عنصرية نتنياهو ووحدة الدم العربي

22 سبتمبر 2016آخر تحديث :
عنصرية نتنياهو ووحدة الدم العربي

بقلم: فايز رشيد عن القدس العربي

يحق للجميع الحديث عن العنصرية، إلا الصهاينة قديمهم وحديثهم، وعلى الأخص منهم بنيامين نتنياهو، وحتى ينفّس عن عنصريته البشعة، يُسقط ذلك، من خلال اتهام الآخرين بالعنصرية. ما أقدر نتنياهو، على الاتهام، فمثلا، كل من ينادون بوقف الاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، هم «عنصريون» ويدعون إلى «التطهير العرقي لليهود».

ولأن الفلسطينيين «عنصريون» من وجهة نظر رئيس الوزراء الصهيوني (الذي سبق وأن اتهم المرحوم الحاج أمين الحسيني، بأنه من حرّض هتلر على قتل اليهود)، فإن الطريقة الوحيدة لتخلي الفلسطينيين عن «عنصريتهم» يكون من خلال قبولهم بكل المستوطنات في أراضيهم، وعليهم الاعتراف «بيهودية إسرائيل»، كما القبول بكل احتياجات ومتطلبات الأمن الاسرائيلي. فمن وجهة نظر نتنياهو فإن اخلاء المستوطنين من الضفة الغربية، هو تطهير عرقي، أما الدولة التي مارست التطهير العرقي للفلسطينيين عام 1948، فهي «دولة إسرائيل الديمقراطية» (إقرأ كتاب إيلان بابيه، التطهير العرقي للفلسطينيين).

منذ ذلك العام وقبله بسنوات، لم تتوقف دولة الكيان عن ممارسة التطهير العرقي ضد شعبنا وأمتنا، ولم تتوان لحظة عن تنفيذ التطهيرات العرقية الصغيرة الممنهجة، في غور الأردن، في جنوب جبل الخليل، في معاليه أدوميم والنقب أيضا. هذه الدولة تسمي اخلاء المستوطنين تطهيرا عرقيا، تساوي بين الجلادين المعتدين في المناطق المحتلة وأبناء شعبنا الذين يتمسكون بأراضيهم وبيوتهم. أثبت نتنياهو من جديد أنه الممثل الأكثر صدقا للعنصرية الاسرائيلية، التي تقلب المفاهيم رأسا على عقب، إذ تقوم بتحويل الجلاد إلى ضحية، والمظلوم إلى قاتل.

غالبية الشارع الصهيو – إسرائيلي تشتري بضاعة نتنياهو الكاسدة، وهي تشكل 90% من الشارع الصهيوني. تركز إسرائيل على أن المستوطنين في غزة تحولوا إلى «مطرودين من أرض لهم» هكذا يصور الإعلام الصهيوني. يتحدثون حاليا عن أعمال العنف والاعتداءات على المستوطنين (الضحايا) في الضفة الغربية، حيث أن المستوطنات ليست فقط شرعية، بل سكانها ضحية، كما كل اليهود، الذين على مدى الدهور هم الضحايا، ودائما اليهود وفقط هم المظلومون. هذه هي إسرائيل، وهذا هو تزوير قادتها للحقائق.

إن عدد المستوطنين في الضفة الغربية ناف على مليون مستوطن. لقد احتلوا أراضي ليست لهم وبغطاء من كل حكومات الكيان. ومعارضة كل العالم وكل القوانين الدولية. لقد أقنعتهم حكوماتهم، أن مشروعهم الاستيطاني مبني على قاعدة البقاء الدائم. لقد قامت اسرائيل ومستوطنوها بسرقة أراض محظورة بغطاء من الجهاز القضائي، حسب القانون في الكيان. وحينما بدأوا في اسرائيل والعالم الاعتياد على هذا الواقع وقبوله، جاء نتنياهو ليتقدم خطوة أخرى في مسيرة العنصرية معتبرا أن المستوطنين هم الضحايا من الأصل، وليس الذين طردوا أو اقتلعوا من أراضيهم.

يقول نتنياهو بأن المستوطنات التي قامت ليست عقبة أمام تحقيق «السلام»، الذي هو في نظر نتنياهو ليس أكثر من استسلام الفلسطينيين والعرب لكل ما تطلبه وستطلبه إسرائيل منهم، مقابل أن «تتكرم» عليهم بحكم ذاتي منزوع السيادة في الأراضي المحتلة عام 1967. في الكيان لا يعترفون بكل ما اقترفوه في عام 1948 من مجازر وتطهير عرقي لأبناء شعبنا. الكيان مستمر في السياسة ذاتها، ويتكلم اللغة واللهجة الاستعلائية ذاتها، منذ ذلك الحين وإلى اللحظة سيظل الصهاينة يتكلمونها، ما بقيت إسرائيل موجودة.

