حماس ومأزق الانتخابات البلدية

6 سبتمبر 2016آخر تحديث :
حماس ومأزق الانتخابات البلدية

بقلم – أنور رجب

سارعت حركة حماس وعلى غير ما هو متوقع منها، وعلى غير عادتها، وعلى غير ما درجت عليه طوال سنوات سيطرتها على قطاع غزة، بالموافقة على إجراء الانتخابات البلدية ودخول المنافسة لتحقيق نصر آخر باسم الديمقراطية شبيه بذلك النصر الذي ظفرت به في العام 2006 ومن بعده عطلت كل مظاهر الديمقراطية، وكان لحماس حساباتها حين أعلنت موافقتها ومشاركتها على اعتبار أن النصر سيكون حليفها هذه المرة أيضا، فهي ستجدد شرعيتها، ومن ثم تستكمل مشروعها لإقامة دولة غزة، بعد أن تتمدد شرعيتها الى الضفة، وهو ما سيمنح أطرافا إقليمية منفذاً لتسويق حماس وهي أطراف ساهمت وما زالت في تسويقها دولياً وإسرائيلياً كطرف قوي على الأرض يمكن التفاهم معه بعد أن أثبتت بما تمتلكه من أدوات القوة في إظهار أعلى درجات الانضباط والالتزام بالتفاهمات الأمنية العلنية منها والسرية التي تم التوصل إليها بينها وبين إسرائيل بوساطة تلك الأطراف، وأبدت مرونة عالية في تعاطيها مع مشاريع سياسية تم تداولها ومنها مشروع الدولة المؤقتة. كانت حسابات حماس في ذلك تستند الى قراءات متعددة، منها قراءتها لخارطة فصائل العمل الوطني والإسلامي، فخصمها اللدود حركة فتح، تظن حماس بانها منقسمة ومشتتة الى قبائل وشعوب، مثقلة بالأزمات والتجاذبات، وتقاوم على جبهات متعددة داخلية وخارجية، وربما هذا ما دفع حماس للاعتقاد بان فتح قد تتراجع عن المضي قدماً في إتمام العملية الانتخابية. وفصائل اليسار وفصائل م ت ف الأخرى في ذيل حساباتها كما يفهم من تصريحات قيادييها في أكثر من مناسبة وفي مقدمتهم محمود الزهار، أما حركة الجهاد الإسلامي فهي خارج المنافسة طوعاً. ومنها قراءتها لواقع غزة الذي أوهمها أن ركون سكان القطاع وعدم انفجارهم في وجهها هو رضا بحكمها ونهجها (السكوت علامة الرضا)، أو على الأقل لا خيار أمامهم إلا القبول بالأمر الواقع. وفي المقابل فان كتلتها الصلبة (من أدَوا قسم البيعة والمهيئون له) لم تتأثر ولم يتغير موقفها من الحركة فمصالحهم تتقاطع مع بقاء دعمهم لها، وتتناقض مع أي بديل قادم. بالإضافة لقناعتها بان مقومات نجاح دعايتها الانتخابية عام 2006 ما زالت سارية المفعول. وقد درجت قيادات حماس على التأكيد بأنها جاهزة للتجاوب والمشاركة في أي عملية انتخابية قد تجري، ومؤكدة في الوقت نفسه على قناعتها المطلقة بان الفوز سيكون من نصيبها.  ولكن رياح الواقع والوقائع لم تأت بما تشتهي سفن حماس، فحركة فتح بدت موحدة بكل قبائلها وشعوبها، وتجاوزت كل تجاذباتها في سبيل هزيمة حماس واستعادة دورها الطليعي في الحفاظ على المشروع الوطني الذي أحدثت فيه طلقات حماس وصواريخها ثقوباً وندوباً ما زالت آثارها واضحة في جسد أبناء حركة فتح وأفراد الأجهزة الأمنية ومقراتها. وفصائل اليسار ومن خلال تشكيلها لقائمة موحدة أرادت أن تستعيد بعض من كبريائها الذي انتهكته قيادات حركة حماس بتصريحاتها الاستعلائية (فصائل صفرية كما زعم الزهار)، بالرغم من أن ذلك لن يؤثر على النسبة التصويتية لحماس بقدر ما يؤثر على حركة فتح، ولكنه من ناحية المضمون فهو يحمل رسالة مفادها أن هذه