فورين بوليسي: كيف يمكن لعالم ما بعد وباء كورونا أن يكون أقل عنفًا؟

16 أبريل 2020آخر تحديث :
فورين بوليسي: كيف يمكن لعالم ما بعد وباء كورونا أن يكون أقل عنفًا؟

يكافح العالم بأكمله لاحتواء جائحة كورونا، ولكن هذا ليس الوباء الوحيد الذي يعيث خرابًا في العالم، فوباء العنف الإجرامي معدٍ وخبيث للغاية، إذ قُتل أكثر من 464 ألف شخص في جرائم العام 2017، ووفقًا لأحدث بيانات متوافرة، وهو 5 أضعاف عدد الذين قتلوا في الحرب.

كما يعاني الملايين الآخرين من الإصابات الجسدية والنفسية التي خلفها العنف المنزلي ومعارك عصابات الجرائم العنيفة.

ووفقًا لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، من المؤكد أن جائحة فيروس كورونا ستؤثر على أنماط هذا العنف، ولكن السؤال هنا هو كيف؟ يتوقع المرء أن تنتج الأزمات المزيد من العنف، ولكن البيانات توضح أن هذا لم يكن الحال خلال جائحة الإنفلونزا الإسبانية المروعة في 1918-1919، إذ لم تشهد الولايات المتحدة وبريطانيا زيادة كبيرة في العنف، وانخفضت معدلات جرائم القتل بالفعل خلال فترة الكساد الكبير في الثلاثينيات، كما انخفضت خلال فترة الركود الاقتصادي التي بدأت في العام 2007.

ومع حظر التجول الليلي والإغلاق الذي يمنع الناس من الخروج إلى الشوارع، انخفضت بعض أشكال الجرائم العنيفة بسرعة في أمريكا الشمالية وأجزاء من أمريكا اللاتينية، ولكن مع تواجد الناس في منازلهم لفترات ممتدة، يتزايد العنف المنزلي والجرائم الإلكترونية.

الجريمة المنظمة

في بلدان مثل المكسيك التي تعاني من الجريمة المنظمة، ترتفع معدلات جرائم القتل إلى مستويات قياسية، مما يشير إلى انهيار النظام العام مع انتشار الوباء.

إلا أن التوقعات على المدى الطويل أقل وضوحًا، حيث يقلق المحللون مما سيحدث إذا ارتفعت أسعار المواد الغذائية عندما تنهار سلاسل التوريد، فأسعار المنتجات الغذائية الأساسية هي مسألة حياة أو موت لأكثر من 60 % من سكان العالم الذين يعتمدون على الاقتصاد غير الرسمي.

وهناك أيضًا مخاوف من زيادة الاضطراب الاجتماعي، عندما تفرض الحكومات عمليات الإغلاق والحجر الصحي بعنف، كما تفعل في كينيا، وجنوب أفريقيا، وأوغندا.

وفي الفلبين، أصدر الرئيس أوامر بإطلاق النار بهدف قتل أولئك الذين يحتجون على الحظر، وفي البرازيل، والسلفادور، وإيطاليا، تفرض العصابات وجماعات المافيا حظر تجول خاص لمنع انتشار الفيروس.

أكثر أمنًا

إلا أن احتمال تصاعد أشكال معينة من العنف في أعقاب الوباء لا ينبغي أن يعمينا عن حقيقة أن العالم أصبح مكانًا أكثر أمانًا.

فقد شهدت معظم البلدان انخفاضًا حادًا في معدلات العنف المميت خلال العقدين الماضيين، بناءً على أدلة من جميع أنحاء العالم، فبين عامي 1990 و2015، خفضت أمريكا الشمالية معدل جرائم القتل لديها إلى النصف، وهو الآن قريب من أدنى مستوياته التاريخية في الولايات المتحدة، وكندا.

وسجلت الدول الأوروبية أيضًا انخفاضات حادة. وفي آسيا، كان معدل جرائم القتل أقل بنسبة 38% في العام 2017 عما كان عليه في العام 2000، وسجلت حالات انخفاض بأكثر من 50 % في دول، مثل: كولومبيا، وإكوادور، وإستونيا، وكازاخستان، وروسيا، وسريلانكا.
وفي العديد من المدن والأحياء، كان الانخفاض في جرائم القتل مذهلًا. ففي الولايات المتحدة، أصبح معظم أكبر 30 مدينة، أكثر أمانًا اليوم مما كانت عليه قبل بضعة عقود.
وانخفضت جرائم القتل في نيويورك من أكثر من 2200 في العام 1990، إلى 300 في العام 2019. وشهدت واشنطن العاصمة انخفاضًا من أكثر من 700 حالة قتل في العام 1990 إلى 163 فقط في العام 2019، وقد اتبعت مدن أخرى في أمريكا الشمالية، وأوروبا الغربية، اتجاهًا مماثلًا.

