الطيب عبد الرحيم .. رحيل في الوقت الصعب

19 مارس 2020آخر تحديث :
الطيب عبد الرحيم .. رحيل في الوقت الصعب

يامن نوباني

رحل عن عالمنا أمس الأربعاء، الثامن عشر من آذار 2020، في مدينة القاهرة، القائد الوطني الطيب عبد الرحيم محمود، بعد حياة ومسيرة نضالية مميزة، استمرت لأكثر من خمسين عاما، أمضاها متنقلا بين قواعد الثورة والمراكز الوطنية الحساسة والمهمة.

انضم الطيب في وقت مبكر من حياته إلى حركة “فتح” في منتصف ستينيات القرن الماضي، ليكون من أوائل المؤسسين والفاعلين بقوة في تشكيل الحركة وقراراتها، لينخرط لاحقا وحتى يوم وفاته، في العمل السياسي والدبلوماسي الفلسطيني في دول عديدة شكلت داعما مهما للثورة الفلسطينية لحظة انطلاقها.

رئيس اللجنة السياسية في المجلس الوطني، عضو المجلس الاستشاري لحركة “فتح” خالد مسمار، روى لفتح ذكرياته مع الراحل الطيب: تعرفت على الطيب عندما كنا طلابا في جامعة الأزهر في ستينيات القرن الماضي، وكانت حياتنا كطلاب فلسطينيين متشابهة، نبحث في كيفية تحرير فلسطين.

وأضاف: كنا نعول على الجيوش العربية، لكنها هزمت في حزيران 1967، فكان لا بد من عمل شيء ما، فسمعنا بحركة فتح وعملياتها التي بدأت بسرية تامة، وقلنا: ما حك جلدك مثل ظفرك. سبقني الطيب في الالتحاق ب”فتح”، وبدأنا عملية تنظيم داخل المدينة الجامعية في الأزهر، لاحقا وبعد الانتصار العظيم للفدائيين الفلسطينيين وأبطال الجيش الأردني في معركة الكرامة، قلنا: لا بد أن يكون هناك ناطق رسمي باسم فتح، فأعلنت الحركة الراحل أبو عمار ناطقا باسمها وهكذا أصبح العمل الفدائي علنيا، وأصبحت أسماء قادة فتح علنية، وشعرنا أننا لسنا تحت الأرض.

وتابع: دعا القائد جمال عبد الناصر أبو عمار لزيارة القاهرة والالتقاء بالجنود المصريين، وأن يشرح لهم كيفية مقاومة الدبابات بقذائف الآر بي جي، وهو سلاح لم يكن متعارف عليه يومها في الجيش المصري، فشرح لهم أبو عمار كيف كان يقوم الفدائي بتدمير الدبابة الاسرائيلية بالآر بي جي عن بعد خمسة أمتار فقط.

وبين: القيادة الفلسطينية طلبت من عبد الناصر أن يكون هناك اعلام رسمي من أرض القاهرة، فاتفق الجميع على إنشاء اذاعة الثورة الفلسطينية، كنت فيها، وكان معي الطيب وعدد من الزملاء الفتحاويين، فأصبحت والطيب زملاء في العمل الإعلامي الفلسطيني الذي كان له صدى قوي في فلسطين والعالم العربي.

وقال: انطلق “صوت منظمة التحرير الفلسطينية” من القاهرة عام 1968، أصبح عملنا الاعلامي متوازيا مع العمل الفدائي على الأرض، وكان فيها الأخوة: فؤاد ياسين أبو صخر، يحيى العمري، عبد الشكور التوتنجي، ثم التحق بنا: يحيى رباح وزياد عبد الفتاح وعارف سليم وعبد الله حجازي وعبد المجيد فرعوني، والكثيرين من أبطال العمل الاعلامي الفدائي.

وبين: بدأت برامج الاذاعة تتوالى لتساند معارك الفدائيين، وكان الطيب يقدم برنامج “خبر وتعليق” الذي كان يعده ويقدمه بنفسه بين أعوام 1969-1971، يكتب خبرا ثم يكتب تعليقا تهكميا عليه.

وتابع: للطيب من اسمه نصيب، فقد كان طيباً مع الجميع، حتى حين كان يغضب، سريعا ما يعاود للرضا والمصالحة، مثقفا واعلاميا واعيا، يتابع الأخبار باستمرار ويقوم بالتعليق عليها.

