فوائد غير متوقعة للعزلة الاجتماعية

15 يوليو 2019آخر تحديث :
فوائد غير متوقعة للعزلة الاجتماعية

رام الله-صدى الاعلام

ربما يكون لدي عزوف عن مخالطة الناس في المناسبات الاجتماعية، وأحياناً أشعر بالسعادة عندما تُلغى بعض هذه المناسبات. وأحيانا أقضي عدة ساعات وحدي. حتى أنني ذات مرة ذهبت إلى مكان منعزل للتأمل الصامت لمدة عشرة أيام.

لهذا يمكنني أن أتفق مع الكاتبة أنيلي روفوس التي قالت في كتابها بعنوان “حزب الفرد الواحد: مبادئ المنعزلين”: “عندما يعاقب الوالدان أبناءهم في برامج التلفزيون ويأمرونهم بالذهاب إلى غرفهم، كنت أشعر بالحيرة. لقد أحببت غرفتي، وكان المكوث في غرفة وراء باب مغلق يعد متعة ومكافأة بالنسبة لي. وكان العقاب بالنسبة لي أن يطلبوا مني أن ألعب بإحدى الألعاب مع قريبي لويس”.

ميول اجتماعية كهذه غالباً ما تكون بعيدة عن المثالية. حيث تشير وفرة من الأبحاث إلى الآثار الضارة للعزلة، والتي تعتبر مشكلة صحة عامة خطيرة في بعض بلدان تشهد تسارعاً في سن شيخوخة سكانها، لكن الحديث عن العزلة بوصفها “وباء” يعد تضخيماً مبالغاً فيه.

في المملكة المتحدة، تقول الكلية الملكية للأطباء الممارسين إن الوحدة لها نفس خطورة مرض السكري في التسبب في الموت المفاجيء. فالروابط الاجتماعية القوية في غاية الأهمية للأداء المعرفي، والوظائف الحركية، ولعمل نظام المناعة بشكل سلس.

ويتضح ذلك بشكل خاص في حالات العزلة الاجتماعية الشديدة. فالأمثلة التي تأتي من أشخاص وقعوا في الأسر لفترة، أو أطفال فرضت عليهم العزلة في مراكز رعاية أيتام تسيء معاملتهم، أو سجناء وضعوا في الحبس الانفرادي، كلها تظهر أن العزلة الطويلة يمكن أن تؤدي إلى الهلوسة، وغيرها من أشكال الاضطراب العقلي.

لكن هذه حالات غير اختيارية ومتطرفة للعزلة. وبالنسبة لمن يفضل منا أن يكون لديه وقت كاف للوحدة، تحمل دراسات جديدة أخباراً جيدة مفادها أن هناك جوانب إيجابية للانعزال، سواء بالنسبة لحياتنا العملية أو بالنسبة لحالتنا النفسية.

الإبداع

من إحدى الفوائد المهمة للعزلة هي تحسين الإبداع. فقد وضع غريغوري فيست، المهتم بعلم النفس الإبداعي في جامعة سانت هوزيه بكاليفورنيا، تعريفاً للإبداع مفاده أنه تفكير أو نشاط يقوم على الأصالة والفائدة.

وقد توصل إلى أن صفات الشخصية التي من الشائع ارتباطها بالإبداع تتميز بالانفتاح (مثل تقبل أفكار وتجارب جديدة)، والاستقلالية، التي ربما تتضمن “عدم الاكتراث بالعادات الإجتماعية”، و”تفضيل البقاء في عزلة”.

في الحقيقة، يظهر بحث فيست الذي أجراه على كل من العلماء والفنانين أن من أبرز صفات المبدعين هي قلة اهتمامهم بالمخالطة الإجتماعية.

أحد أسباب ذلك هي أن أناساً كهؤلاء يرجح أن يقضوا وقتاً متواصلاً يعكفون فيه على عملهم بشكل منفرد. فضلاً عن ذلك، كما يقول فيست، كثير من الفنانين “يحاولون فهم عالمهم الداخلي والكثير من التجارب الشخصية الداخلية التي يحاولون التعبير عنها، وإضفاء معنى عليها من خلال فنهم”.

فالعزلة تتيح للمرء التفكر، وإمعان النظر الضروريان لتلك العملية الإبداعية.

وقد صدر مؤخراً ما يعزز تلك الأفكار عن عالمة النفس جولي باوكر، من جامعة بافالو بالولايات المتحدة، والتي تدرس العزلة الاجتماعية.

فالعزلة الاجتماعية عادة تصنف إلى ثلاثة أنواع: الخجل الناتج عن الخوف أو التوتر، والتجنب أو عدم الرغبة في المخالطة الاجتماعية، وأخيراً النزوع الطبيعي إلى الوحدة.

وكان أول من أشار إلى أن نوعاً من العزلة الاجتماعية يمكن أن يكون له أثر إيجابي هو بحث أعدته باوكر وزملاؤها، والذين توصلوا إلى أن الإبداع مرتبط تحديداً بالنزوع إلى الوحدة، وعدم الرغبة في المخالطة الاجتماعية. كما أشاروا إلى أن النزوع إلى الوحدة ليس مرتبطاً بالعدوانية.

وكانت هذه النتائج مهمة، لأنه في الوقت الذي ذكرت فيه أبحاث سابقة أن العزوف عن المخالطة الاجتماعية يمكن أن يسبب ضررا نفسيا، تشير دراسة باوكر وزملائها إلى أن ذلك العزوف يمكن أن يكون مفيدا من الناحية العملية أيضا.

ويرجح أن يكون الأشخاص غير الاجتماعيين قد “تشبعوا من التفاعل” مع الآخرين، كما تقول باوكر، مضيفة: “هم يفضلون البقاء وحيدين، لكنهم لا يمانعون من المكوث مع آخرين”.

هناك بالطبع تباين ثقافي وجنسي في هذا الأمر. فعلى سبيل المثال، تشير بعض الأبحاث إلى أن الأطفال غير الاجتماعيين في الصين لديهم مشاكل أكاديمية مرتبطة بالتحصيل الدراسي، وفي التعامل مع الآخرين أكثر من الأطفال في الغرب.

وتقول باوكر إن هذه الاختلافات آخذة في الذوبان في ظل انتشار العولمة. وقد تبين أيضاً أن العزلة يمكن أن تكون مهمة لما هو أكثر من الإبداع.

التركيز الداخلي

هناك اعتقاد شائع بأن القادة بحاجة إلى أن يكونوا اجتماعيين. لكن هذا يعتمد على شخصيات موظفيهم بشكل رئيسي.

وقد أظهرت دراسة نشرت في عام 2011 أنه في فروع سلسلة محلات للبيتزا حيث كان الموظفون يعانون من الكسل، كان المديرون المنفتحون أكثر جنياً للأرباح. لكن في الفروع التي كان الموظفون فيها أكثر نشاطا، كان المديرون الانطوائيون أكثر تأثيراً.

أحد أسباب ذلك هو أن هناك احتمالا أقل بأن يشعر الانطوائيون بالتهديد من قبل شخصيات أو أفكار قوية محيطة بهم. ومنذ القدم، كان الناس على دراية بوجود رابط بين العزلة والتركيز الذهني. وفوق كل ذلك، تؤمن الثقافات القائمة على التدين بأن العزلة مهمة من أجل الحصول على الإلهام والتنوير.

وقد فسرت لنا الأبحاث الحديثة السبب في ذلك. فإحدى فوائد العزلة الاجتماعية هي حالة الراحة الدماغية، والتي تسير جنبا إلى جنب مع ما يصاحب العزلة من هدوء وسكون.

 

 

الاخبار العاجلة