العلاقة الأميركية – الاسرائيلية في عهد أوباما

26 سبتمبر 2016آخر تحديث :
العلاقة الأميركية – الاسرائيلية في عهد أوباما

بقلم: محمد أبو لبدة – عن صحيفة القدس

يعتقد البعض بأن التوتر الذي ساد في بعض المراحل العلاقات الاميركية الاسرائيلية في عهد اوباما وتحديدا بين الرئيس الاميركي ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قد اثر على الدعم الاميركي اللامحدود لاسرائيل، غير ان هذا الاعتقاد تدحضه المعطيات والوقائع التي تتحدث عن نفسها.

فالدعم الاميركي لاسرائيل شهد في عهد اوباما انتعاشا غير مسبوق على كافة الاصعدة سواء على صعيد اللقاءات المتواصلة مع قادة اسرائيل او على صعيد الدعم العسكري او الاقتصادي او السياسي او الدبلوماسي او من حيث حرص الولايات المتحدة على ان تظل اسرائيل تتلقى نصيب الاسد من المساعدات الاميركية الخارجية، وذلك رغم الاهانات التي وجهها نتنياهو للرئيس اوباما في عقر داره اي عندما القى خطابا امام الكونغرس الاميركي دون علم اوباما وحرض فيه على الاتفاق مع ايران والذي ايده الرئيس الاميركي.

فعلى صعيد اللقاءات المتواصلة مع قادة اسرائيل، يكفي ما قاله وزير الخارجية الاميركي جون كيري لدى لقائه نتنياهو قبل ثلاثة ايام على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك حيث صرح كيري وبكل فخر واعتزاز بانه اكثر وزير خارجية اميركي التقى مع مسؤولين اسرائيليين وانه رغم ان ولايته على وشك الانتهاء الا ان التزامه حيال اسرائيل ومودته لها سيظلان دائما.

اما على صعيد الدعم المالي والعسكري الاميركي لاسرائيل فحدث ولا حرج. فوفقا لتقرير لمجلس الامن القومي الاميركي فان اسرائيل تلقت منذ عام ٢٠٠٩ من الولايات المتحدة وحتى عام ٢٠١٥ اكثر من ٥، ٢٠ مليار دولار، ناهيك عن المساعدات في المجال الامني التي قال التقرير عنها بأنها كانت اكبر من اي وقت مضى.

واشار التقرير الى مذكرة التفاهم التي جرى توقيعها عام ٢٠٠٨ بين الولايات المتحدة واسرائيل والتي نصت على ان تقدم امريكا مبلغ (٣٠) مليار دولار لاسرائيل خلال العشر سنوات التي تنتهي خلال الاشهر القريبة، وبين نفس التقرير ان مجلس الامن القومي طلب من الكونغرس مساعدات خارجية اضافية لاسرائيل بقيمة ١، ٣ مليار دولار عام ٢٠١٦.

اضف الى ذلك مذكرة التفاهم التي جرى توقيعها الشهر الجاري بين الولايات المتحدة واسرائيل والتي تنص على تقديم الولايات المتحدة لاسرائيل مبلغ ٣٨ مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة، والتي تعتبر اكبر صفقة مساعدات عسكرية اميركية لاسرائيل.

وبحسب مسؤولين اميركيين فإن الولايات المتحدة تقدم من خلال مذكرة التفاهم رزمة مساعدات عسكرية غير مسبوقة لاسرائيل خلال السنوات العشر القادمة وتعد الاكبر لمثل هذا النوع من الصفقات في التاريخ الاميركي.

وقالت الخارجية الاميركية في بيان موجز ان مذكرة التفاهم الجديدة مع اسرائيل بشأن المساعدات الامنية تغطي الفترة من ٢٠١٩ الى ٢٠٢٨ وتشكل اكبر تعهد منفرد بتقديم مساعدات عسكرية ثنائية مع بلد آخر في التاريخ الاميركي.

ووفقا لمسؤولين اميركيين فإن رزمة المساعدات الاميركية الجديدة لاسرائيل ستخصص لاول مرة مبلغ ٥٠٠ مليون دولار سنويا لبرامج الدفاع الصاروخي الاسرائيلية التي كانت تمول في السابق عبر الكونغرس الاميركي الذي ينظر في تجديدها كل عام.

وقد سعى الرئيس اوباما الى عقد هذه الصفقة قبل مغادرته البيت الابيض بهدف تقويض الانتقادات بأن ادارته لم تدعم حليفتها الاستراتيجية الرئيسة في الشرق الاوسط.

يضاف الى كل ذلك ان الرئيس اوباما قدم لاسرائيل قرابة ٣ مليارات دولار لبناء منظومة دفاع صاروخية اضافة الى ١،٣ مليار دولار دفعتها الحكومة الاميركية منذ عام ٢٠١١ لبناء منظومة القبة الحديدية وحدها وكان من ضمنها مبلغ ٢٢٥ مليون دولار كمساعدات عاجلة في صيف ٢٠١٤ اثناء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة.

