دولة المستوطنين العميقة .. الحاكم الفعلي إسرائيلياً

6 يوليو 2019آخر تحديث :
حماس
حماس

بقلم عبد الناصر النجار عن جريدة الأيام

في ظل الحديث المتواصل عن صفقة القرن وتوابعها، والانشغال بالأزمة المالية والانقسام والتراشق الإعلامي محلياً وعربياً، تراجع الاهتمام الفلسطيني بمخاطر الاستيطان الذي ينهش جسد الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة ليصبح الأنموذج الأسوأ للاستعمار والعنصرية متمثلاً بالتهويد.
خلال العقود الثلاثة الماضية، وبشكل خاص بعد اتفاق أوسلو، بدأت ملامح دولة الاستيطان تظهر بوضوح، وتتعمق جذورها بصمت، حتى أمست القوة المطلقة القادرة على تحريك النخبة الحاكمة في إسرائيل بما يتفق ومصالحها.
دولة الاستيطان تسابق الزمن للقضاء نهائياً على أي فرصة للتسوية، مستغلةً سنوات ولاية ترامب السمان التي قد لا تتكرر. 
ففي العامين الماضيين تهيأت لدولة المستوطنين ظروف مواتية، هي أقرب إلى المعجزة مع وجود ثلاثة مستشارين للرئيس ترامب يقفون على يمين غلاة المستوطنين ويدافعون بكل قوة عن دولة الاستيطان العميقة وعنصريتها. إضافة إلى استغلالهم انتخابات تشريعية غير مسبوقة للكنيست لجهة إجرائها مرتين في أقل من نصف عام.
الثلاثي الترامبي (كوشنر وغرينبلات وفريدمان) غارقون في توسيع دولة الاستيطان وتقويتها والدفاع عنها، ولعل مشاركة الأخيرَين في افتتاح نفق استيطاني في القدس القديمة بدعوة من جمعية إلعاد الاستيطانية – وهي الأكثر نشاطاً في تسريب العقارات الفلسطينية تزويراً وبلطجة وتهديداً – خير دليل على هذا الدور المفضوح.
جاء تصريح فريدمان الأسبوع الماضي – عمّا اعتبره خيانة إدارة الرئيس باراك أوباما لإسرائيل لتمريرها قراراً في مجلس الأمن الدولي يدين الاستيطان وينفي أي شرعية عنه – ليؤكد مدى تواطئه.. وأكثر من ذلك تصريحه الذي لا يستبعد ضم أراض في الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل، الأمر الذي يعتبر رسالة تشجيع لدولة الاستيطان للتفكير سريعاً في الخطوة المقبلة.. قبل نهاية الفترة الأولى لحكم ترامب.
أما غرينبلات، فلا تعجبه تسمية المستوطنات، فهو يشجع أيضاً على تغيير مسماها لتصبح أحياء إسرائيلية في الضفة الغربية التي لم تعد ملحقة بوصف المحتلة، فاسم الضفة الغربية يكفي، وفي أحيان أخرى يستخدم المسمى العبري (يهودا والسامرة).  
مواقف الثلاثي إلى جانب حالة التخبط الإسرائيلي في ظل تعقد المشهد الحزبي، ساهمت في ترسيخ جذور دولة الاستيطان.. بحيث لم يعد أي مسؤول إسرائيلي قادراً على معارضة دولة الاستيطان أو حتى الإشارة إليها بشكل سلبي، لأن أي خروج عن نص التطرف الاستيطاني يعني الإعدام سياسياً. حتى أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أعطى الضوء الأخضر لدولة الاستيطان لتمارس ما تشاء من اعتداءات شرط دعمه أمام محاولات محاكمته بتهم الفساد، وقدم لدولة الاستيطان ميزانيات ضخمة، تتجاوز بأضعاف ميزانية المدن والبلدات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر.
من خلال نظرة معمقة إلى واقع الاستيطان في العام 2018 نلاحظ أنه تم بناء 15800 وحدة استيطانية، منها 9400 وحدة استيطانية في الضفة الغربية و6400 أخرى في القدس المحتلة (حسب إحصاءات أوروبية)، وشرعنة أكثر من 66 بؤرة استيطانية من بين 250 بؤرة تسير في طريق الشرعنة الإسرائيلية.
في العام نفسه، هدمت إدارة الاحتلال المدنية التي يسيطر عليها المستوطنون 560 منزلاً فلسطينياً في الضفة الغربية وصادرت ما لا يقل عن 3877 دونماً لصالح التوسع الاستيطاني، فيما اقتلع المستوطنون أكثر 14300 شجرة مثمرة غالبيتها من الزيتون (أبرز أعمدة الاقتصاد الفلسطيني).
دولة الاستيطان تمتلك اليد العليا بحيث يستطيع مستوطن واحد إقامة بؤرة استيطانية لتتحول بعدها إلى مستوطنة أو تتوسع باتجاه مستوطنة قريبة، ولعل ما يحصل في قرية جيبيا بمحافظة رام الله والبيرة خير دليل على ذلك، فقد نصب مستوطن واحد بيتاً متنقلاً وسيطر بذلك على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية. 
وبمجرد وضع بيت متنقل أو خيمة استيطانية يصبح لزاماً على جيش الاحتلال حمايته وشق طريق إليه وتزويده بالماء والكهرباء رغم الادعاء الأولي بأنها بؤرة عشوائية.
وللتأكيد فإن جميع البؤر التي شُرعنت إسرائيلياً وتحولت إلى مستوطنات بدأت بمستوطن واحد أو مجموعة قليلة من المستوطنين وانتهت إلى أن أصبحت مستوطنات كبيرة أو أحياء استيطانية ملحقة بمستوطنات أكبر، وما يحصل في الأغوار دليل آخر على قوة دولة الاستيطان.
دولة المستوطنين العميقة فوق القانون، وكل مقومات دولة الاحتلال مسخرة لها ابتداء من السلطة التنفيذية التي يقودها المستوطنون، وصولاً إلى السلطة التشريعية التي أقرت خلال السنوات الماضية مجموعة كبيرة من القوانين العنصرية لصالح دولة الاستيطان وآخرها السماح بالبناء فوق أراض فلسطينية خاصة على الرغم من قرار المحكمة العليا بعدم شرعية البناء على أراض خاصة.. والسماح بمصادرة الأراضي.. بل أكثر من ذلك مسارعة غالبية الأحزاب الإسرائيلية إلى استجداء دعم المستوطنين، وليس انتهاء بالمستوى القضائي، حتى أصبح ملاحظاً مدى تهاون محاكم الاحتلال مع إرهاب المستوطنين، ومثال ذلك حرق عائلة دوابشة وحرق الفتى المقدسي محمد أبو خضير وتثبيت استيلاء المستوطنين على الأملاك والعقارات ولو بالتزوير.
دولة الاستيطان العميقة هي القائد الفعلي وليس حكومة الظل في دولة الاحتلال.

المصدر جريدة الأيام
الاخبار العاجلة