مشاركة الإخوان المسلمين في الانتخابات

14 يونيو 2016آخر تحديث :
مشاركة الإخوان المسلمين في الانتخابات

حمادة فراعنة

واخيراً قرر الجناح الثالث لحركة الاخوان المسلمين، وهو الجناح الاهم والاقوى الذي يقوده الثنائي المراقب العام همام سعيد ونائبه زكي بني ارشيد، قرر المشاركة في انتخابات مجلس النواب الثامن العشر يوم 20 ايلول المقبل، مقابل الجناح الاول الذي يقوده المراقب العام عبد المجيد الذنيبات الذي سبق ودعا الى المشاركة ويجنح الى المشاركة الإيجابية بالفعل السياسي على المستوى الوطني، بعيداً عن التصادم والمناكفة، اضافة الى الجناح الثاني الذي يقوده المراقب العام سالم الفلاحات ومعه فريق من القيادات التقليدية التاريخية المعتبرة، ويصف نفسه على انه فريق الشراكة والانقاذ، ويقف بين الفريقين متردداً، فلا هو مع الفريق الاول الذي يصفه بالاستعجال في اتخاذ اجراءات التكيف والخروج عن الاجماع، ولا مع الفريق الثالث الذي يطلق عليه معايير التهور وعدم التكيف مع المستجدات، ويحمله مسؤولية ما الت اليه الحركة من انقسام وتمزق .

قرار جناح المراقب العام همام سعيد المشاركة في الانتخابات، عبر عنه حزبهم جبهة العمل الاسلامي، الذي لا يملك الارادة لاتخاذ قرار سياسي هام بهذا المستوى من الاقدام، ولو لم يكن ماخوذاً من قبل مرجعيته الخلفية السياسية والفكرية والحزبية همام سعيد وزكي بني ارشيد، فكافة القرارات المماثلة لحزب جبهة العمل الاسلامي في المشاركة في الانتخابات 1989، 1993، 2007،  او في مقاطعتها كما حصل في دورات 1997، 2003، 2010، 2013، لم تكن لتتم لولا صدور القرار – التعليمات المسبقة من قبل المكتب التنفيذي للاخوان المسلمين، وتتحول توجهاته الى الحزب، فيعلن المشاركة او المقاطعة، والقرار الحالي للحزب في المشاركة لم يكن استثناء عن سوابقه ولن يكون، بدون قرار مسبق من قبل المرجعية، وهذا ما سلم به الامين العام للحزب محمد عواد الزيود . 

قرار مشاركة جناح الثنائي همام سعيد وزكي بني ارشيد قرار حكيم، يسعى لانقاذ ما يمكن انقاذه من سمعة الاخوان المسلمين ومكانتهم سواء في مواجهة السياسات الرسمية الكامنة، او في محاولة التكيف العقلاني مع قواعد عموم حركة الاخوان المسلمين التي صوتت باغلبيتها مع قرار المشاركة انعكاساً للرغبة القيادية وتفهمها لظروف الانقسام الداخلي والتراجعات السياسية التي تواجهها وتعاني منها ليس فقط تنظيمهم الاردني بل مجمل فصائل حركة الاخوان المسلمين في العالم العربي، وترى الاحوال المذهلة التي تواجه الاشقاء في البلدان العربية، من سحل ودمار وانفلات عقائدي لا مثيل له من قبل، ولا حتى في العهد النازي ضد الشعوب الاوروبية، ولا في العهد الشيوعي في كمبوديا ولاوس، ولا في عهد التخلف الافريقي لدى عيدي امين، ولا في ذروة القصف الاميركي للفيتنام وافغانستان والعراق، فالقتل الجماعي، وتصفية الاخر، والحروب البينية بين ابناء الشعب الواحد، في اليمن والعراق وسوريا ومصر وليبيا ومن قبلهم في الجزائر، تفوق التخيل الانساني لحجم الجرائم والانفجار والعمليات “ الاستشهادية “ التي تستهدف المدنيين والابرياء في المساجد والاسواق والتجمعات مما يدفع الانسان للشعور بالخذلان والخجل لانه ينتمي لمثل هؤلاء الناس بالقومية او الدين او حتى الاسرة البشرية، مما يجعل البعض يترحم على انظمة الديكتاتورية، والحزب الواحد، واللون الواحد، والقومية الواحدة، والطائفة الواحدة، والقائد الملهم الواحد، الذي يتحكم بهذا البلد العربي او ذاك قبل ثورة الربيع العربي .