الفصائل قد قررت أن تتجاوز حالة الخمول الى حالة الفعل، وكونها جزءا من منظمة التحرير فهذا سيمنح المشروع الوطني كما نأمل زخماً أكبر في مواجهة مشروع حماس الإخواني الاسلاموي. وما غفلت عنه حماس أيضاً، أن فوزها عام 2006 كان بسبب تجاذبات  حركة فتح، إذ إن حسبة الأصوات الانتخابية (المتفرقة والمشتتة) كانت لصالح منافستها حركة فتح، بالإضافة إلى أن الأصوات العائمة عام 2006 صبت لصالح حماس حين كانت دعايتها الانتخابية تمتلك مقومات التأثير في الشارع، أما الآن فهذه الشريحة هي الأكثر تضرراً من سياسة حركة حماس في إدارتها لقطاع غزة. أما الأمر الآخر وهو الأكثر أهمية هو أن النتائج العملية لتجربة حماس في الحكم كانت كارثية بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي على أهلنا في قطاع غزة من حيث ازدياد نسبة الفقر، والبطالة، والجريمة، ومحاولات الانتحار، وانتشار المخدرات، وانتشار الفكر التكفيري، وتراكم واستمرار الأزمات المعيشية الضرورية في الحياة اليومية مثل الكهرباء والسولار والمياه والصرف الصحي، وارتفاع الأسعار، وغياب الرقابة على السلع الاستهلاكية، وقد صاحب ذلك كله المزيد من فرض الضرائب التي أثقلت كاهل المواطن. وهذا ما جعل حلم الهجرة يراود النسبة الكبيرة من شريحة الشباب، بل أن بعضهم اختار المجازفة بحياته وحياة أطفاله بالهجرة عبر البحر هربا من جحيم غزة. وفي خضم هذه المعاناة غاب التطبيق العملي لشعار الزيت والزعتر ليحل محله الأسماك واللحوم وما لذ وطاب على موائد قادة حماس وفي مقدمتهم إسماعيل هنية صاحب الشعار. وفقد شعارا الحكومة الربانية والحكم الرشيد بريقهما بعد أن أصبح غياب العدالة احد مظاهر الحكم فالتوظيف حكر على أبناء حماس فقط، والمنح الدراسية والمساعدات الإنسانية تخضع لقانون الأقربون أولى بالمعروف، وبات الفساد والرشوة عنوان لإدارة أزمات القطاع (أزمة معبر رفح، تحويلات العلاج بالخارج، الاسمنت).، وظهرت شريحة جديدة من أصحاب الملايين غالبيتهم من قادة حماس وكتائب القسام بعد أن كان الفقر احد ملامح حياتهم، ولم يعد تبرير الحصار بشعار المقاومة مقنعا بعد تفاهمات الهدنة والتهدئة ووقف الأعمال العدائية، ووصف إطلاق الصواريخ بالخيانة، وتشكيل قوة الضبط الميداني لمنع إطلاقها، ناهيك عن فقدان الجهاز العسكري لطهرانيته بعد اكتشاف حجم الفساد والسقوط الأخلاقي والأمني لقادة في القسام، والإعدامات الميدانية التي طالت العديد منهم، وإعدام البعض الأخر تحت بند مهمة جهادية. أما عن احتكار حماس للدين فقد كسرته مجموعة من المثقفين والدعاة ورجال الدين في غزة ومنهم قادة سابقون في حماس، وعبر صفحات الفيس بوك اظهروا كذب وتدليس حماس باسم الدين حتى بات مصطلحا المتدينون الجدد والدين الموازي يأخذان مكانهما في وصف قادة حماس ووصف توظيفها للدين.  