاب العربية الحاكمة والمعارضة على حد سواء وكل القوى والفعاليات والاتحادات والنقابات وكل الهياكل الثقافية قبل السياسية ستكشف لنا مكانة فلسطين وقضيتها العادلة لدى الأمة، وهذا أمر لا يمكن المرور عنه وكأنه لم يكن، ومن يفعل فإنه كمن يعلق العروبة على المشانق، وينسف المبادئ التي التقت عليها الشعوب العربية، ويبدو كمن يمشي بعكس قيمها الأخلاقية والثقافة الجامعة لأمة عربية تعتبر انتصار حركة التحرر الوطنية الفلسطينية مقدمة وشرطا لانتصار قضاياها التحررية والتنموية والاجتماعية والاقتصادية، أو العكس ـ فإن انتصارها في قضاياها سيبقى منقوصا ما لم يتحقق الانتصار في فلسطين، وتمكين الشعب الفلسطيني من إنجاز استقلاله الوطني بقيام دولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

نعتقد أن الأشقاء العرب وتحديدا في دول الخليج العربي يعلمون جيدا أن محاولة إدارة ترامب اغتيال الحل السياسي، واستبداله بحل اقتصادي للقضية الفلسطينية تحت عناوين مبهرة مثل ورشة “السلام من أجل الازدهار” لن تكون ذات جدوى، والأصح أنها ستكون طرحا غبيا، من إدارة لا تفقه
أبجديات أسس الصراع العربي الصهيوني حتى، فالأشقاء العرب في الخليج يعرفون جيدا أن قادة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية (قادة الثورة الفلسطينية المعاصرة) كان معظمهم يعملون بوظائف في دول عربية خليجية ويتقاضون أجورا عالية نظرا لخبراتهم في التخصصات التي كانت تحتاجها الدول العربية للنمو في الخمسينيات، ولعلنا نذكرهم بأن الرئيس محمود عباس واحدا من هؤلاء الذين مازالوا على قيد الحياة، نموذجا ينوب عن الأحياء أو الذين استشهدوا، فهؤلاء لم يؤسسوا نواة حركة التحررلأنهم كانوا فقراء، وإنما لأنهم كانوا يريدون تحرير وطن أجدادهم وآبائهم والعودة إلى ديارهم التي هجروا منها في نكبة العام 1948، وربما يجد الباحثون اسماء أمراء من الدول العربية الخليجية كانوا سباقين للانضمام لحركة فتح بعد معركة الكرامة في العام 1968، فالنضال الفلسطيني لم يكن من أجل تحسين حالة اقتصادية أو حل مشاكل انسانية، وإنما من أجل انتزاع حرية واستقلال، وتثبيت وجود شعب له من الكرامة ما يمكنه من تعليم من تنقصه كيف يستردها!.

لا نريد لواحد من أشقائنا العرب الوقوع في شبكة أفخاخ أميركية نصبت بعناية لكل دولة عربية، وبإمكانهم إذا ارادوا كبح جماح ترامب العازم على سلبهم ثرواتهم وأموالهم، وتحقيق ذلك عبر الضغط بصورة ايران النووية المرعبة، وعليهم تذكر حرب الولايات المتحدة الأميركية على العراق والتضخيم المتعمد لقوة أسلحة جيشه، ومخاطرها على سيادة دول الجوار العربي والاقليمي، وفي ذات الوقت نريدهم أن يكونوا ببالغ الحذر واليقظة من كل محاولات طهران لاختراق أمن دولهم، والسيطرة على مناطق استراتيجية لبسط نفوذ العقلية الفارسية الناظمة لسياسة ملاليها قبل اي توجه آخر.

الاخبار العاجلة