رياح الفدائيين تهب مجددا في “خمسينية سينما الثورة الفلسطينية”

11 ديسمبر 2019آخر تحديث :
رياح الفدائيين تهب مجددا في “خمسينية سينما الثورة الفلسطينية”

يامن نوباني

هم الذين وثقوا اللقطة، وحفظوا اللحظة، فعاش المشهد، آلام شعبهم، مقاوميه، التشرد واللجوء وبرد الخيمة، الأشبال المقاتلين في معسكرات التدريب، الأمهات وهن يودعن الأبناء الذين حملوا السلاح وساروا صوب فلسطين، الطائرات المعادية وهي تلقي الموت على المخيمات وقواعد الفدائيين.

لم يكونوا مصورين فقط، بل شهداء، بعدما رصدت طائرات الاحتلال وبنادق قناصيه وعبواته المتفجرة، كاميراتهم، وهي تنقل حكاية الشعب الفلسطيني، وتبثها للعالم، عبر أفلام تسجيلية ووثائقية، فارتقى من مؤسسة السينما المصورين: هاني جوهرية بتاريخ 11-4-1976، وعبد الحافظ الأسمر بتاريخ 15-3-1978، وابراهيم مصطفى ناصر بتاريخ 15-3-1978، واستشهدوا جميعا في لبنان.

تعيدنا فعاليات خمسينية الثورة، التي انطلقت أمس، إلى كل الذين عملوا في أحلك الظروف، من أجل أن تظل صورتنا وحكايتنا، وكان أبرزهم الراحل المخرج الفلسطيني مصطفى أبو علي، الذي مر على رحيله عن عالمنا عشرة أعوام.

وتشمل الفعاليات التي تستمر لأربعة أيام، عرض عشرة أفلام تم انتاجها في ستينات وسبعينات القرن الماض، وهي:

-فيلم: (بالروح بالدم)، للمخرج مصطفى أبو علي، المدة 35 دقيقة، وتم تصويره أثناء أحداث أيلول في الأردن عام 1970، وقام بتصويره المصور السينمائي الشهيد هاني جوهرية، ويشمل الفيلم أيضا لقطات عن نشاطات العمل الفدائي في الأردن.

-فيلم: (ليس لهم وجود) إخراج مصطفى أبو علي، المدة 24 دقيقة، ويتمحور الفيلم على قصف وتدمير معظم أجزاء مخيم النبطية للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، وقصة طفلة ترسل هدية بسيطة إلى فدائي يعيش في قاعدة عسكرية.

عنوان الفيلم إشارة إلى مقولة رئيسة وزراء الاحتلال غولدا مائير، بعدم وجود شعب فلسطيني، والفكرة هنا، إذا كان الشعب الفلسطيني غير موجود، فمن هؤلاء الذين يقصفونهم بالطائرات؟ أم أنهم يقصفون اشباح؟

-فيلم: (عدوان صهيوني) اخراج مصطفى أبو علي، المدة: 22 دقيقة. تم تصويره في قريتين في جنوب لبنان بعد قصف الطائرات الاسرائيلية على مدى يومين، والذي أصاب مجموعة من الاطفال في حضانة، جميعهم دون سن الخامسة.

-فيلم: (مشاهد من الاحتلال) اخراج مصطفى أبو علي، المدة: 12 دقيقة. يقدم الفيلم مشاهد من اجراءات الاحتلال الاسرائيلي القمعية ضد الفلسطينيين، ويستعرض نماذج من المقاومة الفلسطينية للاحتلال.

-فيلم: (فلسطين في العين.. هاني جوهرية شهيد السينما النضالية) اخراج مصطفى ابو علي، المدة: 27 دقيقة. والفيلم تحية وتكريم لهاني من صديقه أبو علي، ويستعرض قدر كبير من أعمال جوهرية، حتى آخر خمس لقطات قام بتصويرها قبل استشهاده.

-فيلم: (تحت الأنقاض)، اخراج شمعون ومي مصري، المدة: 40 دقيقة. ويرصد حالة الرعب والصمود التي عاشها المدنيون خلال حصار بيروت لمدة ثلاثة وثمانين يوما.

-فيلم: (أطفال ولكن) اخراج: خديجة الحباشنة، المدة: 22 دقيقة، ويقوم على المفارقة الواقعة بين حياة الأطفال الفلسطينيين اللاجئين في المخيمات الفلسطينية وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويتناول أطفال من مخيم تل الزعتر الذين فقدوا أهاليهم أثناء حصار وتدمير المخيم سنة 1976.

-فيلم: (حرب لبنان)، من انتاج مؤسسة السينما الفلسطينية 1977، ويتحدث حول الحرب الأهلية في لبنان، كيف بدأت وتطورت، وما هي أسبابها؟

-فيلم: (رؤى فلسطينية)، اخراج: عدنان مدانات، المدة: 30 دقيقة. ويتناول حياة وأعمال الفنان الفلسطيني ابراهيم غانم، رساما وعازفا ومنشدا، وحياة الشعب الفلسطيني في لوحات فنية تصور العمل الزراعي في الحقول وقطف الزيتون والبيادر والمطحنة وجني ثمار الليمون والبرتقال والزواج والجنة والزفة والدبكة والاغاني الشعبية.

