ليبرمان يتعرف على حدود القوة “الإسرائيلية”

13 يونيو 2016آخر تحديث :
ليبرمان يتعرف على حدود القوة “الإسرائيلية”

كتب حلمي موسى في السفير:

قليلة هي العمليات في قلب تل ابيب التي كانت في الموضع وبالتدبير والأثر الذي كان لعملية تل أبيب في مجمع شارونا المقابل لقدس أقداس الأمن الإسرائيلي، «هكرياه» مقر وزارة الدفاع ورئاسة الأركان. ولكن هذه العملية مرت في إسرائيل من دون صخب كبير وتقريبا بعد كثير من الصراخ يوم وقوعها جاءت الأيام اللاحقة لتشهد خفوت النبرة وضياع العملية بين السطور.

وفي إسرائيل لا يوجد سوى تفسير واحد لما جرى: كل الصارخين والراقصين على الدماء باتوا داخل الحكومة وهم المسؤولون عن إدارة «المعالجة الأمنية» للوضع الميداني.

ولاحظ كثير من المعلقين السياسيين والعسكريين في إسرائيل أن حدة التصريحات والتهديدات تتناسب عكسيا مع مستوى تحمل المسؤولية. فلو كان رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه أفيغدور ليبرمان وزعيم البيت اليهودي نفتالي بينت في المعارضة لأحدثت عملية تل أبيب ما يشبه الهزة الأرضية. ولكن هؤلاء في الحكم وفي المعارضة يوجد العرب والمتهمون بـ «حب العرب» كحركة ميرتس أو من بات ينظر إليهم كمخصيين لاهثين للانضمام إلى الائتلاف كزعيم حزب العمل اسحق هرتسوغ.

وقد اقتصر رد الفعل العملي الإسرائيلي على تكرار ما كان يعمل به في الماضي وما ينظر إليه على أنه من ناحية إجراءات احترازية ومن ناحية أخرى تدابير عقابية. فألغى ليبرمان، بوصفه وزير الدفاع، أذونات زيارة وعمل لحوالي 83 ألفا من الفلسطينيين وأعلنت الشرطة أنها سوف تشدد إجراءاتها ضد «المقيمين غير الشرعيين»، فيما حاصر الجيش الإسرائيلي بلدة يطا مسقط رأس المناضلين منفذي عملية تل أبيب. وبين هذا وذاك تزايد الحديث عن تسريع إجراءات هدم بيوت منفذي العمليات في إطار تنفيذ سياسة متبعة منذ أيام الانتداب البريطاني ولم يثبت أبدا أنها تردع أي وطني عن مقاومة الاحتلال.

وفي كل الأحوال كان واضحا أن عملية تل أبيب فاجأت القيادتين السياسية والعسكرية على حد سواء. فقد أمطروا الجميع في الأسبوعين الأخيرين بالحديث عن خفوت الهبة الشعبية الفلسطينية وبالتالي تسليم الفلسطينيين بواقعهم وانتقالهم إلى مرحلة البحث عن مصالحهم المباشرة. وكشفت العملية بؤس هذا التفكير الذي لا يستند إلى أساس ويتجاهل الأسباب الفعلية للمقاومة الفلسطينية.

وقادت العملية إلى ارتفاع منسوب المخاوف في الأوساط الأمنية الإسرائيلية مما يعتبرونه موجة «تقليد ومحاكاة» تدفع شبانا فلسطينيين آخرين إلى الاقتداء بما فعله المناضلان في تل أبيب. وتتعاظم هذه المخاوف لدرجة بات البعض في إسرائيل يقول أن شهر رمضان بذاته هو شهر تزداد فيه العمليات ضد الاحتلال وعملية تل أبيب ستلهب المشاعر أكثر. وعلى خطى وزير الدفاع السابق موشي يعلون، الذي سار على نهج وزير الدفاع الأسبق، إيهود باراك، يحبو أفيغدور ليبرمان قبل أن يخطو خطواته الأولى في المنصب. وهو هنا لا يختلف عمن سبقوه. وكما يقال: الوقائع عنيدة. وعناد الشباب الفلسطيني في دفاعه عن حقه يتجاوز كل التوقعات وهو يقفز عن السلطة وعن الفصائل إذا كانت تقف في طريق كفاحه ضد الاحتلال. هكذا كانت الانتفاضات والهبات وحتى ما يسمونه الأعمال الفردية. وواضح أن ليبرمان سيتعلم ما تعلمه نتنياهو وأسلافه.

