أمة تفقد بوصلتها ومشروعها تفقد مستقبلها

7 أكتوبر 2016آخر تحديث :
أمة تفقد بوصلتها ومشروعها تفقد مستقبلها
بقلم: باسم برهوم
مضى ثلاثة وأربعون عاماً على حرب أكتوبر 1973، وهي الحرب التي شكلت من وجهة نظري، آخر محطة في المشروع القومي العربي، بعدها تدهورت حالة الأمة وسارت نحو التقهقر. هذا التدهور والتقهقر الذي وصل اليوم إلى درجة من التمزق، الأمر الذي يُهدد وجود العرب كأمة، صحيح أن هناك ظروف موضوعية ومتغيرات دولية ساهمت في ذلك، إلا أن السبب الرئيسي لتدهور العرب هو انحرافهم بالأساس عن بوصلتهم القومية، والمقصود هنا فلسطين، وأيضاً تلاشي مشروعهم القومي التحرري الوحدوي.
أهمية حرب أكتوبر ليست بالمباغتة والمفاجئة، التي فاجأ بها الجيشان المصري والسوري اسرائيل، بالرُغم من أهمية ذلك، ولا لكون الحرب قد كسرت احتكار قرار الحرب وحطمت مقولة “الجيش الاسرائيلي.. الجيش الذي لا يُقهر”، ولا بسبب ما أفرزته من نتائج عسكرية وسياسية حققت في حينه نوعاً من التوازن مع اسرائيل، أهمية الحرب هي بالأساس في كونها قراراً عربياً لمحاربة اسرائيل، ولكون هذا القرار كان تعبيرا عن إرادة عربية حُرة ومستقلة. السؤال الآن، أين هي تلك الأمة؟ وأين هي ارادتها الحرة القادرة على اتخاذ مثل هكذا قرار؟.
عندما اسقط النظام العربي هدف تحرير فلسطين ولم تعد قضية فلسطين قضيته الأولى، وعندما تخلو عن مشروعه القومي من تطلعات شعوب الأمة العربية نحو الوحدة والتضامن، أفقد الأمة مبرر وجودها كأمة قادرة على التطور ولها مستقبل بين الأمم الأخرى. وبعيداً عن المبالغة التي قد تهمل أن خارطة سايكس – بيكو الاستعمارية هي ما صنع العالم العربي بشكله المعاصر، إلا أنه مع ذلك برزت الدولة الوطنية القطرية، دون أن يفقد المشروع القومي زخمه، هذا المشروع الذي صممه وهندسه وقاده في تلك المرحلة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. مشروع ناصر كان وحدوياً تنموياً ونهضوياً في آن معاً، كان الاختلاف داخل المشروع يدور في حينه على أيهما له الأولوية الوحدة ام تحرير فلسطين ولم يكن أحد يختلف على أهمية وترابط الهدفين.
من دون شك أن الظروف الدولية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية قد ساعدت على بروز هذا المشروع القومي وبلورته، فقد اتاحت الحرب الباردة، التي انقسم فيها العالم الى مُعسكرين متنافسين أحدهما رأسمالي والآخر اشتراكي، هامشاً للأمة العربية للتعبير عن ذاتها وهويتها بشكل مُستقل، وبالرغم من أهمية العامل سابق الذكر، فإن حالة النهوض، حالة كانت الأمة تبحث خلالها عن هويتها القومية وتحاول صياغتها من جديد على أسرر تحررية وعصرية. أمة تحاول البحث عن مكانة حضارية ودور على الساحة الدولية، هو الاساس في تشكيل المشروع القومي.
 وتركيز هذا المشروع على تحرير فلسطين، لأنه بدون هذا التحرير كان الاعتقاد السائد أنه لن تقوم للامة العربية قائمة، وهو اعتقاد اثبتت الايام صحته؟ ولا بد من الإشارة هنا، وبهدف معرفة مدى أهمية البوصلة والمشروع، فقد كان العرب في تلك المرحلة منقسمون بين ما أُطلق عليهم “رجعيون محافظون” وبين ما أُطلق عليهم “تقدميون ثوريون” إلا أن هؤلاء جميعاً اتحدوا وتضامنوا في قرار حرب أكتوبر، فالملك السعودي فيصل، الذي قرر استخدام سلاح النفط ووقف تصديره للغرب دعماً لمصر وسوريا في حربهما على اسرائيل، فالعرب رغم انقسامهم بين “رجعيين” و”تقدميين” الا انهم كانوا ملتفين حول فلسطين وفي العداء لإسرائيل. كما انهم كانوا ملتفين ضميرياً حول شعار الوحدة الذي كان يأسر ألبابهم وعقولهم.
مشهد الأمة العربية اليوم قاتم، ويبدو معه أن أي محاولة للإنقاذ تكاد تكون شبه مستحيلة، وكان إذا ما استعادت الأمة بوصلتها ومشروعها، فإن الإمكانية لا تزال قائمة..
الاخبار العاجلة