-فيلم (تل الزعتر)، إخراج مصطفى أبو علي، بينو ادريانو، جان شمعون، سنة 1977، ويحكي أحداث معركة مخيم تل الزعتر والصمود البطولي، من خلال الوثائق السينمائية وشهادات الناجين، الذين قاموا وصمدوا، حتى سقوط آخر موقع، آخر حنفية ماء داخل المخيم، انسحاب المقاتلين نحول الجبل، خروج المدنيين بتاريخ 12-8-1976.

فيلم: (أنشودة الأحرار) وهو اخراج جان شمعون، المدة: 30 دقيقة. وهو تحية لحركات التحرر في القارات الثلاث، صور بمناسبة مهرجان هافانا العالمي للشبيبة والطلبة سنة 1978.

من هو مصطفى أبو علي..

ولد مصطفي أبو علي في قرية المالحة بالقدس عام 1940، ولجأت عائلته عام 1948 إلى بيت جالا حيث أقاموا فيها أسبوعين، انتقلوا بعدها إلى بيت لحم وعاشوا فيها حتى عام 1952، حتى وجد والده عملا في عمّان فانتقلوا إليها.

توجه عام 1958 إلى بيروت، ودرس موضوع الصحة العامة في الجامعة الأميركية لمدة عام واحد انتقل بعدها إلى السعودية ليعمل في شركة “أرامكو”، وفي عام 1961 رحل إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد حصوله على منحة لدراسة الهندسة في جامعة بيركلي فدرس الموضوع لمدة ثلاث سنوات ونصف لكنه ترك دراسة الهندسة ليلتحق بالمعهد الموسيقي للمحترفين في سان فرانسيسكو الذي درس فيه لمدة عام قبل أن يتركه لعدم إمكانيته سداد تكاليف التعليم.

حصل عام 1966 على منحة من وزارة الإعلام الأردنية لدراسة السينما في مدرسة لندن لتقنيّات الفيلم في بريطانيا وتخرج منها عام 1967. فعاد إلى الأردن ليعمل في دائرة السينما في وزارة الإعلام الأردنية وخلال عمله هناك أخرج فيلما بعنوان “الحق الفلسطيني”، إلا أن موضوع الفيلم الحساس سياسيا منع توزيعه.

وفي عام 1968 نجحت سلاف جاد الله، بفضل علاقاتها مع قيادات “فتح”، بمشاركة مصطفى أبو علي وهاني جوهرية بتأسيس قسم التصوير الفوتوغرافي التابع لحركة فتح وكان مقره في عمان. كان هدف قسم التصوير الرسمي، كما صاغه أحد قياديي فتح، توثيق الأحداث المتعلقة بالثورة الفلسطينية وتقديم الخدمات للصحافة، واعتبر أنه من المبكر لأوانه البدء بالتصوير السينمائي. رغم ذلك فقد كان مصطفى أبو علي يستعير من مكان عمله كاميرا 16 ملم وأفلام تصوير ليقوم هو وهاني جوهرية بتوثيق الأحداث من اجتماعات ومظاهرات ونشاطات اجتماعية وسياسية، وبذلك بدأت وحدة السينما داخل قسم التصوير وقد أعيد تسمية هذه الوحدة لاحقا بوحدة أفلام فلسطين.

عام 1969 قام مصطفى أبو علي وهاني جوهرية بتصوير مظاهرات الفلسطينيين في الأردن المعارضة لمبادرة روجرز وقاما بتسجيل مقابلات مع بعض المتظاهرين ومعارضي المبادرة. بعد تجميع المواد ووضع الإطار العام للفكرة تمت الاستعانة بصلاح أبو هنود في الإخراج. وكانت النتيجة فيلم “لا للحل السلمي” وهو فيلم تسجيلي مدته 20 دقيقة يعتبر أول أفلام الثورة الفلسطينية السينمائية. ينسب هذا الفيلم عادة إلى مصطفى أبو علي إلا أنه في الحقيقة عمل مشترك مع هاني جوهرية وصلاح أبو هنود وآخرون.

في بيروت ساهم بتأسيس جماعة السينما الفلسطينية التي انضمت لمؤسسة الأبحاث الفلسطينية، وأنتجت هذه المجموعة فيلما واحدا هو مشاهد من الاحتلال في غزة عام 1973 من إخراج مصطفى أبو علي قبل أن تتفكك الجماعة في ذلك العام. لكن أبو علي استمر بالعمل في إطار مؤسسة السينما الفلسطينية التابعة للإعلام الموحد لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقد شغل منصب رئيس هذه المؤسسة حتى عام 1980.

بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982 انتقل إلى سوريا، وقضى ستة أشهر حتى منحته السلطات الأردنية تأشيرة دخول إلى أراضيها، في الأردن أسس عام 1984 مؤسسة “بيسان للسينما” التي شغل رئاستها والإشراف على إنتاجها، وبعد اتفاقيات أوسلو عاد إلى الأراضي الفلسطينية وقام عام 2004 بإعادة تأسيس جماعة السينما الفلسطينية..

توفي يوم الجمعة 30 تموز/يوليو 2009 اثر مرض عضال.

الاخبار العاجلة