ومنذ زمن طويل تحاول إسرائيل في سياستها مع الفلسطينيين اعتبار الحقوق «تسهيلات» وتأكيد أنها مجرد منحة تعطى وتؤخذ حسب المعطيات. وهي تتعامل على هذا النحو بشكل أساسي مع حقي الحركة والعمل. وقد نقل المعلق العسكري لـ «يديعوت» أليكس فيشمان عن أحد الجنرالات عن ذلك قوله: «هذه ورقة لعب ثابتة يتم اللعب بها دائما حسب الظروف.

التسهيلات هي امور قابلة للتوقف: يتم اعطاؤها وأخذها حسب البارومتر في الميدان: «نحن نقدم التسهيلات من اجل أن نأخذ المقابل». ويرى فيشمان أنه «في الامتحان الاول لحكومة نتنياهو – ليبرمان أمام ارهاب حقيقي، لا توجد فكرة جديدة لم تأت بها حكومات سابقة. والامر يبرز بشكل اكبر على ضوء اللهجة الكلامية المعروفة لنتنياهو وليبرمان في احداث مشــابهة في المــاضي. الواقع أقوى من وجع البطن. وفي نهاية المطاف يتماشى الجميع مع الواقع الذي هو مجــموعة من الضغوط والمصالح والثمن مقابل الفائدة. البراغماتية هي اسم اللعبة، وهـذا جيد».

ويعتبر المعلق العسكري في موقع «والا» أمير بوحبوط أن عملية تل أبيب لقنت ليبرمان درسا مفاده أن عليه السير بين قطرات المطر لتجنب التصعيد. وأشار إلى أن «البراغماتية والاتزان اللتين أبداهما قادة المؤسسة الأمنية في نصف السنة الأخيرة ضروريتان على وجه الخصوص لأن الأعين مشدودة حاليا نحو الحدود البنانية المتوترة وآذان الاستخبارات الإسرائيلية تفحص بإمعان الخطابات المتطرفة للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله… التوتر قائم على جانبي الحدود والاثبات جاء في صورة وزعت هذا الأسبوع لليبرمان يحدق عبر منظار في معاقل حزب الله في الجنوب اللبناني وإلى جانبه رئيس الأركان غادي آيزنكوت وقائد الجبهة الشمالية أفيف كوخافي». وفي نظره الرسالة واضحة وهي أن الجيش الإسرائيلي مستعد لمواجهة أية تطورات رغم عدم رغبة الطرفين في التصعيد.

وكذلك فعل المعلق السياسي بن كسبيت في «معاريف» تحت عنوان «الدرس الذي تلقاه ليبرمان عن طبيعة الإرهاب». وأشار إلى أن «عملية تل أبيب يوم الأربعاء هي العملية الأولى لليبرمان. لقد وعد بقتل اسماعيل هنية خلال 48 ساعة، وتبين أن هنية كان على وشك قتله. فأصوات الرصاص من مجمع شارونا سمعت جيدا في هكرياه، حيث مكتب ليبرمان. في الأسبوعين الأخيرين يتعلم ليبرمان الكثير عن القوة الهائلة لآلة الأمن الإسرائيلي… ولكنه في الوقت نفسه يتعلم أيضا حدود هذه القوة. حيث تنتهي القوة ويبدأ الضعف».

الاخبار العاجلة