ورغم كل ذلك الدعم فإن المفارقة العجيبة ان نتنياهو تصرف خلال الفترة الماضية وكأنه يسدي معروفا للرئيس اوباما بموافقته على مبلغ ٣٨ مليار دولار على مدى الاعوام العشرة القادمة، على اعتبار انه ظل يؤكد ان تل ابيب تستحق دعما اكبر بعد ان وقعت الولايات المتحدة على الاتفاق النووي مع ايران، اما على صعيد الدعم السياسي والدبلوماسي الاميركي لاسرائيل فقد عارضت الولايات المتحدة الاميركية منذ ولايتي اوباما اكثر من ١٨ قرارا في الجمعية العامة للامم المتحدة تدين اسرائيل. وفي خمس مناسبات كانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تعارض اجراءات ضد اسرائيل في مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة.

كما شاركت الولايات المتحدة اسرائيل والاتحاد الاوروبي في تنظيم جلسة للجمعية العمومية للامم المتحدة حول ما يسمى العداء للسامية كانت الاولى من نوعها منذ تأسيس الامم المتحدة، هذا الى جانب الفيتو الاميركي في مجلس الامن ضد اي مشروع قرار يدين اسرائيل سواء على صعيد الاستيطان الذي تزعم امريكا بانها ضده او على صعيد الانتهاكات الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني المحتل.

اما في المجال الاقتصادي فقد بين تقرير مجلس الامن القومي الاميركي معطيات مذهلة حيث ان صادرات البضائع الاميركية لاسرائيل بلغت ١٥,١ مليار دولار عام ٢٠١٤ بزيادة ٦٤٪ عن عام ٢٠٠٤ وزيادة بنسبة ٥،٨٧٪ عن عام ١٩٨٤م. فيما بلغت قيمة ما تستورده الولايات المتحدة من اسرائيل ٢٣,١ مليار دولار عام ٢٠١٤ بزيادة نسبتها ٥٨٪ عن عام ٢٠٠٤ وزيادة بنسبة ١٢،٤٪ عن عام ١٩٨٤م.

وفي عهد الرئيس اوباما قدمت الولايات المتحدة لاسرائيل ١٤٠ مليون دولار خلال الاعوام الستة الماضية للمساهمة في نقل المهاجرين اليهود من انحاء العالم الى اسرائيل وتوفير مأوى لهم على حساب بقاء الشعب الفلسطيني في الشتات وفي مخيمات اللجوء غير الانسانية وكذلك تعليمهم اللغة العبرية ضمن برامج مكثفة.

ان منح اسرائيل هذا القدر من الدعم الاميركي، في ظل وجود حكومة نتنياهو التي تعد اكثر الحكومات اليمينية تطرفا وعنصرية في تاريخ اسرائيل والتي تتحدى في كل يوم وساعة الادارة الاميركية وتخل بالاتفاقات معها، لا سيما في كل ما يتعلق بتجميد الاستيطان السرطاني في الاراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية يعني ان اوباما يغري هذه الحكومة بمواصلة تطبيق خطها الايديولوجي المتطرف.

كما ان اوباما يقول من خلال هذا الدعم غير المسبوق لاسرائيل بأنه بإمكانها مواصلة حسم مصير الاراضي الفلسطينية المحتلة بحيث يكون معه الحديث عن اية امكانية لتسوية الصراع بالوسائل السياسية، وعن حل الدولتين لشعبين مجرد ذر للرماد في العيون ولارضاء بعض الدول العربية التي تدور في الفلك الاميركي وتعتقد بأنها حليفة وصديقة للولايات المتحدة.

يشار هنا الى ان الولايات المتحدة الاميركية ذاتها اقرت بأن الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية قد زاد في عهد ادارة اوباما بشكل كبير وفاقت وتيرة البناء في المستوطنات اثناء عهد الرئيس بوش، حيث ازداد عدد المستوطنين في الضفة والقدس الشرقية بحوالي ٩٥ الفا بينهم ١٦ الفا في العام الاخير.

فإذا كان هذا الدعم المقدم لاسرائيل في عهد اوباما والذي فاق كل انواع الدعم الذي قدمته الادارات الاميركية السابقة لدولة الاحتلال، فإن رهان البعض العربي والفلسطيني على هذا الرئيس الذي يبدي من حلاوة اللسان الكلام المعسول والذي اهانه نتنياهو اكثر من مرة هو رهان خاسر بكل المقاييس وما بال هذه الدول والبعض الفلسطيني في حال وصول احد المرشحين للرئاسة الاميركية للسلطة والذين يتسابقان في تقديم الولاء لاسرائيل وللوبي اليهودي في الولايات المتحدة لنيل اصوات اليهود الاميركيين.

ان على الفلسطينيين والعرب والمسلمين الاعتماد على الذات والرهان على الشعوب صانعة التاريخ والانتصارات وليس التعويل على هذا الرئيس الاميركي او ذاك، فالولاء الاميركي لاسرائيل مطلق ولن يتغير الا اذا اصبح الفلسطينيون ومن خلفهم امتدادهم العربي والاسلامي لهم من القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية ما يؤهلهم لتغيير المعادلات القائمة حاليا والتي تنذرهم بأوخم العواقب اذا ما بقوا على هذا الحال من الحروب الداخلية واللهاث وراء سراب الحلول التي هي في مجملها استسلامية لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تحقق الحد الادنى من حقوق شعبنا الوطنية الثابتة وغير القابلة للتصرف.

فهل يعمل الفلسطينيون والعرب والمسلمون على الخروج من اوضاعهم الراهنة المزرية ام سيبقوا على هامش التاريخ؟

 

 

الاخبار العاجلة