وأضاف: كانت القاهرة أحب المدن إليه، لذا اختار الله موته فيها، كما أحب عمان والعمل بها. وعملنا فيها سويا، وحين تم “إعادة الانتشار” وتسلمت السلطة الوطنية المدن، كلفه ابو عمار (الذي كان يعتبر الطيب ابنا له) بتسلم مدينة نابلس، وهي مدينتي، فطلبت منه أن أكون معه في نابلس.

أما عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي، أكد لـ”وفا”: أن الراحل الطيب، شكل أحد أهم قواعد ثورتنا الفلسطينية المعاصرة، باعتباره ابن القائد الشهيد عبد الرحيم محمود وباعتباره دورات عسكرية في الصين والتي استلم فيها مفوضا سياسيا ونجح نجاحا كبيرا.

وأضاف زكي: شغل الطيب محطات هامة، فكان سفيرا لدى الدول العظمى مثل يوغوسلافيا والصين ومصر، وكان دائما حاضرا في البيت الذي تتخذ منه القرارات الكبيرة والمصيرية، حضر في بيت الرئيس الراحل ياسر عرفات، وحضر في بيت الرئيس محمود عباس.

وختم: خسرنا الطيب في هذا الظرف الصعب، وهي بمثابة خسارة كبيرة لرجل ذو ثقافة عالية ورؤية وشجاعة.

أمين عام اتحاد الكتاب الفلسطيني مراد السوداني، قال: الأخ الكبير، الطيب عبد الرحيم، وداعاً. حزني عليه كبير لفقد اسم عالٍ ومثقف ووازن من أسماء فلسطين. حزني عليه مُر وعميق وهو المنحاز للثقافة والوعي وللإعلام، وهو واحد من ثلاثة في صوت فلسطين، صوت الثورة الفلسطينية، كان إذا أشار ابلغ، وإذا استشار استمع.

وأضاف السوداني: الطيب أسند جيلنا وعول عليه، تسللت لقرية الشجرة التي سقط فيها والده الشاعر الفارس عبد الرحيم محمود، وحملت معي ثلاثة أحجار، حجر باسم الشهيد عبد الرحيم محمود، وحجر باسم الشهيد ناجي العلي، وحجر باسم حادي الثورة أبو عرب، شرقت عينا الطيب بالدمع وقال: بالله أعطيني حجر والدي. ووضعه في مكتبه بمقر الرئاسة.

بدوره، قال الروائي يحيى يخلف: خبر صادم، رحيل القائد الوطني التاريخي، الطيب عبد الرحيم محمود. الطيب من جيل العمالقة الذين بنوا مداميك الثورة.

ولد الطيب عبد الرحيم في بلدة عنبتا بطولكرم عام 1944 لعائلة فلسطينية، والده المناضل والشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود والذي استشهد وهو يقود الثوار دفاعا عن قرية الشجرة. كان الطيب عبد الرحيم من أوائل الملتحقين بحركة فتح سنة 1965 فقد كان طالبا في كلية التجارة في القاهرة ورئيسا لاتحاد طلبة فلسطين في القاهرة وتتلمذ على يد الشهيد الراحل ياسر عرفات.

عبد الرحيم من أوائل الطلبة الذين التحقوا بالكلية العسكرية في جمهورية الصين الشعبية، ومن ثم استلم إدارة إذاعة صوت العاصفة في الفترة 1969-1970، ثم مديرا لإذاعة منظمة التحرير 1973-1978، ثم عين مفوضا سياسيا عاما فترة انشقاق طرابلس، وعين سفيرا لعدد من الدول كالصين الشعبية ويوغسلافيا وجمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية.

والراحل عضو المجلس الوطني الفلسطيني منذ عام 1977، وعضو المجلس الثوري لحركة فتح منذ عام 1980، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح في مؤتمرها الخامس عام 1988، وخاض كافة معارك الثورة ضد الاحتلال ودفاعا عن استقلال القرار الفلسطيني.

الراحل عبد الرحيم من مؤسسي السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1993 وقد كان موضع ثقة الرئيس الراحل ياسر عرفات والقيادة الفلسطينية، وعين من قبل الرئيس ياسر عرفات مسؤولاً عن شؤون الرئاسة في السلطة الفلسطينية، وأكمل مع الرئيس محمود عباس أمينا عاما للرئاسة، وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب عن فتح عن دائرة طولكرم في انتخابات يناير 1996 .

كان أحد مؤسسي إذاعة صوت فلسطين عام 1969، ومديرا لها، ومعلما وملهما لأجيال فلسطينية في الإعلام الموحد، إعلام منظمة التحرير الفلسطينية، والإعلام الرسمي الفلسطيني منذ تأسيسه على أرض فلسطين عام 1994.

_

الاخبار العاجلة