المتدينون الجدد وقانون الزندقة… وقطاع غزة (2)

19 أكتوبر 2016آخر تحديث :
المتدينون الجدد وقانون الزندقة… وقطاع غزة (2)
صدى الاعلام – أنور رجب

المتدينون الجدد مصطلح يُستخدم لوصف جماعات الإسلام السياسي، وكيفية تفسيرها للدين واستدعائها للموروث الديني التاريخي وتقديمه وتسويقه بأنه صحيح الدين بما يخدم إستراتيجيتها السياسية والحزبية بغض النظر إن كان هذا التفسير يتطابق مع صحيح الدين أم لا. المفكر الإسلامي د. خضر محجز وهو من القيادات السابقة في جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس، كان أول من أطلق واستخدم هذا المصطلح، ويعد من ابرز أصحاب ظاهرة “التنوير الديني” في قطاع غزة والتي تناولناها في المقال السابق، إذ يحدد د. خضر المواصفات التي يتصف بها المتدينون الجدد ومنها (أنهم يكثرون من السنن ويضيعون الفرائض، يقدسون الصحابة فيرفعونهم إلى رتبة الأنبياء إذ يرفضون أن يتم فحص أعمالهم(المقدسة)، يطالبون بحكم الله في السياسة فقط ولكنهم يرفضونه في النواحي الاجتماعية الأخرى، يضمرون التكفير لكل من ليس منهم ثم يعلنون أنهم لا يكفرون أحداً، يرفعون مرتبة ابن تيمية فوق مراتب السابقين واللاحقين، يزعمون أنهم سلفيون ثم يمارسون أعمال الخوارج، يتاجرون في كل شيء ويسمون المعاملات البنكية ربا ليؤسسوا بنوكا أشد احتكاراً ينسبونها لله مع أنها لهم هم أنفسهم، محترفو الكذب على كل من يخالفهم لأنهم يرون صحة الكذب على الكافرين، يفضلون اقتصاد السوق على الاقتصاد الاشتراكي لأنه يضخم من أموالهم باستنزاف دم الفقراء، يحبون المال ثم يلعنونه، ويحبون النساء ثم يصفونهن بما هو غير جميل). ويتميز المفكر خضر محجز بجرأة عالية في إبراز ضعف رواية المتدينين الجدد ومنافاتها لصحيح الدين، وهذا ما عرضه للاعتقال من قبل أجهزة امن حماس بسبب منشوراته حول تجربته التي اسماها “كيف غدوت من الإخوان”، وانتقاداته القاسية لها لانحرافها عن المنهاج الذي تأسست عليه.

المصطلح الآخر الذي يتم تداوله، ويختص باستخدامه الداعية جميل عبد النبي وهو من المقربين لحركة الجهاد الإسلامي، وهو مصطلح “الدين الموازي” ويقصد به أن الدين الذي تروج له وتسوقه جماعات الإسلام السياسي والمدارس التراثية ليس هو ما أُنزل على سيدنا محمد ولكنه الدين الذي حل مكان الإسلام بنسخته الأصلية، هو الدين الذي لم يكتف بالمصدر المحكم “القرآن الكريم” الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه الذي ارتضاه الله لديننا، فراح يبحث عن قناة جانبية لتوريد النص الديني وتفسيره في غير محله، والتي يقر أنها ليست محكمة لكنه يحتاجها لشرعنة مدخلاته (التراث والرواية). هو الدين الذي يرفع من شان رجال الدين إلى مرتبة أولى الأمر ويضعهم في موقع الحاكم الذي يسوس الأمة، هو الدين الذي يرفض الديمقراطية بوصفها وسيلة لأنسنة الصراع على السلطة ويصفها قاصداً بأنها مخالفة للإسلام من خلال مفهوم الحاكمية هادفا إلى تغييب عقول الأمة والتمكن من تصدر المشهد السياسي باسم الدين وخلق دولة الكهنوت، ومن هنا يتساءل الداعية عبد النبي في معرض رده على قول أحدهم أن الدين عند الله الإسلام قائلاً ” ما العلاقة بين الديمقراطية كآليات للحد من تغول السلطة والرقابة عليها وتوسيع قاعدة المشاركة فيها وبين الإسلام كمعنىً روحي وقلبي رسالته أن يعطي للناس معنى الحياة وأن يحقق السلام الروحي والطمأنينة القلبية؟”.