الضحايا الحقيقيون في عرف نتنياهو، كما يقول في مؤلفه «مكان تحت الشمس» هم اليهود، و»أن الفلسطينيين لم يكونوا ضحايا أبدا، كانوا بضعة عشرات آلاف من البدو، منثورين في مناطق مختلفة من أرض إسرائيل، جاء أصحاب الأرض الحقيقيون، للسكن في أرضهم، وقاموا بنقل الحضارة إلى العرب الجهلاء في أرض اسرائيل التاريخية» هذا بالحرف ما يقوله نتنياهو. ولو جاز لي الاقتراح، لاقترحت أن يتم رفع اسم نتنياهو لموسوعة غينيس في الكذب وتزوير الحقائق.

هو لا يريد حل الدولتين، ولا يريد حل الدولة الديمقراطية الواحدة، ولا الأخرى الثنائية القومية. هو يريد أن يصحو يوما ويكون الفلسطينيون قد اختفوا تماما عن وجه البسيطة. نتنياهو لا يدرك أن شعبنا في الوطن والشتات ينوف عن 12 مليونا. هو لا يستوعب أنه لو سأل طفلا فلسطينيا مولودا في إحدى دول المهجر عن جنسيته، لأجاب: أنا فلسطيني، ويلحق الكلمة باسم قريته أو بلدته أو مدينته الفلسطينية. العنصريون وقحون لا يستوعبون هذه الحقائق، نقول لنتنياهو: لا تتآكل الحقوق بالتقادم، شعبنا سينال حقوقه كاملة غير منقوصة، شئت أم أبيت، طواعية أو غلابا.

على صعيد آخر، لم تكن جريمة جيش الاحتلال الصهيوني الجديدة التي اقترفها باغتيال الشهيد الشاب الاردني، ابن محافظة الكرك سعيد العمرو في منطقة باب العامود على أسوار القدس، سوى تأكيد على عمومية الخطر الصهيوني على الفلسطينيين والعرب أيضا. من جهة أخرى، الجريمة تؤكد على وحدة الدم العربي قدَرا ومصيرا، مهما حاولت قوى الظلام مجتمعة إغراق الشعوب العربية في الصراعات البينية، حتى في الدولة الواحدة. لقد شاركت في الدفاع عن فلسطين كل الجنسيات العربية بلا استثناء، أردنيين، عراقيين، مصريين، تونسيين ومغاربة وغيرهم. واستشهد العديدون منهم، وأسماء هؤلاء ستظل محفورة في الذاكرة الفلسطينية والعربية.

في القدس عاصمة دولتنا العتيدة، يوجد حي للإخوة المغاربة، كما سميّ أحد أبواب القدس باسمهم. في فلسطين عاش المسلمون والمسيحيون قرونا عديدة، وما يزالون بكل الأخوة والوئام والسلام. الشهداء العرب، رووا ارض فلسطين بدمائهم، دفاعا عن القدس والمقدسات في بيت المقدس والخليل وبيت لحم، كان ذلك وما يزال في جميع مراحل الصراع الفلسطيني العربي – الصهيوني.

الشهيد العمرو لم يكن إلا أعزل كما تؤكد شاهدة عيان وهي المحامية الفلسطينية، التي اتصلت بأهله في الكرك، لتنبأهم بحادث اغتياله، كان في طريقه إلى تأدية صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك، قتلته مجندة صهيونية بدم بارد، فلربما كان مزاجها في تلك اللحظة أن تقتل عربيا نؤكد على أن الجريمة تبرهن مجددا على مدى بشاعة العدو الصهيوني وعدم إنسانيته من جهة، كما على وحدة الشعبين الأردني والفلسطيني في الهموم القومية العربية، وعلى وحدة الدم والمصير بين الشعبين الشقيقين والأمة العربية على السواء. نعم، لقد فرش أبناء شعبنا مكان استشهاده بالزهور على مدى كل الأيام الماضية. نعم، أنت يا فلسطيننا البهية والأبية عامل توحيد كبير لأمتنا العربية الخالدة خلود الأزل.

الاخبار العاجلة