اتركوا لنا ما نعتز به…لا تتطاولوا على قضائنا

8 أكتوبر 2016آخر تحديث :
اتركوا لنا ما نعتز به…لا تتطاولوا على قضائنا

صادق الشافعي

2016-10-08

لم يظهر الانقسام الفلسطيني بأبشع مما ظهر عليه في الأسبوع الماضي، حين طال القضاء الفلسطيني ممثلا بأعلى درجاته “محكمة العدل العليا”، جاء ذلك بمناسبة القرار الذي أصدرته المحكمة بإجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية دون قطاع غزة.
 جاء التطاول فظاً ومعيباً ومحبطاً ومتسرعاً، يكيل الاتهام بلا تمعن او تفكير، وكأنّ من قام بالتطاول كان متربصاً وجاهزاً ليقول ما قال، بل ويصح الشك انه كان منتظراً لقرار المحكمة ويتوقعه لأنه سعى له ووفر مبرراته.
اكثر أوصاف التطاول على محكمة العدل العليا من مدخل قرارها المذكور كانت أن قرارها جاء “مسيساً” أو “تسييساً للقضاء” وأنه محكوم لإرادة تنظيم بعينه، وأنه يعمق الانقسام. لكن البعض ذهب بوصف القرار بأبعد من ذلك بكثير، من نوع وصف أحدهم ( أحمد بحر) له “بأنه مسيس وأكبر دعم للاحتلال الصهيوني، وفاقد الشرعية القانونية والأخلاقية والوطنية ويخالف مقتضيات المصلحة الوطنية العليا لشعبنا وقضيتنا …”. يا لطيف.
الا يقترب هذا الوصف من درجة الخيانة الوطنية؟
ثم ألا يزال الانقسام لم يتعمق بعد عشر سنين عجاف وصل خلالها بتعبيراته المختلفة، وبما فيها التشريعية والقانونية، الى أبواب الانقسام الكياني، يدقها ليفتحها نهائياً؟. وللإنصاف فان هذا الكلام عن التطاول، لا يلغي مواقف قليلة تعاطت مع قرار المحكمة بشكل موضوعي وواقعي  ومسؤول (الجبهة الشعبية مثلا).
بعد محكمة العدل العليا ماذا يبقى لنا من حائط للعدالة نستند اليه؟ وماذا يبقى لنا من خيوط عنكبوتية تجمع بين أشلائنا؟
هل يعقل ان يكون التطاول عادلا وموضوعيا على محكمة العدل العليا وهي التي أبطلت في كانون الأول 2015 مرسوماً رئاسياً بتعيين المستشار علي مهنا رئيساً لمحكمة العدل العليا ولمجلس القضاء الأعلى لأن التعيين لم يتم بتنسيب من مجلس القضاء الأعلى؟ وانها بذلك تكون قد قررت عدم قانونية مرسوم الرئيس.
أليس في هذا الموقف مفخرة لها ومفخرة للنظام القضائي وتأكيدا على نزاهتها وقانونية وجرأة أحكامها؟ أو ليس في مثل هذا الموقف ما يضعف أو ينفي الشكوك حول إمكانية انحيازها او انحكامها لإرادة أي جهة.
خصوصاً وان حكمها المذكور لاقى التزاما فورياً معلناً من المستشار علي مهنا نفسه، ولاقى إشادة وافتخاراً من مستشار الرئيس، وان الرئيس بالنتيجة قام  وبناء على تنسيب من مجلس القضاء الأعلى بتعيين المستشار سامي صرصور خلفاً للمستشار علي مهنا.
قرار المحكمة لم يأت تبرعاً ومبادرة منحازة منها،  بل نتيجة لقيامها بمسؤوليتها بالنظر في  طعون قانونية تقدم بها عدد من المحامين. وكانت الحيثية الأساسية وراء قرارها قصر الانتخابات على الضفة الغربية، ان الجهاز القضائي في القطاع، وهو المناط به مسؤولية القضاء والحكم  في اي شكوى او طعن في انتخابات محليات القطاع حسب ميثاق الشرف الموقع من الفصائل الفلسطينية، غير خاضع للجهاز القضائي  الفلسطيني المركزي.
وقرار المحكمة المذكور، أجّل الانتخابات في غزة الى حين حدوث تغيير يسمح بضم الجهاز القضائي في القطاع وتوحيده مع الجهاز القضائي في الضفة في إطار الجهاز القضائي المركزي.
الذين تسرعوا في التطاول على محكمة العدل العليا وقرارها لم ينتبهوا الى جزئية التأجيل في القرار واستهدافها.
ولا هم انتظروا رأي لجنة الانتخابات المركزية التي بعد اجتماع سريع لها بكامل أعضائها وبعد ان أكدت احترامها لقرار محكمة العدل العليا، فإنها أوصت في رسالة بعثتها الى الرئيس “بتأجيل إجراء الانتخابات المحلية لمدة ستة أشهر، بحيث يتم خلالها ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، ومعالجة الأنظمة والقوانين ذات الصلة بما يخدم المصلحة العليا للشعب الفلسطيني”. والهدف في خلفية وديباجة التوصية هو الوصول خلال الفترة المذكورة الى توفير المتطلبات التي تمكن من إجراء الانتخابات في الضفة والقطاع معا.
 بهذه التوصية عبرت لجنة الانتخابات المركزية بشكل وطني موضوعي ومسؤول عن موقف كل الناس الوطنيين الحريصين فعلا على وحدة الصف الفلسطيني ووحدة الأداء على قواعد قانونية سليمة وموحدة. فلا يوجد وطني فلسطيني حقيقي واحد، متحرر من الهوى والغرض، يقبل بان يأخذ الانقسام تعبيرا جديدا بهذه الخطورة، وان يفرح ويرحب بإجراء الانتخابات بقسم من الوطن دون الآخر.
وجاءت استجابة الحكومة شبه فورية بقرارها الذي اتخذته بالتوافق مع الرئيس- كما أعلنت- بتأجيل الانتخابات كلها لمدة أربعة اشهر لمحاولة الوصول الى نفس ما دعا له قرار المحكمة وتوصية لجنة الانتخابات المركزية.
الأمل ان لا تترك توصية لجنة الانتخابات وقرار الحكومة حجة لأي موقف سلبي من التأجيل، والأمل ان ينخرط الكل بشكل جدي مخلص ومتجرد بالمساهمة لإنجاز ما هو مطلوب لإجراء الانتخابات في التوقيت المحدد وان يتجه الكل نحو إنجاح تجربة الانتخابات المحلية والمشاركة الديمقراطية فيها.
يلاحظ ان المشكلة، أظهرت في احد جوانبها ان التنظيمات حين وقعت على ميثاق الشرف لم تنتبه كما يجب للجانب القانوني، ولوحدة النظام القضائي ووجوب خضوع القضاء في القطاع للجهاز القضائي المركزي. ربما جاء ذلك لضعف الخبرة القانونية عند البعض، واستجابة لهوى وغرض خاصين في نفس بعض آخر.
ويلاحظ أيضاً ان المشكلة سمحت بتسرب رائحة (غزة –  الضفة/ الضفة – غزة) من بين شقوق وفواصل الكلمات والتعابير وربما الملامح في أقوال ومناقشات وتصريحات البعض، وهي رائحة كريهة ومرفوضة بتاتا وتماما من الكل الفلسطيني الرافض لكل انقسام سياسي وإداري، فما بالك بالانقسام المجتمعي. هذه الرائحة – ونرجو ان لا تكون حقيقية وجدية- لن تجلب لصاحبها الا  الفشل والخسارة.

ج الايام الفلسطينية

الاخبار العاجلة