وينضم الكاتب عبد الله أبو شرخ إلى هذه الظاهرة، مؤكداً في منشوراته على ضرورة إعمال العقل، وإخضاع كل ما يصدر باسم الدين إلى قراءة متفتحة ينتج عنها توافق وتطابق بين العقل والنص الديني، وفي هذا يلجأ إلى إبراز القضايا والهموم والأزمات اليومية التي يعاني منها المواطن والتي في حصيلتها هي نتاج عدم الفصل بين الدين الذي تحكم باسمه حركة حماس قطاع غزة وتستثمره في الإبقاء على سلطتها وبين ضرورات الحكم والسياسة، وفي نفس الوقت يسعى من خلال إبراز تلك القضايا لكسر محاولة المتدينين الجدد لاحتكار طهرانية السلوك ونقاء القلب واليد عبر تقديم أنفسهم بأنهم أولياء الله على الأرض، ومحاولتهم نفي كل ما ليس منهم سواء كان فكريا أو ثقافيا أو سياسيا إذا تعارض مع نهجهم ومصالحهم، التي كان آخرها استهزاء ما يسمونه وزير ثقافتهم السابق بالفن البدوي الفلسطيني “الدحية”، وتطاول وزير سابق آخر لهم على القامة الوطنية العظيمة محمود درويش.

إن تناول هذه النماذج لا يعني بالضرورة أنها تشكل مجموع أصحاب ظاهرة “التنوير الديني” في قطاع غزة، إذ تضم العديد من الأسماء الوازنة التي لها مكانتها وإمكانياتها وحضورها المجتمعي من أساتذة جامعات ومفكرين وقادة سابقين في جماعات إسلامية أو علمانية أو يسارية، كما لم تعد قاصرة على قطاع غزة إذ لوحظ تمددها إلى الضفة أيضاً، كما لا يعني ذلك أن هناك تطابقا في الرؤى والمواقف الفكرية والسياسية بينهم جميعا، إلا أننا نجدهم متفقين من حيث الجوهر في القضايا الأساسية والرئيسية في فهم الدين، والعلاقة التي تحكم الدين بالمجتمع وفصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية، وتقليص دور الفقهاء وحصره في تعليم الناس قضايا العبادة والعقيدة، أما سياسة الدولة فهي شأن الجهات المختصة التي لا تتوقف فقط عند اجتهادات السابقين، بل تستفيد منها حين توسع مفهومها للإسلام، باعتباره لا ينكر عرف اليوم ومصالح الناس، والقوانين التي شرعها المختصون. من هنا جاءت الدعوة بضرورة إعادة قراءة التاريخ الإسلامي والموروث الديني بعقل منفتح بعيداً عن قداسة البشر أو قداسة الرواية.

بقي أن نقول إن مستوى النجاح الذي من الممكن أن تحققه هذه الظاهرة منوط أيضاً بمستوى أداء الجهات الرسمية ذات العلاقة، ومدى تفاعلها واستجابتها لهذه الظاهرة، ويأتي في مقدمتها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية المنوط بها إعادة النظر في كثير من الآليات والوسائل المعتمدة لديها سواء في نشر الفهم الديني الصحيح، أو في تأهيل رجال الدين وخطباء المساجد بما يتناسب مع حجم خطورة الفكر التكفيري، وكذلك إعادة النظر في المنظومة التعليمية بما فيها تأهيل المدرسين وخاصة مدرسي التربية الإسلامية، فيما يبقى دور المؤسسات الإعلامية والخاصة دورا محوريا من خلال فتح المجال أمام أصحاب هذه الظاهرة وغيرهم لنشر أرائهم وأفكارهم، وهذا لا ينفي دور النخبة من مثقفين وأساتذة جامعات وباحثين وكتاب في المشاركة في الدعوة الى إعادة إعمال العقل في الموروث الديني، ووقف حملة تشويه الدين واستغلاله من قبل المتدينين الجدد وأصحاب الدين الموازي، فالجهد الجماعي المنظم هو من يضمن النجاح ودونه فسنجد أنفسنا جميعا أمام قانون الزندقة !!!!

الاخبار العاجلة