“فورين بوليسي”: على أوروبا أن تقول لا للبلطجة الاقتصادية الصينية

30 أبريل 2020آخر تحديث :
“فورين بوليسي”: على أوروبا أن تقول لا للبلطجة الاقتصادية الصينية

رأت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أن أوروبا تستطيع أن تقول لا لبكين، وأنها لا تحتاج لإظهار الاستسلام أمام الصين.

وذكرت المجلة أنه في عام 1996 كان كتاب “الصين يمكنها قول لا” من بين أكثر الكتب مبيعا، وهو الذي وضعه مجموعة من المثقفين اليمينيين؛ تعبيرا صريحا عن القومية، حيث دعا الصين إلى رفض القيم الليبرالية، ورفض المصالح الغربية المتآمرة لوقف صعودها.

وأضافت: “بعد أكثر من 20 عاما على رفض دعوات الديمقراطية والنهوض بالاقتصاد الذي تقوده الدولة لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أصبحت الصين بارعة في قول لا، واليوم تتعلم الضغط على الغرب للموافقة على مطالبها، وغالبا ما تستخدم تقييد الوصول إلى السوق الصينية، لكسر الإرادة السياسية للأطراف المعترضة”.

وقالت المجلة إن “أوروبا أصبحت الساحة الرئيسة التي يستعرض فيها كبار الدبلوماسيين الصينيين حزمهم الجديد، ففي الأسبوع الماضي، وخوفا من تداعيات علاقته التجارية مع الصين، خفف الاتحاد الأوروبي أسلوبه النقدي في تقرير عن حملة التضليل في الصين بشأن جائحة كورونا”.

مقامرة

كما رأت “فورين بوليسي” أن “أوروبا لا تحتاج إلى الانحناء للبلطجة الاقتصادية الصينية، ويمكنها أيضا أن تقول لا، وليس فقط لأن أوروبا أقل اعتمادا على السوق الصينية مما يفترض الكثير، بل أيضا لأن نقاط الضعف الاستراتيجية، وفقدان القدرة التنافسية من التجارة والاستثمار في الصين بدأت تفوق المزايا الاقتصادية”.

ووفقا لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، يرسل استسلام الاتحاد الأوروبي الأخير لبكين إشارة خاطئة إلى الدول الأعضاء التي تواجه ضغوطا مماثلة، ففي وقت سابق من هذا العام، هددت السفارة الصينية في براغ بالانتقام من الشركات التشيكية إذا زار مشرع بارز تايوان، والتي تعتبرها بكين مقاطعة منفصلة.

وذكرت أنه بعد فترة وجيزة من ذلك التهديد، ألمح السفير الصيني في ألمانيا، إلى أن شركات صناعة السيارات الألمانية في السوق الصينية قد تتضرر، إذا اتخذت برلين إجراءات لاستبعاد شركة “هواوي” الصينية من شبكات اتصالات الجيل الخامس.

وأوضحت المجلة الأمريكية، “للوهلة الأولى، يبدو واضحا لماذا قد تستسلم أوروبا لمطالب الصين السياسية، فعلى الرغم من أن الاقتصاد الصيني يتباطأ وتثقل كاهله ديون غير مسبوقة، إلا أن الصين لا تزال تمثل أكثر من ربع النمو الاقتصادي العالمي في الفترة من 2013 إلى 2018، ومن المستحيل على الشركات العالمية تجاهل سوقها المتطور”.

وأضافت: “مع ذلك، وعلى الرغم من مكانتها في الاقتصاد العالمي، يتساءل البعض عن مقدار النمو الاقتصادي الصيني المتاح للمستثمرين الأوروبيين وغيرهم من الأجانب. فبعد عقود من الوعود التي قدمتها بكين بخصوص انفتاح اقتصادها، لا تزال قيود الاستثمار في الصين، مثل القيود على الأسهم الأجنبية، مرتفعة بما يقرب من 4 أضعاف المتوسط في الاقتصادات المتقدمة”.

واعتبرت المجلة أن “العديد من صناع السياسة الأوروبيين أساؤوا تقدير أهمية التجارة مع الصين، وغالبا ما تباهى مسؤولو الاتحاد الأوروبي بأن تدفق البضائع يوميا بين الكتلة والصين كان بما يزيد عن 1.6 مليار دولار يوميا، ولكن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تتداول ما يعادل 32 مليار دولار مع الشركاء الداخليين والخارجيين يوميا، مما يشير إلى أن اعتماد أوروبا الاقتصادي على الصين مجرد أسطورة”.

ولفتت المجلة إلى “وجود علاقة غير متكافئة مع تطور التجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين، وتزامن التكامل التجاري مع الصين مع انخفاض حصة الاتحاد الأوروبي في الصادرات الصناعية العالمية من 44% في عام 2001 إلى 35% في عام 2018”.