قرار او قرارات المشاركة “ الاخوانية “ في الانتخابات النيابية، ليست استجابة للمكرمة الحكومية ونداءاتها، فالقرار الحكومي حق دستوري للمواطنين في اختيار ممثليهم للسلطة التشريعية وهي محاولات ستتواصل للتخفيف من هول السلطة التنفيذية وتغولها لعشرات السنين، وتغيير معطياته يحتاج لسنوات حتى تتحول موازين القوى الشعبية وتوجهاتها نحو الوعي، والالتزام الحزبي، والخيار الديمقراطي، ويكون للتيارات الاسلامية والقومية واليسارية والليبرالية واحزابها، موقعهم اللائق وسط شعبنا وفي قلب ضميره بمفاهيم مدنية ديمقراطية عصرية تستجيب لقيم التعددية، واحترام الاخر، والالتزام بتداول السلطة، والانصياع الرسمي والشعبي لنتائج صناديق الاقتراع وافرازاته .

قرار المشاركة الاخوانية، لا يتسم بالتضحية المبدئية بل هو قرار سياسي بامتياز، يحمي رؤوسهم من المس والتراجع والانحسار، ليس له دوافع دينية، ولم تكن له كذلك في حالات المشاركة ولا في حالات المقاطعة السابقة، مثلما لم تكن خلافات الاجنحة الثلاثة فيما بينهم، وبين بعضهم البعض خلافات عقائدية، فهي اجتهادات سياسية، صائبة او خائبة، دوافعها سياسية واملتها قراءة سياسية  من كل فريق من الفرق الثلاثة، وجميعهم لم يسجل على احدهم انه تارك للصلاة ولم يتهم فريق منهم، فريقاً اخر بالتخلي عن العقيدة، بل هي رؤية سياسية سجل راشد الغنوشي شجاعة الاقدام عليها على المستوى القومي اخوانياً في الفصل بين السياسي والدعوي، واختار السياسي لانه مؤسس وقائد حزب سياسي ولم يقبل على نفسه لان يكون او يبقى داعية اسلامية ملهم، فاختار الاصعب، وهو الفعل السياسي، برؤية اسلامية تستجيب للعصر، ولاننا لا نجيد تقدير انفسنا ونظلم حالنا، فالمبادرة على المستوى الوطني والقومي لم تُسجل للصديقين ارحيل الغرايبة ورفاقه في زمزم، وعبد المجيد الذنيبات وصحبه في الجمعية المتكيفة، وتطاولت عليهما التهم والافتراءات لاننا نجيد المس بالآخر، ولا نجيد النظر نحو الآخر، بالتفهم والاستيعاب وسعة الصدر، وهو حالهم ايضاً في التعامل معي كسياسي وكاتب بشتى التهم والاوصاف التطبيعية الظالمة .

قرار المشاركة قرار “ حكيم “ بامتياز للحفاظ على الذات، وارساء ادوات ووسائل مدنية تتوسل الانحياز للخيار الديمقراطي والاحتكام لراي الناس، وهو خيار سعى الثنائي همام سعيد وزكي بني ارشيد للتعبير عنه عبر ما اعلنه قادة الحزب بقولهم “ جماعة الاخوان المسلمين هي مكون سياسي في المجتمع، ولم يكن قرارها بعيداً عن الحديث مع كل شركائنا السياسيين “ وما قاله عبد المحسن العزام رئيس مجلس الشورى : ان القرار يعكس فشل الرهان على عزوفنا عن الحياة السياسية، مثلما يعكس الرغبة في تجاوز الازمة التي تمر بها الجماعة “ وحصيلة ذلك انه قرار حزبي سياسي بامتياز، يعكس رغبة “ الجماعة “ في فهم المعطيات السائدة والتكيف معها ومحاولة التخلص من تبعاتها عليهم، وعليهم وحدهم .

14/6/2016- الدستور

الاخبار العاجلة