وتأتي الأخبار السارة حتى من بعض الأماكن الأكثر عنفًا في العالم، فقد شهدت مدينة ميديلين الكولومبية، والتي توصف بأنها عاصمة القتل على كوكب الأرض، انخفاضًا مذهلًا في العنف المميت، من 266 حالة قتل لكل 100 ألف نسمة في أوائل التسعينيات إلى 30 فقط في العام 2015، وهو تراجع بنسبة 90% تقريبًا.

لماذا أصبحت الحياة في العديد من الأماكن أكثر أمانًا؟

وفق المجلة الأمريكية، هناك العديد من الأسباب المتصلة والتي لا يسهل فصلها، حيث يرتبط العنف الفردي بالشباب إلى حد كبير، وتميل المجتمعات التي بها نسبة أعلى من المراهقين والشباب إلى تسجيل مستويات أعلى من الجرائم العنيفة. وعلى النقيض من ذلك، فإن البلدان التي بها عدد كبير من السكان، مثل: اليابان، وإيطاليا، وألمانيا، غالبًا ما تكون أكثر سلامًا.

إلا أن التوزيع العمري للبلد يتغير ببطء ولا يمكنه تفسير انخفاض العنف إلى النصف في غضون عقد من الزمن، وعندما نقارن المناطق، يرتبط العنف إحصائيًا بمستوى عدم المساواة، وربما يرجع ذلك إلى ميل المواطنين المتضررين من عدم المساواة لأن يكونوا أكثر حساسية للوضع الاجتماعي والتفاعل بعنف مع المشاكل الصغيرة.

ومع ذلك لا تفسر هذه الفرضية سبب انخفاض العنف بقدر كبير حتى مع زيادة عدم المساواة في الدخل في العديد من البلدان.

وقد لا يكون عدم المساواة مرتبطًا بالعنف بل عدم المساواة في الحماية من العنف من قِبل المؤسسات، وفي كتاب “نظام وحشي”، أشارت الخبيرة الأمنية راشيل كلينفيلد، إلى أن الدولة في أكثر المجتمعات عنفًا، تعمل كقوة أمن خاصة للنخب بدلًا من ضامن للسلام العام.

ويبدو أنه عندما تبدأ المجتمعات في ائتمان قوتها الشرطية القادرة ونظام العدالة على حمايتها، تنخفض معدلات الجريمة ويسود حكم القانون والنظام للجميع.

فعندما يجند القادة السياسيون الشرطة والمجتمعات المحلية كشركاء في تطبيق المعايير التي تعاقب السلوك المنحرف وتعزز الأمان الجماعي، تنخفض الجرائم العنيفة.
وغالبًا ما تبدأ هذه الدائرة في الحد من الجريمة عندما تحدد المدن والمناطق أهدافًا واضحة تمتد عبر دورات انتخابية متعددة وإقطاعيات إدارية، وعندما يقر القادة السياسيون بأن الحد من جرائم القتل هو هدف يمكن تحقيقه، وليس شعارًا للحملة أو مصدرًا للإنفاق، ويخصصون الموارد الكافية لهذه المهمة. يتطلب تنفيذ هذه الخطط من قبل المحافظين ومسؤولي الشرطة وقادة الأعمال والمدنيين.

ولأن العنف الإجرامي شديد التركيز، حيث تظهر البيانات أن عددًا صغيرًا من الأحياء والجناة يمثلون نسبة كبيرة من جرائم العنف، يجب أن تركز برامج للحد من الجريمة على ضخ الموارد في الأماكن الأكثر عنفًا.

هل يمكن أن يتوقف الناس عن القتل؟

وتظهر البيانات أن بعض الأساليب المتبعة حاليًا، والتي تتنوع بين الشرطة العدوانية، وعدم التسامح، والحكم الإلزامي بعد الجريمة الثالثة، وبرامج التوعية بالمخدرات التي تقودها الشرطة، وأسلوب إخافة السجناء، وحملات إعادة شراء الأسلحة النارية، وبرامج إزالة الأحياء الفقيرة، لا تنجح بتغيير المجتمع.

ويعد هدف منع الناس من قتل بعضهم البعض بأعداد كبيرة ليس مرغوبًا فحسب، بل يمكن تحقيقه، وتم تبني هدف خفض معدل جرائم القتل العالمي بنسبة 50% بحلول عام 2030، أي حوالي 6.5 % سنويًا، من قِبل منظمة “باث فايندر للمجتمعات السلمية والعادلة والشاملة”، وائتلاف الحكومات والمنظمات الوطنية والدولية والمؤسسات والشركاء من القطاع الخاص.

وأول خطوة في هذا الجهد هي مضاعفة التدخلات القائمة على الأدلة في أخطر البلدان والمدن والأحياء، والاستفادة من المعرفة بما يصلح وما لا يصلح، وحقيقة أن العنف المميت عادة ما يركز على مناطق قليلة وبين عدد قليل من الناس، وعندما يتم تطبيق التدابير الصحيحة في الأماكن المناسبة، يمكن أن ينخفض القتل وغيره من أشكال الجرائم العنيفة بسرعة.

ومن شأن هذه الجهود أن تجعل عالم ما بعد وباء كورونا أكثر أمانًا.

الاخبار العاجلة