سلاسل التوريد العالمية

وفيما يتعلق بسلاسل التوريد العالمية، ذكرت المجلة أن “الصين تصدر منتجات ذات قيمة أعلى إلى الاتحاد الأوروبي، ولكنها تستورد عددا أقل من السلع في المقابل، وإذا لم تركز أوروبا على تعزيز قدرتها التنافسية الصناعية، فسوف تستمر في الانزلاق إلى أسفل سلم الاقتصاد العالمي”.

وتابعت المجلة الأمريكية: “تظهر جائحة فيروس كورونا أن الاعتماد على الإنتاج الخارجي يمكن أن يكون خطيرا في أوقات الأزمات، ومع انتشار الفيروس التاجي في الصين في وقت سابق من هذا العام، تسببت عمليات الإغلاق في توقف العديد من الصناعات العالمية، حيث تعتمد الدول الأجنبية والشركات متعددة الجنسيات بشكل مفرط على منتجات وسيطة صينية معينة في مجالات الإلكترونيات الاستهلاكية والسيارات والمستحضرات الصيدلانية ولوازم الطب الحيوية”.

واستشهدت بما قاله وزير المالية الفرنسي برونو لومير، إن “أوروبا بحاجة إلى التخلص من اعتمادها على الصين، حيث لم تعد الصين أرضا خصبة لنمو الإيرادات لكثير من الشركات الأوروبية”، مضيفة: “على سبيل المثال خسر عمالقة صناعة السيارات في ألمانيا، مثل فولكس فاجن ودايملر وبي إم دبليو، وهم من أكبر المستثمرين الأوروبيين في الصين، حصصا متزايدة في السوق للمنافسين الصينيين مثل تشانجان وجيلي، ويحافظ المديرون التنفيذيون لشركة فولكس فاجن على نظرة متفائلة، ولكن النتائج التشغيلية للشركة في الصين، قد انخفضت بنحو 15% من عام 2015 إلى عام 2019، وبالنسبة لديملر وبي إم دبليو، ظلت حصتهما من الإيرادات الصينية راكدة على الرغم من نموها في دول أخرى، فمن الناحية المالية، غالبا ما تكون أوروبا، وليس الصين، هي التي تولد مستويات أعلى من نمو الإيرادات الجديدة”.

انخفاض الاستثمار الأوروبي في الصين

وأفادت “فورين بوليسي” بأنه نتيجة لذلك، أصبحت الشركات الأوروبية أقل إعجابا بالاقتصاد الصيني مما سبق، وانخفضت مستويات الاستثمار الأوروبية في الصين من أكثر من 15 مليار دولار في كل من 2011 و2012، إلى 8 مليارات دولار سنويا من 2016 إلى 2018.

كما رأت المجلة أنه “في الوقت الذي يواجه فيه الاتحاد الأوروبي التحدي الهائل المتمثل في التعافي الاقتصادي من الركود الناجم عن الفيروس التاجي، قد تنمو الضغوط على أوروبا للاستسلام للأوامر السياسية الصينية بشأن هواوي وتايوان والمصالح الوطنية الأخرى في الخارج، ولكن صناع السياسة الأوروبيين بحاجة إلى الاعتراف بأن لديهم مساحة أكبر للمناورة مع بكين مما يعتقدون، ففي مواجهة التباطؤ الاقتصادي الخاص بها، ستبحث الصين أيضا عن فرص النمو خلال الركود العالمي المقبل، ولن ترغب في قلب موقفها التجاري والاستثماري في السوق المشتركة الضخمة للاتحاد الأوروبي”.

ورأت أيضا أنه “يمكن للتركيز على التفاوض بشأن الوصول إلى الأسواق مع الصين أيضا أن يعمي أوروبا عن آفاق أوسع في الاقتصاد العالمي، ومع تفوق آسيا الناشئة على الصين باعتبارها محرك النمو الرئيس في العالم، يمكن لأوروبا أن تعزز محفظتها التجارية والاستثمارية عبر الهند وجنوب شرق آسيا، وتمثل اتفاقية التجارة الحرة الأخيرة مع فيتنام بداية واعدة لمثل هذا التوسع، إضافة إلى تعزيز مراكز التصنيع في وسط وشرق أوروبا”.

وخلصت المجلة إلى أنه “يجب على أوروبا أن تستثمر في ابتكاراتها الإقليمية وقدرتها التنافسية الصناعية. فرعاية شركاتها الرائدة عالميا ودعم الديمقراطيات الأخرى حول العالم، يمكن أن يخدم مصالحها الاقتصادية والسياسية أكثر.

وبدلا من اتباع قومية الصين، يمكن للقادة الأوروبيين تشجيع التعددية المبدئية في العالم، ولكن قبل أن تتحقق مثل هذه الأولويات، يجب على أوروبا أولا أن تتعلم قول لا للصين”.

الاخبار العاجلة