مآلات التطرف في إسرائيل

19 أغسطس 2019آخر تحديث :
مآلات التطرف في إسرائيل

عمر حلمي الغول- العنوان المذكور أعلاه، هو عنوان كتاب جديد للكاتبين اللواء د. محمد المصري، ود. احمد رفيق عوض صادر عن المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الإستراتيجية مطلع صيف هذا العام 2019، يحتوي الكتاب على مقدمة مكثفة وسبعة فصول، وإن كان الفصل الأخير، ليس فصلا، بل الخاتمة، ويقع في 135 صفحة من القطع الكبير.

حاول المؤلفان في كتابهما الجديد ان يستشرفا آفاق التطرف في دولة إسرائيل الاستعمارية من خلال تسليطهما الضوء على الجماعات التكفيرية في الديانة اليهودية والمجتمع الصهيوني، وتأثيرها على الدولة الإسرائيلية، وهو ما حمله عنوان الفصل الأول “جماعات التكفير اليهودية في مواجهة الدولة الإسرائيلية”، وتوسعا في قراءة الظاهرة في الفصل الثاني، الذي حمل العنوان التالي “صيغ التعايش.. منابع الافتراق” حيث حاولا استقراء ظاهرة التكفير، أو التطرف الديني اليهودي بخلفيته التاريخية، وكيفية تعامل الدولة معها، ودونا القواسم المشتركة الجامعة بينهما، وعوامل الافتراق والتضاد. وفي الفصل الثالث سعيا (المصري وعوض) لاستنباط الفرضيات الممكنة الوقوع، وأثرها في الدولة، وعلى الدولة والمجتمع، والعكس صحيح بمعنى ان الدولة والحركة الصهيونية بما لديها من خلفيات وموروث مركب وجامع بين الديني والعلماني، سعت لترويض هذة الجماعات، وعدم الاصطدام معها، لا بل وهي تنتظر الشيطان، كانت تحف أقدامها على مقاس الجماعات المتطرفة كـ”غوش أيمونيم” مطلع سبعينيات القرن الماضي، وما تلاها من مجموعات ومسميات توالدت كالفطر في رحم الدولة والحركة الصهيونية والجاليات اليهودية في اصقاع العالم، وان تركز البحث على المجموعات ذاتها داخل الدولة الإسرائيلية.

وحمل الفصل الرابع ” التكفير في إسرائيل.. الخارج أولا ثم الداخل”، وايضا جالا في هذا الفصل على العلاقة التبادلية بين الجماعات اليهودية في الخارج، ومن ثم انتقالها بإرثها للداخل، وتوسعها، سلطا الضوء على العوامل الكامنة والمحمولة في موروثها التاريخي والعوامل المساعدة لنشوئها في الواقع المعطي. وفي الفصل الخامس توقفا أمام “ذعر الضحية..” في استمرار المحاولة على قراءة العلاقة التبادلية بين البعدين التاريخي والراهن، ومحاولة تفكيك الظاهرة، وخلصا إلى نتيجة غير دقيقة، حين استنتجا، أن إسرائيل وصلت إلى لحظة ما قبل الذروة، وهو ما يعني انتفاء “ذعر الضحية”، لأن إسرائيل بلغت مرحلة الاعتماد على الذات، وبقدر ما في ذلك من مقبولية من حيث المبدأ، بقدر ما فيه من ابتعاد عن الواقع، الذي وصفاه بأنه “الذعر أو دور الضحية المتخيل”، وهنا فصلا فصلا تعسفيا المتخيل عن الواقع، من خلال اعتبارهما إياه شكلا من اشكال المناورة والتضليل والتغطية على الجرائم التي ترتكبها، وهو مكون أساسي للعقلية اليهودية تاريخيا. وفي الفصل السادس توقفا امام “بؤر التكفير المحتملة في المجتمع الإسرائيلي”.. وهو تعميق للفصول السابقة، اما الفصل السابع فكان عبارة عن “استخلاصات واستنتاجات”، وهو ليس فصلا، ولا يجوز تصنيفه علميا بـ”الفصل”، لأنه في مطلق الأحوال خاتمة، أو استخلاصات عامة، لكنه ليس فصلا.

أهمية الكتاب انه جدد عملية استقراء التناقضات داخل بنية الديانة اليهودية، وعمق ما خلص إليه كتاب ومؤلفون وباحثون سابقون، من ان الديانة اليهودية لا تقبل القسمة على الديانات السماوية الأخرى، من حيث كونها منظومة دينية غير متكاملة، وحاملة في ثناياها عوامل التشظي والتفكك، وأيضا في تعاملها مع مختلف الطوائف والمذاهب والمدارس والفرق اليهودية بروحية التكامل لا التنافر والتضاد. رغم ان التضاد والتناقض قائم ومتجذر في الخلفية الدينية والطقوس والتعاليم والسلوك. وهذا ما لاحظه الكاتبان بعد اغتيال القاتل اليهودي إيغال عمير لإسحق رابين، رئيس الوزراء الأسبق في نوفمبر 1995، وهو ذروة التطرف والتكفير، لكن النتيجة انه لم يتم تكفيره، لا بل تم تكريمه، والاحتفاء به، وهو ما يدلل على الكيفية التي تتعامل فيها المنظومة السياسية والقانونية للدولة الإسرائيلية مع الجماعات المتطرفة والمنحرفة والمتمردة في الديانة اليهودية.

لكن هذا الاستخلاص لم يغلق إمكانية وفرضية الافتراق بين الدولة والجماعات اليهودية المتطرفة نتيجة جنوح تلك الجماعات نحو الغلو المتعاظم. رغم أن الدولة اقتربت، وتماهت مع تلك الجماعات، وأخذت برغباتها، ومزجت بين أهدافها السياسية والأهداف الدينية التوراتية والمثيالوجيا المؤسطرة، لأن الأهداف واحدة بالمحصلة النهائية. غير ان ذلك لم يسقط إمكانية الاصطدام في لحظة سياسية ما.

كما ان المصري وعوض توقفا امام العلاقة الجدلية مع الغرب، وحدود التكامل والتنافر فيما بينهما، وإمكانية انسلاخ إسرائيل عن الدور الوظيفي الاستعمالي في لحظة ما، وهذه النقطة مع انها ليست خاصة بهما، غير ان تسليط الضوء عليها، واستشراف آفاقها، يعتبر مهما.

هناك الكثير من النقاط التي يمكن الحديث عنها لصالح الكاتبين، ولكن هناك العديد من النقاط، التي تحتاج إلى تصويب، ومعالجة مختلفة، ولا أعتقد انه هنا يمكن الحديث عنها. شكرا للجهود المبذولة للمؤلفين، ولعطائهما المتواصل، وأنت كنت دونت شفويا للدكتور عوض تحديدا، ان الكتاب كان يمكن ان يكون أوسع وأعمق مما هو عليه، وانه لو كان لأحدهما، ستكون النتائج مغايرة ولصالح كل منهما.

الاخبار العاجلة