أدركت حماس حجم الأزمة التي تحيط بدعايتها الانتخابية بعد أن بدأت في الترويج لانجازاتها عبر حملات إعلامية مثل حملة “كيف صارت” والتي ووجهت بحملات مضادة أظهرت حجم الكذب والتدليس الذي تسعى حماس لترويجه عن واقع الحال في قطاع غزة، وأظهرت تناقض خطاب حماس الإعلامي بين الحصار الذي يستهدفها بسبب تبنيها لبرنامج المقاومة حسب ادعائها وبين ما تسعى لترويجه. كما سعت وبطريقة فيها كثير من الاستخفاف بعقول الناس إظهار تواضع مرشحيها عبر نشر صور بعضهم وهم يجمعون القمامة، فكانت النتيجة موجة من التندر والازدراء لهم. ثم انتقلت حماس لإستراتيجية أخرى استهدفت خصمها اللدود حركة فتح عبر محاولات تشويه المرشحين، والوقيعة بين فتح والعائلات، ونشر قوائم وهمية بهدف خلق حالة من الإرباك في صفوفها، وهذه أيضا لم تنجح بعد أن تنبه لها أبناء حركة فتح، الأمر الذي وجدت فيه حماس نفسها مضطرة لنزع اللثام عن وجهها الحقيقي والعودة لأسلوب القوة والبطش بعد أن فقدت قدرتها التمثيلية على الاستمرار بلعبة الحرية والديمقراطية، فكانت عمليات التهديد والوعيد والاعتقال والخطف والضرب لممثلي فتح في اللجان الانتخابية ومسؤولي حملتها ومرشحيها، ناهيك عن محاولات تلفيق تهم سخيفة وتافهة لبعضهم. وجاءت النتيجة معاكسة لرغبة حماس حيث أبدى أبناء فتح ومرشحوها قدرا كبيرا من التحدي والإصرار على استكمال المشوار مهما بلغت الضغوط والمعاناة، وهذا ما عبروا عنه علانية عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، والملاحظ أن هذا السلوك من قبل حماس قد تصاعدت وتيرته بعد قرار فخامة الرئيس أبو مازن واللجنة المركزية لحركة فتح في آخر اجتماع لها بالمضي قدما في استكمال العملية الانتخابية. إن ما سبق يمكن فهمه في سياق حالة التخبط والإرباك التي تسود في أوساط حماس وقيادتها، والمأزق الذي وضعت نفسها فيه نتيجة حساباتها ومراهناتها الخاطئة، وتظهر حالة الإرباك والتخبط أيضا في عزوفها عن المنافسة في العديد من المواقع الانتخابية في الضفة، ومشاركتها من خلال قوائم المستقلين أحيانا، أو من خلال السعي للدخول بقوائم مشتركة مع فتح أحيانا وتحالف اليسار أحيانا أخرى في بعض المناطق، وذلك في محاولة منها لوضع سيناريو مستقبلي لتبرير هزيمتها المتوقعة في حال قررت الاستمرار في العملية الانتخابية، وبهدف إخفاء حجمها الحقيقي بعد أن تتذرع بأنها لم تشارك بكل ثقلها، وطبعا ستكون المبررات حاضرة وستكرر سيمفونية غياب الشفافية، والملاحقة الأمنية، وغياب حرية الدعاية الانتخابية، وهذا ما يفهم من تصريحات قياداتها بوجود انتهاكات وضغوطات على أبناء حماس ومرشحيها في الضفة، مع أن بعضهم نفي ذلك بالصوت والصورة. خلاصة القول، إن حالة الإرباك والتخبط التي تعصف بحركة حماس فيما يتعلق بموضوع الانتخابات البلدية واستحقاقاتها، وما تمارسه من سلوك عنفي تتصاعد وتيرته يوما بعد يوم بحق أبناء حركة فتح ومرشحيها، وتصريحات قياداتها عن انتهاكات في الضفة، والخلافات القائمة داخل الحركة حول الاستمرار في العملية الانتخابية حتى مراحلها النهائية من عدمه، كلها تشير الى ان الحركة ذاهبة باتجاه تخريب العملية الانتخابية ولو في مراحلها الأخيرة، والمطلوب هنا أن تتنبه السلطة الوطنية وحركة فتح الى عدم منح حماس ما تصبو اليه، وهذا يتطلب كظم الغيظ، والصبر على انتهاكات حماس بحق حركة فتح ومرشحيها في قطاع غزة، حيث تنتظر حماس وتسعى لدفع حركة فتح للإعلان عن تأجيل الانتخابات، لتبدأ بعدها بترديد سيمفونيتها المعتادة باتهام حركة فتح والرئيس أبو مازن بعدم الجدية في الخروج بالحالة الفلسطينية مما هي فيه الآن.

الاخبار العاجلة